تواصلت الاشتباكات العنيفة في إقليم ناغورنو قره باغ لليوم التاسع على التوالي، في ظل تصاعد التوتر بين أرمينيا وأذربيجان، وأفيد بأن القوات الأذربيجانية شنت هجوماً بالصواريخ، صباح اليوم، الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) على مدينة ستيباناكرت عاصمة الإقليم.
وتبادلت أرمينيا وأذربيجان الاتهامات، بمهاجمة مناطق مدنية، وقُتل مئات الأشخاص في الحرب الأحدث على ناغورنو قره باغ، وهو جيب جبلي تابع لأذربيجان بموجب القانون الدولي لكن يسكنه ويحكمه منحدرون من أصل أرميني.
في موازاة ذلك، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الإثنين اتصالاً هاتفياً برئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، دعا فيه إلى وقف "فوري" للمعارك في ناغورنو قره باغ، بينما نددت فرنسا وروسيا والولايات المتحدة، الأعضاء في "مجموعة مينسك"، المكلفة منذ عام 1992 التوسط في ملف الإقليم المضطرب، بالمعارك التي تستهدف المدنيين هناك، معتبرةً أنها تشكل "تهديداً غير مقبول لاستقرار المنطقة".
وأكد وزراء خارجية الدول الثلاث، الفرنسي جان ايف لودريان والأميركي مايك بومبيو والروسي سيرغي لافروف في بيان، أنه "من دون أي تحفظ، إن الهجمات الاخيرة التي استهدفت منشآت مدنية والطابع غير المتكافئ لهذه الهجمات يشكلان تهديداً غير مقبول لاستقرار المنطقة".
وندد البيان "بأكبر قدر من الحزم بالتصاعد غير المسبوق والخطير للعنف داخل وخارج منطقة النزاع في قره باغ".
وجدد الوزراء الثلاثة دعوتهم إلى "وقف فوري وغير مشروط لاطلاق النار"، مطالبين باكو ويريفان بأن "تتعهدا من الآن استئناف عملية التسوية بالاستناد إلى المبادئ الأساسية القابلة للتطبيق والنصوص الدولية الملائمة والتي يعرفها الطرفان تمام المعرفة".
تهدئة النزاع
وبعد مباحثات أجراها مع وزير الخارجية التركي، مولود تشاوش أوغلو، توقّع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ من أنقرة استخدام "نفوذها الكبير" لتهدئة النزاع في قره باغ. وقال، "من المهم للغاية أن ننقل رسالةً شديدة الوضوح إلى جميع الأطراف بأن عليهم وقف القتال على الفور، وبأننا ينبغي أن ندعم كل الجهود لإيجاد حل سلمي من خلال التفاوض". وأضاف في مؤتمر صحافي، "لا يوجد حل عسكري".
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حضّ أذربيجان على مواصلة حملتها العسكرية حتى استعادة الإقليم. تشاوش أوغلو قال من جهته إن على الحلف الأطلسي معالجة التصعيد "في شكل متوازن". وتابع "على الجميع، ولا سيما الناتو، دعوة أرمينيا للانسحاب من أجل أن يكون هناك حل لهذه المشكلة في إطار القانون الدولي".
وفي سياق متّصل، قال رئيس أذربيجان إلهام علييف، في مقابلة تلفزيونية اليوم الاثنين، إن تركيا يجب أن تشارك في عملية السلام بمنطقة ناغورنو قره باغ بعد وقف إطلاق النار في المستقبل.
معارك عنيفة
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأعلن الإقليم الانفصالي أن القوات الأذربيجانية شنت ضربات صاروخية على عاصمته خانكندي، بينما قالت أذربيجان إن أرمينيا أطلقت صواريخ على بلدات عدة خارجه.
ولفت فاهرام بوغوسيان المتحدث باسم زعيم الإقليم "العدو يطلق صواريخ على خانكندي وشوشة. لن يتأخر رد جيش الدفاع كثيراً".
وأفادت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأرمينية شوشان ستيبانيان عن "معارك عنيفة مستمرة". وفي أذربيجان، نقلت الأنباء استهداف غنجه، المدينة الثانية في البلاد والتي تبعد 60 كيلومتر عن خط التماس، بالإضافة إلى بيلاغان.
وذكرت تقارير رسمية أن القصف بالقذائف على وجه الخصوص، أدى إلى مقتل أربعة من سكان المنطقة الإنفصالية وخمسة في أذربيجان، فضلا عن العديد من الجرحى. وتبادل الطرفان كالعادة، منذ استئناف النزاع في 27 سبتمبر (أيلول) الماضي، الإتهامات باستهداف المدنيين عمداً، وبث صور منازل مدمرة أو صواريخ غير منفجرة مزروعة.
