باشرت وزارة الاتصال في الجزائر حملة دعائية، عبر وسائل الإعلام للتشجيع على الذهاب إلى التصويت، في استفتاء الدستور في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، الذي يتزامن مع ذكرى الثورة التحريرية للبلاد. وتباعاً، بدأت مواقف الطبقة السياسية تتضح شيئاً فشيئاً ما بين فكرة التصويت بنعم أو لا، و مشروع المقاطعة.
بين الأبيض والأزرق
سيخير الجزائريون بين ورقة بيضاء تعني الإجابة بـ"نعم"، وورقة زرقاء تعني الإجابة بـ"لا" في استفتاء الدستور، فيما ستحمل الورقتان سؤالاً مفاده، كما ورد نصه في الجريدة الرسمية الخميس، "هل أنتم موافقون على مشروع تعديل الدستور، المطروح عليكم؟"
وتنطلق الأحد المقبل، عملية المراجعة الاستثنائية للقوائم الانتخابية، طبقاً لنصوص القانون التنظيمي للانتخابات، وهو إجراء قانوني مدته ثمانية أيام، يشمل عملية التسجيل الطوعية للبالغين الذي يحق لهم الاقتراع (18 سنة)، وشطب المتوفين وكذلك تعديل محل الإقامة بالنسبة إلى الذين غيروا مكان سكنهم.
وبعيداً عن الجوانب القانونية المعتادة، تتعاظم شيئاً فشيئاً المواقف من استفتاء الدستور بالشكل الذي أعاد تدريجياً الحياة إلى عدد من الأحزاب السياسية. ويبدو الدستور الجديد بالنسبة إلى صاحب المشروع، الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، على قدر كبير من الأهمية، باعتباره أحد أبرز تعهداته الانتخابية، وفرصة لتحصيل "شرعية ثانية" في سياق عملية تحصيل توافق تام حول المسار السياسي الذي يقوده.
وانخفض حجم الرفض لمحتوى الدستور، بعد إلغاء مقترح تعيين نائب لرئيس الجمهورية، وأيضاً إثر الإبقاء على الأمازيغية لغة وطنية، ضمن المواد الصمّاء غير القابلة للتعديل لاحقاً. ومع ذلك، فإن تقديرات قطاع من الموالين والمعارضين أيضاً، تشير إلى أن الوثيقة المقترحة من الدستور لم ترق إلى المستوى الذي يحقق تغييراً جذرياً في منظومة الحكم.
حملة دعائية
ضماناً لوصول وثيقة الدستور المقترحة إلى بيوت جميع الجزائريين، أعدت وزارة الاتصال عملية دعاية واسعة عبر وسائل الإعلام الرسمية والخاصة، بمشاركة هيئات على علاقة بالقطاع، أبرزها المركز الدولي للصحافة وسلطة ضبط السمعي البصري.
وشرح وزير الاتصال، الناطق الرسمي باسم الحكومة عمار بلحيمر، الخميس، هذه العملية الدعائية، قائلاً "فيما يتعلق بعملية شرح ما تضمنه نص القانون من طريق وسائل الإعلام، ستكون من خلال نشر الوثيقة كما هي، عبر مختلف وسائل الإعلام وفسح المجال أمام الأكاديميين والمتخصصين ومختلف الفاعلين، لكشف وتوضيح محتواه بالنقاش الهادف والمؤسس على معطيات من الواقع".
ومبدئياً، تنفي وزارة الاتصال التدخل في مسار النقاشات المتوقعة عبر وسائل الإعلان، "لأن لكل مؤسسة إعلامية الحرية في تناول الموضوع بكل مسؤولية وتمكين مختلف الحساسيات من إبداء آرائها ومواقفها، مع ضرورة احترام الرأي الآخر. وستكون عملية الشرح مقيدة بضوابط قانونية، لأن الفاعلين الأساسيين فيها وسائل الإعلام على اختلاف أطيافها".
في المقابل، لم تعلن أي من الأحزاب الرافضة لمشروع الدستور نيتها الدخول في حملة معاكسة لـ"المقاطعة النشيطة" ضمن تجمعات داخل القاعات، على عكس مئات من منظمات المجتمع المدني، التي أعلنت قيادة عملية دعائية كبرى عبر المحافظات لحث الجزائريين على التصويت بـ"نعم".
