في ما يشبه التطمين لبلدان الجوار، لاسيما في الساحل الأفريقي، أعلنت وزارة الدفاع الجزائرية التزام الدولة بـ "احترام سيادة الدول وحرمة الحدود". جاء ذلك في رسالة إلى السلطات المالية نفت فيها وزارة الدفاع الجزائرية قصة وجود جنود جزائريين في بلدة "إن خليل" المالية. ويندرج التوضيح الجزائري في سياق انتقادات تتصل بتغيير في عقيدة الجيش في الدستور المطروح للاستفتاء الشعبي.
وبالرغم من أن الأحداث التي تحدث عنها بيان وزارة الدفاع تتصل بمنطقة "إن خليل" الحدودية، إلا أن الفقرة الأخيرة من التوضيح تحمل دلالات كثيرة تستبق معها المؤسسة العسكرية التحليلات التي لا تروقها في شأن احتمالات تدخل الجيش الجزائري في مناطق قريبة من حدودها في حال التصويت بـ "نعم" على الدستور الجديد مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
فتفنيد وزارة الدفاع قصة وجود عسكريين جزائريين خارج الحدود، يأتي في سياق انتقادات متواصلة لبند السماح لجنود جزائريين بالمشاركة في عمليات "تحت مظلة منظمات دولية"، بما يغير من عقيدة الجيش الجزائري المستمرة منذ ستة عقود بعد استقلال البلاد، بالرغم من استثناءات في الحروب العربية ضد إسرائيل في الستينيات والسبعينيات.
سيادة بلدان الجوار
في العادة، لا تعير المؤسسة العسكرية الجزائرية انتباهاً لأخبار تقول بتجاوز قواتها المسلحة الحدود نحو بلدان الجوار، مستندة إلى جواب تعتبره بدهياً، وفحواه أن "عقيدة الجيش لا تسمح بذلك"، إلا أن المؤسسة التي توصف عادة بـ "الصامتة الكبرى"، سارعت إلى إرسال طمأنة مبطنة لبلدان الجوار، في سياق نفي حدث شبيه.
ونفت زارة الدفاع، الإثنين 5 أكتوبر (تشرين الأول)، "ادعاءات مغرضة تمحورت حول احتمال وجود عناصر من الجيش الوطني الشعبي في بلدة "إن خليل" الحدودية شمال مالي، وضم جزء من إقليمها من طرف الجيش الجزائري". وشرحت في بيان أن هذه المغالطات تأتي على إثر مهمة تقنية نفذها متخصصون تابعون لمصلحة الجغرافيا والكشف عن بعد للجيش الوطني الشعبي".
وسرد بيان وزارة الدفاع الجزائرية أن "هؤلاء المتخصصين كانوا برفقة مفرزة تأمين وحماية داخل التراب الوطني، لمعاينة معالم الخط الحدودي الجزائري - المالي بالقرب من بلدة إن خليل الحدودية، وانتهت المهمة التقنية في 21 سبتمبر (أيلول) 2020، قبل مغادرة المكان من دون تسجيل أية حادثة".
إسناد للدبلوماسية
يلاحظ المحاضر في الشؤون الأمنية إسماعيل حيوني في حديثه لـ "انبدندت عربية"، أن "المعطيات التي تفندها وزارة الدفاع تم الترويج لها في صحف ومواقع إلكترونية في دولة مالي". ويعتبر أن "العادة هي أن تستعمل قوى إقليمية صحفاً خاصة في هذا البلد الجار لضرب سياسات جزائرية، أظن أن هذا التوضيح موجه إلى بلدان الجوار، وفي الوقت نفسه هو إنذار لمصادر هذه المعطيات".