ومساء أمس الأحد، أمام عنف القصف الذي طال مناطق مأهولة، أعربت روسيا عن قلقها من نقطة التحول هذه. وأعرب وزير خارجيتها سيرغي لافروف عن قلقه لنظيره الأرميني من "زيادة عدد الضحايا بين السكان المدنيين". وجدد دعوة روسيا، القوة الإقليمية الرئيسية، إلى "وقف إطلاق النار في أسرع وقت ممكن". كما أدانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر "القصف العشوائي".
أذربيجان تشترط
في الوقت الذي تزداد فيه المخاوف الدولية من أن يؤدي الصراع إلى تورط قوى إقليمية أخرى، إذ تدعم تركيا أذربيجان، بينما لدى أرمينيا معاهدة دفاعية مع روسيا، طالبت باكو مساء الأحد يريفان بالانسحاب من الإقليم المتنازع عليه.
وقال الرئيس الأذربيجاني، في خطاب متلفز، "ليس لدي سوى شرط واحد" لوقف إطلاق النار. وأضاف "القوات المسلحة (الأرمينية) يجب أن تغادر أراضينا"، مطالباً رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان بأن "يقدم اعتذاره للشعب الأذربيجاني" وأن "يقول إن قره باغ ليس أرمينياً". ودعا يريفان إلى تحديد "خطة واضحة" للانسحاب، وعندها "سنعيد نظام وقف إطلاق النار".
ومنذ الجمعة، تتعرض ستيباناكرت للقصف ما أجبر السكان على الاحتماء في أقبية وملاجئ. وطاول القصف وسط وأطراف المدينة. ووفق السلطات المحلية، فإن القصف تم عبر أنظمة إطلاق صواريخ متعددة من طرازي سميرتش وبولونيز، كما حلقت طائرات مسيرة فوق المدينة.
وأعلن رئيس المنطقة الانفصالية أراييك هاروتيونيان أن قواته سترد باستهداف البنية التحتية العسكرية المتمركزة في "المدن الكبرى" لأذربيجان، الواقعة على مسافة بعيدة عن الجبهة، داعياً "المدنيين إلى مغادرة هذه المدن على الفور".
وأعلن المتحدث باسم رئاسة ناغورنو قره باغ، فاغرام بوغوصيان، أن تلك الهجمات نفذها الانفصاليون الأرمن، مؤكداً "تدمير" مطار عسكري. وقال "ما هو إلا الأول".
اتهامات متبادلة
في المقابل، أشارت وزارة الدفاع الأذربيجانية إلى أن أرمينيا شنت هجمات صاروخية على مناطق مكتظة بالسكان والبنية التحتية المدنية في البلاد، وإن نظام الرادار الخاص بها سجل عمليات إطلاق من أراضي أرمينيا، الأمر الذي نفته يريفان على لسان آرتسرون هوفهانيسيان المسؤول في وزارة الدفاع "من الزيف والتضليل الكامل القول إن أرمينيا فتحت النار على مناطق أذربيجانية".
تصاعد القتال
وتصاعد القتال مطلع الأسبوع وبدت فرص وقف إطلاق النار بعيدة بعد خطاب يفتقر للمهادنة ألقاه إلهام علييف رئيس أذربيجان الأحد، وقال علييف في خطاب للأمة بثه التلفزيون إن قوات أذربيجان تتقدم وتستعيد أراضي كان الأرمن قد سيطروا عليها في تسعينيات القرن الماضي لكن أرمينيا تشكك في هذه المكاسب.
وطالب علييف أرمينيا بوضع جدول زمني للانسحاب من ناغورنو قره باغ والأراضي المحيطة بها، وقال إن أذربيجان لن توقف الأعمال العسكرية حتى يتحقق ذلك.
ولا تزال حصيلة المعارك جزئية. إذ لم تعلن باكو خسائرها العسكرية. وسجل حتى الآن مقتل 247 شخصاً، هم 209 مسلحين انفصاليين و14 مدنياً من قره باغ، و24 مدنياً من أذربيجان. ويؤكد كل جانب أنه قتل من الطرف الآخر ما يزيد على ألفي مقاتل.
مخاوف دولية
وهذه الاشتباكات هي الأسوأ منذ التسعينيات حين قُتل حوالى 30 ألفاً، مع انتشار المعارك خارج إقليم ناغورنو قره باغ، ما أثار مخاوف دولية حول الاستقرار في جنوب القوقاز حيث تنقل خطوط أنابيب النفط والغاز الأذربيجاني إلى الأسواق العالمية. وقد يؤدي الصراع إلى تورط قوى إقليمية أخرى، إذ تدعم تركيا أذربيجان بينما لدى أرمينيا معاهدة دفاعية مع روسيا.