ما بين الأحزاب
ينقسم الداعمون والرافضون للاستفتاء ما بين "مبادرة قوى الإصلاح الوطني" و"العقد السياسي من أجل البديل الديمقراطي". والتكتل الأول يبدو أنه يحظى بثقة السلطات العليا على حساب أحزاب الموالاة المهيمنة على غالبية المقاعد في البرلمان، أي "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي"، اللذين يُنظر إليهما كأوعية حزبية موروثة عن الحقبة السياسية السابقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومبدئياً، أعلن رؤساء الكيانات والكفاءات المكونة لـ"مبادرة القوى الوطنية للإصلاح"، المشاركة في استفتاء الدستور المقبل، مع إبقاء الخيار للتصويت بـ"نعم" أو "لا" للهيئات الحزبية المتخصصة (اللجان المركزية أو مجالس الشورى).
وذكرت "مبادرة الإصلاح"، وهي تكتل حزبي التقى قادته الرئيس تبون قبل أيام، أنهم التقوا، الأربعاء، "لتقييم ودراسة المشروع النهائي لتعديل الدستور. وفي النهاية، ثُمّن إدراج جزء هام من مقترحات المبادرة في المشروع".
ووجهت المبادرة دعوة صريحة "إلى المشاركة الواسعة في النقاش والتصويت للتعبير الحقيقي عن إرادة الشعب". كما أبقى المشاركون اجتماع هيئة الرؤساء مفتوحاً لمتابعة الأوضاع، وأرجأوا القرار بالتصويت بـ"نعم" أو "لا" إلى اللقاء المقبل.
حكم فردي
على النقيض، قال تكتل "العقد السياسي من أجل البديل الديمقراطي" المعارض للمسار السياسي، الذي أدى إلى الانتخابات الرئاسية التي جرت نهاية العام الماضي، إنه "من خلال هذا التصعيد (متابعات قضائية لنشطاء في الحراك) هناك عملية لزرع الرعب. فالنظام يريد أولاً تأمين مراقبة الاستفتاء ضمن مسار يبدو كارثياً على صورة النظام نفسه، على الرغم من الحملة الدعائية الكبرى عبر وسائل الإعلام، التي تقع تحت سيطرة البوليس السياسي".
ويشارك في هذا التكتل كل من حزب "التجمع من أجل الثقافة الديمقراطية"، و"حزب العمال" و"الحزب الاشتراكي للعمال" وأيضاً "الاتحاد من أجل التغيير والرقي" و"الحركة الديمقراطية والاجتماعية" و"الحزب من أجل اللائكية والديمقراطية"، إضافة إلى الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان وشخصيات جامعية وتاريخية مستقلة.
وموقف هذا التكتل قريب جداً من موقف بعض الفعاليات التي تفضل استمرارية مسيرات الحراك الشعبي، حيث يبني موقفه على أساس رفض المسار السياسي الحالي ككل، وليس بناءً على محتوى نص وثيقة الدستور.
في المقابل، لا يعلن نشطاء الحراك موقفاً جماعياً بسبب غياب جسم تمثيلي يتحدث باسمه، لكن برزت بعض المواقف الفردية لشخصيات قريبة منه.
من بين تلك الشخصيات، المحامي مصطفى بوشاشي، الذي راسلته رئاسة الجمهورية رسمياً على أمل إبداء رأيه في الوثيقة، وكان رد بوشاشي "أتفهم جيداً أنه بمناسبة حملتكم الانتخابية (يقصد الرئيس تبون) وعدتم بتعديل الدستور ليلبي تطلعات الشعب الجزائري إلى الديمقراطية والحرية. كنت أعتقد أنكم ستلجأون إلى عقد مؤتمر وطني تشارك فيه كل الحساسيات والأطياف السياسية والمجتمع المدني، ويعمل على وضع وثيقة توافقية ثم تقوم اللجنة التقنية بصياغة مخرجاته. ولكن الذي حدث هو أنكم شكلتم لجنة لصياغة رغبات وتوجهات النظام لإعطاء انطباع بأن لجنة الخبراء هي التي وضعت المسودة".
وخلص يقول "أصدقكم القول بأنني تفاجأت من محتوى المسودة، التي جاءت في نهاية المطاف لتؤسس لحكم فردي... إن المسودة من ناحية الموضوع لا تبرز نظاماً محدداً، لا برلمانياً ولا رئاسياً ولا شبه رئاسي بل هو مناف، بالشكل الذي ورد في الوثيقة، لكل المبادئ التي تتضمنها الدساتير التي تؤسس للديمقراطية".