لم تستقطب البرامج النقدية للوضع العام التي تبثها القنوات الفضائية العراقية المشاهدين، بقدر ما استقطبتهم البرامج الكوميدية التي أنتجها هواة الكوميديا الساخرة وبثّوها على فيسبوك.
ولا تركز تلك البرامج على توجيه النقد للواقع السياسي أو الأمني فحسب، بل توسعت لانتقاد المجتمع وبعض العادات والتقاليد والظواهر السلبية السائدة فيه، بطريقة لم يعتدها الناس كثيراً في البرامج التي تظهر على شاشات التلفزيون.
حرية فيسبوك وقيود الفضائيات
ويبرّر بعض المتابعين لتلك البرامج أن الفضائيات العراقية تخشى المحاسبة القانونية ورقابة هيئة الإعلام والاتصالات عليها. إذ سبق وأوقفت الهيئة برامج ناقدة بحجة الإسفاف والتعارض مع الذوق العام.
برنامج "ستاند آب كوميدي" هو أحد أهم البرامج التي تستخدم الكوميديا السوداء في نقد الواقع السائد، إذ بدأ البرنامج في العام 2015 على فيسبوك، وعلى الرغم من تقديم أحمد وحيد صاحب البرنامج حلقات تنتقد الوضع السياسي، وتقدم بعض الشخصيات السياسية بشكل ساخر، إلا أنه يركز في برنامجه أيضاً على القضايا الاجتماعية بشكل عام مثل التعامل مع المثليين ومشكلة المياه المالحة في البصرة، وقضية الزواج في المجتمعات المغلقة داخل العراق، التي ترفض تزويج بناتها خارج حدود اللقب الديني أو العشائري.
وحيد لا يقتصر عمله على مقاطع الكوميديا السوداء على فيسبوك، بل يقدم برنامجه في الكثير من الأحيان على المسرح في مدينة البصرة التي يتحدّر منها ويعيش فيها. كذلك يسافر بين المدن في مَشاهده الكوميدية، إذ زار الموصل وتكريت ومدناً أخرى بعد تحريرها من داعش.
ولاية بطيخ
وعلى الرغم من وجود برامج كوميدية أخرى على فيسبوك مثل "ولاية بطيخ" و"قف للتحشيش" لكن برنامج وحيد يختلف عن غيره من البرامج لالتزامه الرصانة. فهو لا يستخدم كلمات تستفز المدافعين عن الذوق العام أياً كانت هويتهم، كما أنه البرنامج الوحيد الذي يستخدم الكوميديا السوداء.
وباعتراف علي فاضل، أحد نجوم برنامج "ولاية بطيخ" في لقاء تلفزيوني على قناة سامراء، فإن برنامج "ستاند آب كوميدي" اشتهر قبل "ولاية بطيخ" بكثير، وإن مقدمه يطرحه بطريقة فريدة، كما لا يستخدم كلمات توصف في المجتمع العراقي بأنها "بذيئة وتنافي الذوق العام".
القنوات الفضائية العراقية انتبهت إلى الفجوة التي تفصل بين ما تقدمه من برامج وبين الذوق العام، لا سيما أن صفحات البرامج الكوميدية على فيسبوك حظيت بمتابعة جيدة، لذلك حاولت استقطاب مقدمي البرامج على فيسبوك الذين نالوا شهرة واسعة لصنع حلقات خاصة منها للفضائيات.
وبالفعل اتفقت قناة "ان ار تي" مع وحيد على تقديم البرنامج على شاشتها لكنه توقف بعد حلقتين فقط، وعاد إلى حاضنته الأولى فيسبوك.
من فيسبوك إلى المسرح
ويقول وحيد "بحكم تجربتي، فيسبوك أفضل وعاء لاستيعاب البرنامج، فالقنوات الفضائية أغلبها يهتم بالترويج للأحزاب والقادة والأيدولوجيات التي تتبناها، ولا تهتم بالاستثمار مثلما تفعل قنوات استثمارية في بلدان عربية أخرى تستقطب الشخصيات التي تجذب عدداً أكبر من المشاهدين".
ويضيف "أحب المسرح أيضاً لكن المسارح الحكومية لا تسمح بالنقد السياسي، أما المسارح الخاصة فتفضل النقد الاجتماعي، لأنها تخشى المساءلة والإغلاق، لذلك أكملتُ برنامجي على فيسبوك على الرغم من تقديمي بعض الحلقات على المسرح".
اختار وحيد الكوميديا السوداء وهي نموذج فريد في العراق، فكل عبارة يتفوه بها تعبِّر عن موقف وهدف وحقيقة وليست للضحك فقط. وقبل وحيد اشتهر برنامج "البشير شو" وهو من البرامج التي كانت تقدم على الإنترنت أيضاً، قبل أن تتعاقد معه فضائية "ان ار تي" وفضائية "DW" الألمانية.
برامج أخرى حصلت على شهرة واسعة واستقطبتها الفضائيات مثل برنامج "ولاية بطيخ" الذي بُثّ لاحقاً على قناة دجلة، واحتفظ بموقعه على فيسبوك، وينتقد البرنامج الذي تعرض لهجوم كبير قبل أكثر من أسبوع بعد تقديمه حلقة حول المشروبات الكحولية.
وتناقلت وسائل التواصل الاجتماعي فيديو قصيراً يظهر شخصاً يمسك بسلاح رشاش، ويطلق النار نحو أحد المنازل، ويبدو من تصوير الفيديو أن المهاجمين أنفسهم قاموا بتصويره.
أما برنامج "قفْ للتحشيش" فقد اكتسب شهرة واسعة عقب ظهور فيديوات كوميدية حول تنظيم داعش في الموصل في العام 2016، إذ ظهر في الفيديو شخصان من داعش يتحاوران بطريقة كوميدية حول الهروب من الموصل.
الفيديو المذكور حصل على نسبة مشاهدة عالية قياساً ببقية الحلقات الكوميدية، لأنه تناول تنظيم داعش بطريقة لم يعتدها العراقيون من قبل، وفي ذروة التحشيد الإعلامي الجاد والدعوات إلى التصدي للتنظيم المتشدد، خرج البرنامج بمشهد كوميدي غير متوقع حصد 350 ألف تعليق من متصفحي فيسبوك.
البرنامج ما زال يبث على فيسبوك من خلال التعاون مع "إذاعة المربد" في البصرة التي ينتمي إليها صاحب الفكرة محمد قاسم، والشخصية الرئيسة في معظم المقاطع الكوميدية.
إقبال الفضائيات العراقية على البرامج الكوميدية على فيسبوك، ومحاولة استقطاب كوادرها إليها، يكشف نجاح أبطالها في استقطاب جمهور وسائل التواصل الاجتماعي، على الرغم من بساطة إمكاناتهم التقنية قياساً بوسائل الإعلام المرئية.