في الجهة المقابلة من القناة الإنجليزية، يقدم الجزء العقلاني من أوروبا بعض التفكير في المستقبل، وحاجة البلدان إلى زيادة العوائد من أجل تسديد تكاليف نهم الاقتراض الذي جعلته الجائحة ضرورياً.
وتحقيقاً لهذا الغرض، قال باولو جنتيلوني، مفوض الاقتصاد في المفوضية الأوروبية، لـ"الفايننشال تايمز"، إن بروكسل تريد من الدول الأعضاء أن تستأصل الهياكل التي تسهل التخطيط الحازم لضرائب الشركات [التهرب الضريبي]. وإن لم تفعل الدول ذلك، قد تفرضه بروكسل عليها.
ومع اقتراب أسبوع العمل من نهايته، أطلقت المفوضية أيضاً استئنافاً ضد حكم المحكمة العامة للاتحاد الأوروبي لصالح "أبل" وإيرلندا، إذ تقف دبلن موقفاً غريباً يتمثل في محاربة طلب بروكسل بأن تدفع شركة التكنولوجيا العملاقة 14.3 مليار يورو كضرائب متأخرة إلى الخزانة الإيرلندية.
وجادلت مفوضة المنافسة مارغريت فيستاغر بأن الصفقة الضريبية الحبية الممنوحة إلى "أبل" كانت حبية بما يكفي لتوازي المساعدات الحكومية غير القانونية. وأفادت المحكمة بأن القضية لم تثبت أنها تلبي شروط "المعيار القانوني المطلوب" الذي كان في الأساس دعوة للعودة إلى خضم الموضوع.
وفي خلفية ذلك يقبع الضغط المتزايد على الشركات والأثرياء لتحمل حصة أكبر من عبء دفع تكاليف الجائحة عندما يحين الوقت.
وسيحين الوقت. فأرقام الاقتراض مذهلة. وفي عودة إلى المملكة المتحدة، كثرت في شكل حتمي التغريدات حول تضخم اقتراض البلاد إلى 35.9 مليار جنيه إسترليني (أي حوالي 46.21 مليار دولار أميركي) في أغسطس (آب).
ومع ذلك، عندما سألت أحد الاقتصاديين من معارفي، وهو أحد الذين يعملون في الجزء المعقول والبراغماتي من المهنة، متى قد تدعو الحاجة إلى معالجة المسألة، كان رده "في الوقت الحالي لا يوجد أي شيء على الإطلاق".
واعتذر في ما بعد لأنه اعتقد بأنه كان جلفاً. ولم يحتج إلى الاعتذار لأنه لم يكن جلفاً. كانت إجابته مقتضبة ومباشرة ودقيقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع خطر أن تخنق قيود جديدة ذات صلة بالجائحة التعافي البريطاني، ليس الوقت الحالي مناسباً للتخفيف من إجراءات المالية العامة. بل العكس. فالأمر نفسه يصح على الدول الأخرى حيث جرى التخفيف من هذه الإجراءات بضغط من أصوات معارضة.
وقد تبدو الأرقام ضخمة، لكن خدمة الدين الحكومي رخيصة الآن ومن المرجح أن تبقى كذلك لبعض الوقت مع احتمال بقاء معدلات الفائدة منخفضة لسنوات. ويقول البعض لعقود من الزمن.
وفي ضوء الوضع الاقتصادي الحالي، لم يحن بعد أوان مناقشة مسألة البدء بتقشف على صعيد المالية العامة. لكن الطريقة مسألة أخرى. وتستحق الطريقة المناقشة، ولذلك تستأهل إجراءات الاتحاد الأوروبي النظر فيها.
فالصفقات الحبية في مجال ضريبة الشركات التي تجعل بلداناً تحل مشكلاتها الاقتصادية على حساب بلدان أخرى تمثل مدخلاً جيداً لمناقشة معدلات ضريبة الشركات.
لقد استفادت بعض الشركات جيداً من الجائحة. و"أبل" إحداها. لكن طفرة الأرباح لدى الشركات التكنولوجية لم تتحقق. بل هي أرباح غير متوقعة نجمت عن تضرر أجزاء كبيرة من المجتمعات والاقتصادات.
ويجب إعادة توزيع بعض من هذه الأرباح غير المتوقعة في عملية إعادة البناء التي ستكون ضرورية في كل من المالية العامة والمجتمع.
وفي هذه الأثناء، استفادت شركات أخرى من دعم غير مسبوق، شمل إعفاءات ضريبية، وإعانات للأجور، وقروضاً حكومية رخيصة. وكل ذلك كان ضرورياً جداً في ضوء الحاجة إلى إبقاء الناس في وظائفهم وصد التهديد الحقيقي المتمثل بانهيار بعض القطاعات بكل بساطة.
لكن مع تعميم خسائر القطاعات يجب أن يصح الأمر نفسه على نسبة من أرباحها تفوق المعتمد حالياً، على أن يُسترَد المال من خلال النظام الضريبي.
فالأعباء الخاصة بالمالية العامة انتقلت لسنوات من كاهل الشركات إلى كاهل الأفراد. ولعبت بريطانيا أيضاً هذه اللعبة تكراراً وعلناً، إذ بررت معدلاتها المتدنية مقارنة باقتصادات ذات أحجام قابلة للقياس إلى اقتصادها.
صحيح أن قطاع الشركات لا يستطيع تحمل العبء وحده.
وثمة مبرر قوي لتعزيز استخدام ضرائب الثروات، كما أن زيادة الضرائب الخضراء لن تضر أيضاً، نظراً إلى المنفعة التي يمكن أن تتحقق منها.
وفي الوقت نفسه، لا مبرر يسوغ خفض الإنفاق العام، لا سيما في المملكة المتحدة. لقد أمضت هذه البلاد 10 سنوات وهي تقوم بذلك، وقد تشكل النتائج في المستقبل دراسة حالة جيدة للأسباب التي تجعل التقشف مدمراً لنفسه بنفسه بكل ما للكلمة من معنى. ويمثل وقف التقشف مثالاً نادراً على قيام بوريس جونسون بأمر صحيح.
وهذه مناقشة تبدأ ببطء، لكن حتى في خضم جائحة، هي تستحق الإجراء.
وحين يجري التأكد من طريقة خفض الإنفاق العام، يمكننا الانتقال إلى مناقشة موعد البدء به. لكن الآن يمكن لهذه المناقشة أن تنتظر.
© The Independent