ويتابع حيوني، "منذ الكشف عن مواد الدستور الجديد، هناك تركيز بالغ على المادة المتعلقة بمشاركة الجيش في مهمات في الخارج، البعض طرح مخاوف عقلانية، مطالباً بتحديد طبيعة المهمات التي قد يشارك فيها جنود جزائريون، كي لا تتحول الجزائر إلى معول داخل صراعات لا ناقة لها فيها ولا جمل، لكن طرفاً ثانياً يكن خصومة للمؤسسة العسكرية في حد ذاتها، اختار هذه المادة الدستورية سلاحاً في المرحلة السياسية الراهنة".
ويضيف حيوني أن "الجزائر وضعت هذه المادة بحثاً عن إسناد للدبلوماسية الرسمية التي ابتعدت لعقود عن ممارسة دور فعّال في صناعة ملفات إقليمية، وفي المقابل ليس واضحاً نوع المهمات التي قد يطلب الرئيس رأي البرلمان فيها، وما هي حدود شرعية البرلمان الجديد، وشفافية انتخابه ليكون طرفاً في قرارات بهذا المستوى".
الجدل قائم
في دفاعه عن هذا التحول، قال الرئيس عبدالمجيد تبون إن مسألة مشاركة الجيش في عمليات عسكرية خارج التراب الوطني "ستكون تحت مظلة المنظمات الدولية، وضمن عمليات حفظ السلام، وستكون مقيدة بموافقة ثلثي أعضاء البرلمان".
وأوضح الرئيس أن "هذا التعديل ليس تغييراً في فلسفة عمل الجيش، بل هو رجوع الأمور إلى نصابها، من منطلق أن الجيش إذا ما حدث وشارك في عمليات خارجية، فإن ذلك سيتم تحت حماية القانون والدستور، ومن أجل الاطلاع بمهمات سلمية دفاعاً عن الجزائر".
وفي وقت لاحق، كلفت وزارة الدفاع ضابطاً كبيراً من صفوفها لتقديم توضيحات أكثر عن هذا المتغير، وذكر المقدم في الجيش، مراح مصطفى، أن التخوف من مقترح إرسال الجيش إلى خارج الحدود "يحمل رسائل إلى أعداء الجزائر الذين يحاولون المساس بالرابطة المتينة بين الجيش وشعبه، الجيش لن يتنصل من مبادئ ثورة نوفمبر المجيدة، المبادئ التي صنعت كبرياء الجزائر لدى الدول والشعوب، وسيظل الجيش حامي البلاد والعباد، ولن ينخرط في نزاعات لا ناقة له فيها ولا جمل".
الزائر الأميركي والتعديل
لكن الجدل حول هذا المنحى الجزائري عاد من جديد إثر برقية لوكالة "رويترز" غداة زيارة وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر إلى الجزائر، الخميس الماضي، ذكرت فيها نقلاً عن مصادرها، أن المسؤول الأميركي بحث مع مسؤولين جزائريين فرضيات عن دور محتمل للجيش الجزائري بعد تعديل الدستور، ما أعطى انطباعاً بأن جهود الجيش المفترضة ما بعد تعديل الدستور، دخلت اهتمامات قوى غربية، ترفض الجزائر الرسمية النيابة عنها في مهمات عسكرية في المنطقة.
في هذا السياق، يجيب أستاذ القانون الدستوري حمزة خيدر، أن المادة (31) المتعلقة بمشاركة الجزائر في عمليات حفظ السلام خارج الحدود "تعديل استراتيجي يحفظ للجزائر مكانتها كقوة إقليمية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، مع الثبات على الموقف نفسه بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول".
ويشير المتحدث إلى أن الفقرة الثانية من المادة (91) من مشروع تعديل الدستور، "تسمح لرئيس الجمهورية إرسال قوات من الجيش إلى الخارج وفقاً لبعض الشروط، من بينها موافقة ثلثي كل غرفة من غرفتي البرلمان، وأن يكون ذلك في إطار عمليات حفظ السلام، وفي إطار منظم من الهيئات الدولية التي تكون فيها الجزائر عضواً".