بين سنابل القمح يختفي الشاب سليمان قديح وفريقه، يحصدون بأيديهم الشتلات الناضجة، لا مجال للحديث الجانبي والغناء والفقرات الشعرية، كعادات الحصاد القديمة، بل يقتصر يومهم على العمل فقط، فهم مجبرون على تلك المهنة، بعدما أُغلقت أمام شهاداتهم الجامعية أبواب كل فرص الوظائف في قطاع غزة. فلم يكن أمام سليمان أي حل سوى الانضمام لفريق "الكوماندوس" ذي المهمات الصعبة، ليكون الباب الوحيد الذي يوفر له مصدر دخل، يعيل فيه نفسه ويساعد في مصروف أهل بيته، على الرغم من صعوبة العمل وقلة التحصيل.
يعمل الشباب في غزة 12 ساعة يومياً
لا علاقة لفريق الكوماندوس الفلسطيني بأي نشاط عسكري، بل هو مجموعة من حملة الشهادات الجامعيين الذين ضاقت بهم سبل العمل في تخصصاتهم، فلجأوا إلى العمل التطوعي والمبادرات الفردية، علهم يوفرون قوت يومهم في ظل الأزمات المركبة التي يعيشها سكان قطاع غزة.
ويعمل سليمان برفقة 40 شاباً، (جلهم حاصلون على درجة البكالوريوس) في أي مشروع يتطلب مجهوداً جماعياً، وليس فقط حصاد القمح أو أي محصول آخر. ويقول "الحصاد الذي يمكن أن يأخذ من وقت المزارعين قرابة الساعة ونصف الساعة باستخدام الجرارات، لا يستغرق معنا سوى 30 دقيقة فقط".
في الحقيقة، يعيش الشباب في قطاع غزة ظروفاً صعبة، جراء تضاعف تداعيات الحصار الإسرائيلي المفروض منذ 14 سنة، الذي أدى إلى إغلاق عشرات المشاريع التجارية والصناعية، علاوةً على تبِعات الانقسام السياسي الفلسطيني، الذي أوقف التوظيف الحكومي منذ تولي حركة حماس سدة الحكم في غزة.
وتعتقد إسرائيل أن القيود التي تفرضها على حدودها مع غزة تأتي للحد من القدرات القتالية لـ"حركة حماس" التي تسيطر على القطاع، فيما يقول مسؤولون في غزة إن هذه الإجراءات أصابت الاقتصاد في مقتل.
1.5 دولار إيجار ساعة عمل
لكن الأمر غير المجدي بالنسبة إلى فريق الكوماندوس، هو سعر ساعة العمل المقدر بدولار أميركي ونصف الدولار (أي ما يعادل 5 شيكل بالعملة الإسرائيلية المتداولة في الأراضي الفلسطينية)، ويعمل الشباب عادة قرابة العشر ساعات يومياً. ويقول سليمان "نباشر عملنا عند السابعة صباحاً ونستمر حتى الغروب، وعلى الرغم من كل هذا التعب، لا يتعدى تحصيلي اليومي العشرة دولارات، إنه شيء مرهق وغير مجد حقيقةً".
وفي حين يعبر سليمان عن عدم رضاه عن عمله، لكنه مجبر عليه، فهو حاصل على شهادة بكالوريوس في العلاقات العامة والإعلان من جامعة الأقصى في غزة، وبحث عن فرصة توظيف في القطاعين الخاص والحكومي لأكثر من خمس سنوات من دون جدوى. وبعد تزايد المسؤوليات على أهله، أُجبر على العمل في أي مهنة ليوفر قوت يومه، ويسهم في تحسين وضع أهله الاقتصادي.
واقعياً، يعاني سكان غزة من ارتفاع نسبة البطالة، التي وصل مؤشرها إلى 72 في المئة، وفق بيانات وزارة التنمية والشؤون الاجتماعية، من بينهم أكثر من 300 ألف خريج جامعي عاطل من العمل.
العمل في أي فرصة
يقول النائب في المجلس التشريعي في غزة جمال الخضري، إن الأمن الغذائي لحوالي مليون شخص في غزة مهدَد بسبب الحصار الإسرائيلي، وتقليص المساعدات الإنسانية، ما يرفع مؤشر الفقر إلى 85 في المئة بين سكان القطاع.
