أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أنه سيزور قبرص السبت 12 سبتمبر (أيلول)، سعياً للتوصل إلى حل سلمي ينهي التوتر المتزايد في منطقة المتوسط، وأفاد بومبيو الخميس بأن زيارته إلى قبرص ستأتي استكمالاً لاتصالات أجراها الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء اليوناني كرياكوس ميتسوتاكيس.
وقال بومبيو للصحافيين من طائرته إنه "يجب حل (النزاع) بطريقة دبلوماسية وسلمية"، وأضاف "لذلك سأعمل على هذا الأمر في محاولة للتأكد من أنني أفهم الأخطار المرتبطة به من وجهة نظر القبارصة"، وأشار المسؤول الأميركي إلى دور ألمانيا في السعي لخفض التوتر، كما لعبت فرنسا دوراً أساسياً في النزاع البحري إذ دعمت بشدة اليونان وقبرص.
وتشهد منطقة شرق المتوسط توتراً بخصوص مناطق الصلاحية البحرية بين تركيا من جانب، واليونان وقبرص اليونانية من جانب آخر، ونشرت أنقرة التي تبحث عن احتياطات الغاز والنفط في مياه تطالب بها اليونان، سفينة استكشافية الشهر الماضي مدعومة بفرقاطات عسكرية، وردّت أثينا بإجراء تدريبات عسكرية بحرية.
وتأتي زيارة بومبيو بعد وقت قصير على رفع الولايات المتحدة الحظر عن بيع قبرص معدات عسكرية المفروض منذ عقود، ما أثار حفيظة تركيا، التي انتقدت عبر بيان لخارجيتها، القرار الأميركي بالقول، "إن القرار يُسمم جو السلام والاستقرار في المنطقة، وهو مناف لروح التحالف بين البلدين"، كما لوحت أنقرة بأنها ستتخذ الخطوات الضرورية للرد على القرار الأميركي".
ويعود قرار الحظر إلى ما قبل 33 عاماً، عندما فرضت الولايات المتحدة حظراً على توريد السلاح عام 1987، لمنع حصول سباق تسلح بين القبارصة الأتراك والقبارصة اليونانيين، ولدعم جهود توحيد الجزيرة. وفي مفارقة واضحة لدعوتها لتخفيف التوتر القائم بين تركيا واليونان، قررت واشنطن رفع القيود المفروضة على "بيع معدات عسكرية غير فتاكة" لنيقوسيا للسنة المالية المقبلة بشكل مؤقت وجزئي.
وعلق وزير خارجية شمال قبرص قدرت أوزيرساي على القرار الأميركي، في تصريحات صحافية، "اتخذت الولايات المتحدة (قرار حظر السلاح) لمساعدة محادثات السلام، والتوصل إلى تسوية شاملة عبر المفاوضات، وعلينا الآن التساؤل إن كانت الولايات المتحدة مهتمة بتسوية شاملة في قبرص"، وأضاف، "هذا لا يمكن اختباره بالنظر إلى التصريحات الرسمية الأميركية بأنهم يريدون تسوية، فعندما تشجع طرفاَ واحداً في نزاع إثني مجمد، فلا تتوقع من الطرفين التعاون والاتفاق على تسوية".
وتساءل المسؤول القبرصي الشمالي عن الغياب البريطاني، وأن بريطانيا (في الوقت الحالي) التي تعد إلى جانب تركيا واليونان ضامنة لمعاهدة استقلال قبرص عام 1960، تراجعت عن دورها لدرجة "لا يعرف أي دور تقوم به"، ما وسع المجال أمام التدخل الروسي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولم يكن قرار واشنطن مفاجئاً لأنقرة، فقد سبق ووافق مجلس الشيوخ في ديسمبر (كانون الأول) عام 2019، على قرار رفع الحظر عن تزويد قبرص بالأسلحة بعد مطالبات السيناتورين الديمقراطي روبرت ميندينيز، والجمهوري ماركو روبيو، بهدف تشجيع التعاون المتزايد بين قبرص واليونان وإسرائيل. وتزامنت موافقة مجلس الشيوخ مع جملة أخرى من الإجراءات في سياق التوتر التركي - الأميركي، بسبب أكثر من نقطة تعتبرها الولايات المتحدة لا تتماشى مع المصالح الأميركية وأهدافها.
والواضح أن انعكاسات القرار الأميركي تتجاوز التأثير على إشعال سباق التسلح في قبرص من جديد، إلى زيادة التوتر المتفاقم شرق المتوسط، وإلى مزيد من التشنج في العلاقات التركية - الأميركية، وعلاقات أنقرة بالاتحاد الأوروبي، وبالطبع تزايد الشرخ بين تركيا والناتو، وهو ما يتيح المجال أمام روسيا للتمدد أكثر.
