كثف المسلحون الانفصاليون الأرمن في ناغورنو قره باغ والجيش الأذربيجاني، الأحد، تبادل القصف المدفعي الذي استهدف خصوصاً العاصمة الانفصالية وثاني مدن أذربيجان، في اليوم الثامن من القتال الدامي.
كما كثف الطرفان التصريحات الهجومية متجاهلين دعوات المجتمع الدولي إلى وقف إطلاق النار، وتبادلا الاتهامات حول المسؤولية عن النزاع.
نقلت وكالة الإعلام الروسية عن مسؤول في قرة باغ قوله إن 18 من المدنيين بالإقليم المنشق قتلوا، وأصيب 90 آخرون بنيران قوات أذربيجان خلال أسبوع من القتال.
في المقابل، طالب الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف بأن تضع أرمينيا جدولاً زمنياً لانسحابها من الإقليم والمناطق الأذربيجانية المحيطة، مؤكداً أن بلاده لن توقف العمل العسكري إلى أن يتم ذلك.
وقال علييف في خطاب بث عبر التلفزيون، إن أذربيجان انتظرت 30 عاماً لاستعادة أراضيها. وأضاف، "ناغورنو قرة باغ إقليم أذربيجاني لا بد من استرداده، وسنسترده".
وفي السياق نفسه، قال حكمت حاجييف، مساعد رئيس أذربيجان، إن القوات المسلحة الأرمينية شنت هجوماً صاروخياً على مدينة مينجا تشيفير الصناعية الأذربيجانية في وقت متأخر اليوم الأحد.
وأضاف حاجييف، على تويتر، "مينجا تشيفير تضم خزاناً للمياه ومحطة كهرباء رئيسة. (القصف) تعبير همجي عن اليأس".
وأكدت وزارة الدفاع في أذربيجان تعرض مدينتي مينجا تشيفير وترتر لهجوم، وقالت إن عدداً من الأشخاص أصيب بجروح. لكن وزارة الدفاع في قرة باغ نفت حصول ذلك.
وقف إطلاق النار
بعد استهداف القوات الأرمينية منشآت عسكرية في مدينة كنجه الأذربيجانية، أعلن رئيس ناغورنو قره باغ أرايك أروتيونيان، عبر حسابه على تويتر أنه وجّه أوامر بوقف إطلاق النار حفاظاً على حياة المدنيين، داعياً الجانب الأذربيجاني إلى وقف العمليات العسكرية قبل فوات الأوان، كما هدد بمواصلة القصف إذا استمرّت باكو باستهداف المنشآت المدنية في الإقليم شبه المستقل.
وفي تغريدة أخرى، صباح الأحد، قال أروتيونيان إن جيش أذربيجان "الإرهابي"، بحسب وصفه، يستهدف المدنيين في ستيباناكرت، عاصمة الإقليم، باستخدام راجمات الصواريخ شميرتش وبولونيز، معلناً رداً على ذلك استهداف الوحدات العسكرية في المدن الأذربيجانية الكبرى، ودعا المدنيين إلى مغادرة هذه المدن على وجه السرعة.
قصف متبادل
كما شهدت المدينة خلال الأيام الأخيرة ضربات عدة من هذا النوع، صعّدت من جديد الصراع في منطقة جنوب القوقاز، مما أجبر السكان على الاحتماء في أقبية وملاجئ. وقطعت الكهرباء من ليلة السبت إلى الأحد في العاصمة ستيباناكرت. وذكرت وزارة الخارجية المحلية أن القوات الأذربيجانية "استهدفت مبنى الشبكة الكهربائية" الليلة الماضية. وظل الدمار محدوداً في وسط المدينة، بحسب ما أشار فريق وكالة الصحافة الفرنسية قبل استئناف الضربات صباح الأحد.
في المقابل، أعلنت أذربيجان أن القوات المسلحة الأرمينية قصفت مدينة كنجه، ثاني أكبر مدنها. ونفت أرمينيا إطلاق النار صوب أذربيجان، قبل أن يعلن زعيم إقليم ناغورنو قرة باغ أن قواته دمرت قاعدة جوية عسكرية في كنجه. وذكرت وزارة الدفاع في أذربيجان أن مدينتي ترتر وهوراديز الواقعتين قرب الحدود الفعلية مع الإقليم، تتعرضان لقصف عنيف.
وفي وقت متقدم السبت، قال الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف إن قواته "رفعت علم" البلاد فوق مدينة مداغيز الاستراتيجية واستولت على قرى عدة، فيما أفادت وزارة الدفاع الأرمينية بأن قواتها في قره باغ صدّت هجوماً أذربيجانياً كبيراً. وأشارت المتحدثة شوشان ستيبانيان إلى القتال العنيف "على طول خط المواجهة بأكمله"، موضحة أن القوات الأرمينية أسقطت ثلاث طائرات أذربيجانية.
في إطار ذلك، دعت سلطات ناغورنو قره باغ المجتمع الدولي إلى "الاعتراف باستقلال" الإقليم باعتباره "الآلية الفعالة الوحيدة لاستعادة السلام".
إدانة القصف العشوائي
دانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الأحد، القصف العشوائي للمناطق المأهولة في النزاع الدائر في قره باغ، متحدّثة عن "عشرات" الضحايا المدنيين على جانبي خط التماس.
