مخاوف سودانية حقيقية بدأت تطل برأسها، وتحذيرات جادة انطلقت من مغبة انجراف التدني المريع في الصحة البيئية، الذي خلفته آثار الفيضانات، نحو هاوية وبائية وخيمة العواقب، بدأت نذرها تلوح في الأفق، بعد ظهور حالات إسهالات مائية في عدد من تجمعات المتأثرين من الفيضانات.
وأثار ظهور هذه الحالات بين الأطفال في عدد من مخيمات الإيواء، الشكوك والمخاوف لدى المواطنين والكوادر الطبية من احتمالات أن تكون مؤشراً إلى ظهور وباء الكوليرا الفتّاك سريع العدوى والانتشار.
إسهالات ونقص في الأدوية
وشكا عدد من المواطنين في مناطق الكلاكلة غرب، جنوب ولاية الخرطوم، ومنطقة أم دوم في شرق النيل، وغرب وشرق الجيلي، من التدهور المريع في الصحة البيئية، بسبب انتشار برك وتراكمات المياه الراكدة وسط شوارع وميادين المدن والقرى والأحياء، واختلاطها بالصرف الصحي في أماكن عدة، إلى جانب النقص في الأدوية والمحاليل الوريدية والمعينات في المراكز العلاجية.
وأكد المواطن السر يوسف أحمد، من منطقة الكلاكلة جنوب، شديدة التضرر من الفيضانات، لـ"اندبندنت عربية"، ظهور حالات إسهالات مائية وسط الأطفال، يتم التعامل معها بواسطة كوادر العيادة الصحية في معسكر الإيواء والمركز الصحي في المنطقة.
ويشكو متضررون من كثافة انتشار البعوض ليلاً والذباب نهاراً، على الرغم من بدء السلطات المحلية عمليات الرش الضبابي لمكافحة الحشرات، مشيرين إلى أن عدداً من منظمات المجتمع المدني وزّعت ناموسيات واقية من البعوض على متضرري تلك المنطقة.
وأبدى أحد الكوادر الصحية في منطقة الكلاكلة غرب، مخاوفه من أن تكون هذه الحالات هي الكوليرا الفتّاكة، بخاصة أن الأطفال لم يستجيبوا لعلاجات الإسهال المعروفة، في وقت تشح محاليل التروية الوريدية.
أمراض جلدية غامضة
وكشف أحمد حافظ، عضو لجنة المقاومة في الكلاكلة القبة، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، عن تسجيل حالات من الأمراض الجلدية الغامضة، التي تشبه الحساسية الحادة، وتظهر على كل من تلامس أرجله المياه الراكدة، متسببة في حكة شديدة وحبوب وبثور بالأرجل، ما سبب هلعاً وسط المواطنين.
وشكا حافظ من الانقطاع التام للتيار الكهربائي عن منطقتهم، ما عمّق معاناة المواطنين وصعّب تفاصيل الحياة اليومية، بخاصة عند المساء إذ تنتشر أسراب البعوض والناموس وحشرات أخرى كثيرة.
وأضاف "وصلت بعض المنظمات وتسلّمنا بالفعل مجموعة من المشمعات والناموسيات الواقية من البعوض وكمية من المواد التموينية، كما تم تعزيز المركز الصحي في المنطقة بوحدة صحية إضافية مؤقتة مجاورة له".
وفي منطقة أبو سعد بأم درمان، تحيط المياه الراكدة بعدد كبير من المنازل القابعة وسط البرك، حيث ينتظر السكان تدخل السلطات الصحية والمحلية.
وفي شمال الخرطوم، بمنطقة الجيلي، طالب المواطنون بتسريع عملية إسكان المشردين الذين هجّرهم الفيضان من مناطقهم.
مخاوف من وباء الكوليرا
ومن منطقة أم دوم المنكوبة، أطلق عضو لجنة الخدمات منتصر مصطفى عباس تحذيراً بأن الوضع مهيّأ تماماً لظهور وباء الكوليرا، بخاصة بعد ظهور حالات عدة للإسهالات المائية.
وطالب عباس بالعمل سريعاً على تجفيف برك المياه الراكدة، مضيفاً "بدأت بالفعل عمليات سحب المياه، لكنها ليست سريعة بما يكفي. كما أن المنطقة بحاجة عاجلة إلى سدّ النقص في علاجات الملاريا والأمراض المزمنة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جانبه، حذّر الدكتور بابكر المقبول، مدير الوبائيات في وزارة الصحة الاتحادية، في حديث إلى "اندبندنت عربية"، من مغبة تأخر السيطرة على التردي المريع في الصحة البيئية، لأن الثمن سيكون غالياً، وسيؤدي إلى انجراف نحو خطر وبائي كبير.
ونفى أن تكون تقارير قنوات المراصد اليومية الخاصة بالوزارة قد أظهرت أي حالات اشتباه أو بلاغات، حول ظهور أوبئة خطيرة مثل الكوليرا حتى الآن، لكن المخاوف تظل موجودة، كما أن الظروف تعتبر مؤاتية لظهورها.
وأضاف "لا أستطيع أن أنكر أو أستبعد ظهور حالات الإسهال المائي في ظل الظروف التي تعيشها البلاد حالياً. فتلك الحالات تزداد معدلاتها دائماً في الخريف، لكنها لا تشكل مهدداً للصحة العامة، على الرغم من أنها قد تعتبر وخيمة وربما تتسبب بالموت للأطفال دون عمر خمس سنوات. لكن ما نخشاه هو حالات الإسهالات ذات الصبغة الوبائية، وهي أيضاً تنتج من تردي الصحة البيئية".
تحدٍّ كبير ومعالجات ضعيفة
وأقر مدير الوبائيات بوجود تحدٍّ حقيقي يتمثل في التدهور البيئي الواسع جداً، تقابله أعمال علاجية ضعيفة للغاية، وهي تتقاطع مع شح الإمكانيات وأزمة الموارد والوقود، على الرغم من الجهود الجارية الآن للمكافحة عبر ماكينات الرش الضبابي والرزازي.
وحول عدم استجابة حالات الإسهال التي ظهرت في بعض المناطق لعلاجات مثل الفلاجيل والميترادينازول، أوضح المقبول أن تلك الأدوية لا تعتبر السلاح الأول لمعالجة الإسهالات، إنما تعالج بالمحاليل التعويضية الوريدية.
في السياق ذاته، حذّر الدكتور بشري حامد، الأمين العام للمجلس الأعلى للبيئة في ولاية الخرطوم، من مغبة تدهور بيئي كبير، قد تشهده الولاية نتيجة انتشار برك المياه واختلاطها في مناطق عدة مع مياه الصرف الصحي.
من جانبها، نبّهت وزارة الصحة في الولاية من مخاطر التلوث البيئي ما بعد الفيضان، داعيةً إلى تنفيذ خطة طوارئ مشتركة مع منظمات المجتمع المدني لمكافحة أمراض الخريف في المناطق المتأثرة.
وبحسب أحدث إحصاء رسمي حول حجم خسائر الفيضانات، بلغ إجمالي الوفيات 120 شخصاً، والمنازل التي تضررت 118392 منزلاً، منها 40378 تهدمت كلياً، إضافة إلى تدمير 250 مرفقاً و97751 فداناً في القطاع الزراعي ونفوق 5930 من الحيوانات الأليفة والدواجن.
وتصدرت ولاية سنار قائمة الخسائر في الأرواح والمنازل والحيوانات، تليها ولايتا البحر الأحمر وشمال دارفور.