وعلى الأرجح في حال قامت واشنطن بخطوات عملية، وأظهرت مزيداً من الإشارات على موقف أقرب لأثينا، فسيقود ذلك إلى مزيد من التقارب بين أنقرة وموسكو، وقد يدفع ذلك تركيا إلى تسريع تفعيل منظومة S-400 التي أجلتها لتجنب حدوث توتر مع واشنطن. كما قد تزيد وتيرة التقارب بين أنقرة وموسكو في حال فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، الذي يستهدف الجانبين منذ الآن في تصريحاته.
ويرى مراقبون أن القرار الأميركي (رفع حظر السلاح)، رسالة إلى قبرص وروسيا معاً عبر بوابة نيقوسيا، لتجنب التواصل مع موسكو، بل إن القانون الجديد "يقضي للولايات المتحدة وضع قيود على بعض التقنيات الحساسة في قبرص إلى أن تمنع الجزيرة السفن الحربية الروسية من الوصول إلى موانئها للتزود بالوقود والخدمات"، فقرار واشنطن مؤقت ومحدد بسنة واحدة، وقد يكون ذلك في إطار محاولات واشنطن إصلاح أخطاء بعض الإدارات الأميركية، التي سمحت لروسيا بالحضور في المنطقة من سوريا إلى ليبيا مروراً بقبرص ودول أخرى.
ولا يمكن تجاهل أن زيارة وزير الخارجية الأميركي إلى نيقوسيا تأتي بعد أيام من زيارة رسمية قام بها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الثلاثاء الماضي إلى قبرص، للاحتفال بستة عقود على العلاقات بين البلدين منذ حصولها على الاستقلال عام 1960، وعرضه هناك التوسط بين قبرص وتركيا في النزاع المتصاعد حول حقوق الغاز في شرق المتوسط، كما وقع لافروف سلسلة من المعاهدات المتعلقة بالضرائب، وقال إن روسيا مستعدة "لتعزيز الحوار، البراغماتي القائم على المصالح المشتركة، والبحث عن قرارات منصفة وقائمة على القانون الدولي".
المؤكد أن تصريحات لافروف ومنح الرئيس القبرصي أناستسيادس له وسام مكاريوس الثالث، الذي يعد أعلى وسام في الدولة، والتحركات الروسية في منطقة شرق المتوسط عموماً، لا تعجب واشنطن، إذ لم يكد يمضي أسبوع على اتصال بومبيو بالرئيس القبرصي ليبلغه أن بلاده قررت رفع حظر تصدير السلاح المفروض منذ 33 عاماً على قبرص، وهو تحرك يهدف للحد من التأثير الروسي المتزايد في الجزيرة.
ويكشف عرض لافروف القيام بالوساطة في الأزمة القبرصية، أو حتى شرق المتوسط، أن موسكو باتت لاعباً يمسك بخيوط تواصل متينة مع معظم أطراف النزاع، وأي محاولة لإبعادها ستواجه كثيراً من التعقيدات، لا سيما وأن قاعدة روسيا البحرية تعززت في ميناء طرطوس السوري بعد الحرب السورية، بالإضافة لتمكنها من إقامة قاعدة جوية قريبة، وسوريا على مرمى حجر من الجزيرة القبرصية، كما كشف العرض الروسي للتوسط شرق المتوسط عن ضعف الاتحاد الأوروبي، وعدم تمكنه من نزع فتيل التوتر بين تركيا واليونان العضوين في حلف الناتو.
ووقعت روسيا عام 2015 اتفاقيات مع قبرص فتحت القواعد الجوية والموانئ القبرصية أمام البوارج والمقاتلات الروسية، التي تستضيف أيضاً قواعد عسكرية بريطانية.
وتعتمد قبرص كثيراً على الاستثمارات الروسية. ولقبرص شعبية خاصة بالنسبة إلى السياح الروس مع التأثير الثقافي، حيث يتبع القبارصة اليونانيون، الأرثوذكسية التي تنتمي إليها روسيا، وحصل مئات الأثرياء الروس على الجنسية القبرصية ضمن ما يعرف بالبرنامج الذهبي، الذي يمنح الجواز القبرصي مقابل استثمار مليوني يورو في العقارات. وتحولت مدينة ليماسول إلى مركز للمجتمع الروسي حيث يعيش فيها حوالي 40 ألف روسي، وهناك حزب سياسي أنشأه الروس القبارصة، ومن بين الذين حصلوا على الجنسية القبرصية أثرياء على صلة قوية بالكرملين.