وجاء في بيان للمدير الإقليمي لمنطقة أوراسيا في اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جنيف مارتن شوب أن المنظمة "تدين بشدة القصف العشوائي والهجمات غير المشروعة باسلحة متفجّرة على مدن ومناطق مأهولة، ما أوقع ضحايا في صفوف المدنيين وألحق بهم إصابات مروعة".
وتابع بيان اللجنة، الموجودة في المنطقة منذ عام 1992، "يجب اتّخاذ كل التدابير الممكنة لحماية المدنيين وحقن دمائهم كما حماية البنى التحتية المدنية على غرار المستشفيات والمدارس والأسواق. كذلك يجب حماية تموّن المدنيين بالمياه. هذا الأمر يكفله القانون الإنساني الدولي".
وفي الأيام الأخيرة، رصدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر استخداماً متزايداً للأسلحة الثقيلة والمتفجرات في المناطق المأهولة.
وأكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن عمليات القصف المدفعي والضربات الجوية، بما في ذلك إطلاق الصواريخ، دمّرت أو ألحقت أضرارا بمنازل وبنى تحتية أساسية على غرار المستشفيات والمدارس.
وأشارت اللجنة أيضاً إلى تضرر الطرق والكهرباء والغاز وشبكة الاتصالات.
وتحدّث البيان عن "عائلات تبحث عن ملاذ آمن، وأخرى اختبأت في ملاجئ تحت الأرض من دون وسائل تدفئة، تلازمها ليلاً ونهاراً للاحتماء من أعمال العنف".
وذكّرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بأن استخدام الأسلحة المتفجّرة ذات التأثير الواسع النطاق ضد أهداف عسكرية في مناطق مأهولة يمكن أن يشكل انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي، الذي يحظر الهجمات العشوائية وغير المتناسبة.
بداية الصراع
وتصاعدت التوترات المستمرة منذ فترة طويلة بين أرمينيا وأذربيجان إلى صراع مفتوح منذ الأحد الماضي، في منطقة ناغورنو قره باغ المتنازع عليها، لتبلغ أسوأ مستوى منذ فترة التسعينيات التي شهدت مقتل 30 ألف شخص، وسط تقارير عن مقتل العشرات وإصابة المئات، بمن فيهم مدنيون. وأصدر قادة مجموعة مينسك، التابعة لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي (OSCE)، المعنية بالوساطة لحل النزاع القائم منذ عام 1992، بياناً يدعو إلى وقف القتال والعودة إلى المفاوضات.
الصراع المستمر منذ نهاية الفترة السوفياتية، يتعلق بمسألة السيطرة على إقليم ناغورنو قره باغ، الذي يتمتع بحكم ذاتي تحت اسم دولة "آرتساخ" بعد سعي سكانه ليصبحوا جزءًا من أرمينيا. ويصرّ كل من الأذربيجانيين والأرمن على ملكيتهم التاريخية المطلقة للمنطقة الواقعة داخل حدود أذربيجان، لكن يسكنها الأرمن.
ويعود الجدل بشأن تبعية إقليم ناغورنو قره باغ إلى وقت مبكر من القرن العشرين. ففي 4 يوليو (تموز) 1921، عقد المكتب القوقازي للحزب الشيوعي الروسي في العاصمة الجورجية تبيليسي اجتماعاً تم فيه اعتماد ناغورنو قره باغ جزءًا لا يتجزأ من أراضي جمهورية أرمينيا الاشتراكية، لكن بإملاء من موسكو ومشاركة مباشرة من ستالين، أعيد في اليوم التالي النظر بالقرار، واتخذ آخر جديد تم بموجبه اعتبار ناغورنو قره باغ منطقة ذات حكم ذاتي تتبع جمهورية أذربيجان السوفياتية، ما تعدّه أرمينيا اختراقاً واضحاً للمواثيق الدولية من قبل مجموعة بلشفية بزعامة ستالين، التي قررت من دون أي صلاحيات قانونية نقل أراضي دولة لتصبح تابعة لأخرى حديثة الإنشاء، أطلق عليها عام 1918 اسم أذربيجان.
ومراراً، وجّه الشعب الأرميني في ناغورنو قره باغ طلبات إلى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي، ناشدها فيها بضم الإقليم إلى جمهورية أرمينيا الاشتراكية السوفياتية، ما تعتبره أذربيجان تمرّداً انفصالياً.
وعام 1966، اتخذت أمانة اللجنة المركزية قراراً يقضي بتفويض اللجنتين المركزيتين للحزب الشيوعي في أرمينيا وأذربيجان بمناقشة المشكلة بشكل مشترك.
وعام 1977، عندما نوقش المشروع الجديد لدستور اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، طرحت القضية مرة أخرى، لكن المشكلة بقيت من دون حل حتى سقوط الاتحاد السوفياتي، واندلعت الاشتباكات بين الطرفين.
ويخشى المجتمع الدولي أن يهدد الصراع بعرقلة إمدادات الطاقة عبر جنوب القوقاز، إذ تنقل خطوط أنابيب النفط والغاز من أذربيجان إلى الأسواق العالمية، كما قد يجرّ النزاع قوى إقليمية مثل روسيا وتركيا وسط تقارير متزايدة عن نقل تركيا عناصر من المرتزقة السوريين للقتال في صفوف القوات الأذربيجانية، الأمر الذي تنفيه باكو.