بين حال من الهدوء سادت الشوارع المصرية وسط انتشار أمني ملحوظ في بعض الميادين الرئيسة ومداخل المدن الكبرى، وبين استنفار وتفاعل واسع على صفحات التواصل الاجتماعي، مضى اليوم 20 سبتمبر (أيلول) كما هو معتاد في مصر، بالرغم من دعوات أطلقها المقاول والفنان المصري المعارض محمد علي، للتظاهر ضد الحكومة، وأيدتها جماعة الإخوان المسلمين ووسائل الإعلام الموالية لها، وذلك بالتزامن مع الذكرى الأولى لاحتجاجات 20 سبتمبر من العام الماضي.
وفيما بدت الشوارع هادئة، كان المشهد على مواقع التواصل الاجتماعي مغايراً، إذ تصدر خلال الساعات الأولى من اليوم هاشتاغ #محدش_ نزل، متبوعاً بهاشتاغ #الشعب_معاك_ياريس من معسكر الموالين للحكومة، بعد أيام من هاشتاغ #مش_نازلين_يوم20.
وفي المقابل تحرك المعسكر المضاد والداعي للتظاهرات بالتفاعل عبر تغيير هاشتاغ #انزل_20_سبتمبر إلى #تحت_بيوتنا_نازلين، متبوعاً بهاشتاغ #نازلين_بعد_صلاه_الظهر.
ويرى منتقدو دعوات الخروج للتظاهر في مصر مجدداً أنها تهدف إلى ضرب استقرار البلاد وإعادة الفوضى، لاسيما وأنها صادرة من جماعة الإخوان المصنفة محلياً "منظمة إرهابية"، أو من الموالين لها، مؤكدين أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قدم لبلاده الكثير منذ قدومه إلى الحكم، ما يستحق البقاء لاستكمال مسيرة الإصلاح. وينتقد المدافعون عن التظاهرات والخروج إلى الشوارع تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية وتراجع الحريات، فضلاً عن التضييق والملاحقة الأمنية اللذان يطاولان أصوات المعارضة.
مشاهد من 20 سبتمبر
وفق شهود عيان تحدثوا إلى "اندبندنت عربية"، فقد غابت أية مظاهر تشير إلى الاستجابة لدعوات التظاهر التي دعا إليها محمد علي خلال الأيام الأخيرة، فيما كان الانتشار الأمني ملحوظاً في بعض الميادين، مع تكثيف الارتكازات الأمنية عند مداخل عدد من المدن الرئيسة، وعلى رأسها العاصمة القاهرة، مشيرين إلى إغلاق المقاهي والكافيهات في محيط وسط القاهرة القريب من ميدان التحرير.
وفيما لم تُصدر وزارة الداخلة المصرية أي بيان عن استعداداتها الأمنية، ذكر شهود عيان أن استنفاراً أمنياً ملحوظاً شهده محيط مراكز الشرطة، فضلاً عن تشديد الحراسات حول بعض المناطق، وبخاصة الكنائس والسجون، وشنّ حملات مرورية وأمنية مكثفة خلال الساعات والأيام الأخيرة، حيث انتشرت الكمائن الأمنية على الطرق الداخلية والسريعة، وقامت قوات الأمن بتسيير دوريات للشرطة على بعض الأحياء.
وكان المقاول والفنان محمد علي دعا، من مقر إقامته في إسبانيا، الشعب المصري إلى الخروج في مظاهرات يوم 20 سبتمبر، بمناسبة الذكرى الأولى لتظاهرات دعا إليها في التوقيت نفسه من العام الماضي، ولاقت آنذاك استجابة محدودة. وقال علي إنه يراهن على استجابة الشعب المصري للتظاهر هذا العام، نظراً لأزمات عدة، أبرزها الأوضاع الاقتصادية والسياسية، إضافة إلى قانون التصالح في مخالفات البناء "على حد تعبيره".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتزامنت دعوات علي إلى التظاهر، والتي أيدتها منصات إعلامية واسعة محسوبة على جماعة الإخوان، مع احتقان متصاعد في الشارع المصري، على خلفية حملة حكومية لإزالة العقارات المقامة من دون ترخيص، وذلك في إطار مساعيها لتطبيق قانون التصالح المثير للجدل على الأبنية المخالفة.
وتداول نشطاء ومغردون عبر مواقع التواصل الاجتماعي قبل أسبوع مقاطع مصورة لاحتشاد العشرات في محافظات مصرية، لم تتحقق "اندبندنت عربية" من صحتها، وذلك بعد تحرك الحكومة لإزالة عقاراتهم المخالفة والمقامة من دون تراخيص، ما دفع الحكومة لاحقاً إلى إعلان تسهيلات في شأن تقديم تصالح مع الجهات الحكومية.
وفيما لم تعقب السلطات المصرية رسمياً على تلك الدعوات الاحتجاجية، إلا أن وسائل الإعلام المحلية المحسوبة على الدولة حذرت من الخروج والتظاهر أو الاستجابة لدعوات الدول المعادية لتخريب البلاد، مؤكدين أن الدولة ستقف في مواجهة أية محاولة للعبث بأمنها.