وعندما لا يجد أعضاء فريق "الكوماندوس" فرصة عمل في حراثة وحصاد الأرض، يضطرون للعمل في أشغال البناء أو النجارة وحتى الحدادة، ويتقاضون لقاء تلك الأعمال السعر ذاته. ويشكو سليمان أنه "من الظلم أن يكون شاباً ذا قدرات هائلة، ويعمل في مهن عادية، ولا يحصل على فرصة ليقدم ما لديه من إبداعات في تخصصه".
كذلك تحاول فرق شبابية أخرى مثل فريق "الكوماندوس" جاهدةً، أن تتحايل على الأزمات المتراكمة في غزة، وأكبرها تفشي البطالة بين السكان، عبر تنفيذ مشاريع فردية صغيرة، أو بمبادرات تطوعية ذات مردود مادي متدن جداً.
ويرى باحثون فلسطينيون، أن حل مشكلة البطالة لدى شباب غزة يكمن في إنشاء مشاريع تشغيلية فورية، أو التوجه نحو مجالات العمل عبر الإنترنت.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أكشاك القهوة أكثر مجال للعمل
لاحظت "اندبندنت عربية" أن عدداً من الشباب توجه لفتح مشاريع صغيرة جداً في غزة، تتمثل في إقامة أكشاك لبيع القهوة للمارة على جوانب الطرق الرئيسة. وقال رامي، أحد أصحاب الأكشاك الصغيرة الشباب، "أعمل يومياً من الثامنة صباحاً وحتى الثامنة مساءً، وأحصل على 10 دولارات".
لا مجال حالياً لعمل الشباب في أحد مصانع القطاع، ليس لعدم حاجة إدارة تلك المشاريع لعمال إضافية، بل لأن أغلبها أغلق أبوابه أو شارف على الإغلاق. وصرح النائب جمال الخضري في هذا السياق أن "250 مصنعاً توقفت عن العمل عام 2019، وسرحت عمالها الذين انضموا تلقائياً إلى صفوف البطالة".
وتتمثل مشاكل الشباب في غزة، بعدم حصولهم على فرصة عمل، بعد إغلاق باب التوظيف الحكومي والأهلي والخاص، وفقدان القدرة على استكمال التعليم الجامعي، وغياب مراكز تأهيل القدرات أو التدريب، ورفض معظم المؤسسات فكرة استقبال متطوعين شباب، خوفاً من إصرارهم على التوظيف في المؤسسة أو طلب بدل مالي، ويُضاف إلى كل ذلك غلاء المعيشة في غزة.
في وقت سابق، وصفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الوضع الاقتصادي في غزة هذا العام، بالأسوأ منذ عام 2014.
التعليم المهني حلاً
يقترح الباحث الفلسطيني إسلام عطا الله، تعزيز فكرة التعليم المهني، بدلاً من التعليم الأكاديمي والتخصصات العلمية، ليتمكن الشباب من الحصول على فرصة عمل بعد التخرج، أو فتح مشروع خاص بدلاً من الانضمام لطابور البطالة الطويل.
يقول عطا الله إن عدم وجود أماكن تراعي مواهب الشباب وتعزز إمكاناتهم وقدراتهم، يسهم في زيادة نسبة اليأس لديهم، لذلك من الضروري، إنشاء الحاضنات الشبابية، وعلى الشباب تحدي الظروف من خلال المبادرات والأنشطة دون انتظار الجهات الحكومية والأهلية في توفير فرصة عمل لهم.
وبحسب عطا الله، فإن المؤسسات الحكومية أو الأحزاب الفلسطينية، لا تضم في هيئاتها القيادية والإدارية، فئة الشباب، إلا بنسبة لا تتجاوز 1 في المئة، لافتاً إلى أن غياب الشباب عن مراكز صناعة القرار في المؤسسات الرسمية والحزبية، يسهم في غياب طرح قضاياهم داخل البؤر القيادية، التي يُفترض أن يكون المسؤولون فيها هم أول المبادرين لحل تلك الأزمات.