غياب التظاهرات لا ينفي الاحتقان
في الوقت الذي فشلت فيه دعوات التظاهر والخروج اليوم الأحد 20 سبتمبر، يقر مراقبون تحدثوا إلى "اندبندنت عربية"، بوجود احتقانات قائمة بفعل الضغوط الحياتية والاقتصادية التى تواجهها قطاعات واسعة من الشعب.
وقال الكاتب الصحافي جمال فهمي لـ "اندبندنت عربية"، "إن دعوة التظاهر اليوم لم يأخذها أحد على محمل الجد لأنها صادرة من شخص غير ذي صدقية، إلا أن فشلها لا يعني بالضرورة غياب الغضب واتساع رقعة الاحتقان بسبب السياسات الحكومية القائمة".
وذكر فهمي، أنه "لا شك في وجود حال غضب واسعة يزيد حدتها ضيق مساحات الحرية والضغط المستمر من قبل السلطات على المجال العام"، مضيفاً أنه "يمكن تخفيف حدة الاحتقان بفتح المجال العام والسماح للأصوات المعارضة في الداخل بالحديث، وهو ما لم يحدث".
في المقابل، وبالرغم من تأييده للسياسات الحكومية، أقر النائب البرلماني محمد أبو حامد بوجود "غضب واحتقان في الشارع بسبب بعض السياسات أو تطبيق بعض القوانين"، في إشارة إلى قانون التصالح مع المباني المخالفة والمثير للجدل، معتبراً أن الأمر "اعتيادي في أغلب دول العالم، وأن تكون هناك حال من التململ الاجتماعي والاقتصادي"، مضيفاً أن "الأمر غير المقبول هو أن يستغل أعداء الوطن من الدول والجماعات تلك المشكلات والقضايا المصرية في تأليب الرأي العام، وخلق حال من تزوير الحقائق، ونشر الشائعات لتحقيق مصالحهم في مصر".
وبحسب أبو حامد فقد "اعتدنا منذ 30 يونيو (حزيران) 2013 على تحرك جماعة الإخوان لقلب الرأي العام المصري عبر المتاجرة بهمومه ومتاعبه وتزوير الحقائق ونشر الشائعات، لكن وعي ونضج المواطن المصري تجاوزا كل تلك الدعاوى"، معتبراً أن "المصريين تغيروا كثيراً خلال السنوات الأخيرة، ولم تعد منصات التواصل الاجتماعي هي المحرك الرئيس للأحداث، بل أصبح المواطنون وحتى البسطاء منهم أكثر وعياً، مدركين أن هذه المواقع تستخدم لأغراض مختلفة، وهو ما انعكس في فشل كل المحاولات السابقة لإخراج المصريين إلى التظاهرات".
ويؤكد أبو حامد أن "مواجهة الدعوات التحريضية المتواصلة من الخارج تتطلب من الحكومة العمل أولاً بأول على توضيح الحقائق والأكاذيب أمام الشعب، فضلاً عن التعامل الجدي والموضوعي مع المشكلات الحقيقية التى يمكن استغلالها من الخارج، ومصارحة الشعب بسبل وطرق حلها". وتابع، "الإخوان والموالون لهم لن يتوقفوا عن ضرب استقرار البلد وزعزعة أمنه بكل السبل والوسائل الممكنة".
هل تقود الأوضاع إلى الخروج؟
ومع توافق المراقبين في شأن وجود غضب واحتقان جراء بعض السياسات، يستبعد سياسيون أن تعيد تلك الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية مصر إلى مشاهد عامي 2011 عندما أطيح بنظام الرئيس الراحل حسني مبارك، أو 2013 حينما عزل نظام الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين.
وتقول الرئيس الأسبق لحزب الدستور المعارض، هالة شكر الله، إن "الناس لا يتحركون بدعوات الخارج، وفكرة الخروج والتظاهر تتم بطرق مختلفة، ومصر بعيدة منها في الوقت الراهن، ولا يمكن لأحد أن يدعو من الخارج للتظاهر، ويقبل المصريون بهذا الأمر".
وتتابع شكر الله أن "هناك غضباً في الشارع المصري، وهذا أمر معروف لأي متابع أو مراقب، ولكن هناك إدراكاً بأن كل الظروف في الوقت الراهن تخلق حالاً من عدم الرضا، ولكن هل سيؤدي هذا إلى تغيير شيء أو خلق بدائل تطرح على الساحة؟ هذا الأمر يحكمه فقط مدى تطور الأحداث وفاعليتها على الساحة المصرية".
ووفق شكر الله فإن "الظروف تتغير من لحظة لأخرى، وتفرض تغيّر العالم كله، وقدرة تنظيم أو فرد على تحريك الشارع موضوع كبير ومعقد"، مشددة في الوقت ذاته على أن الحال المصرية بعيدة من هذه السيناريوهات خلال الوقت الراهن.