عاد الحديث مجدداً حول تعيين مبعوث أممي جديد إلى ليبيا، وفي وقت يسود الاختلاف بين عدد من الدول بشأن هوية الشخصية المنتظرة، تستعجل الجزائر، مجلس الأمن إنهاء "الانسداد" وملء الفراغ الذي تركته الاستقالة "المفاجئة" للمبعوث السابق غسان سلامة.
استعجال بعد "صمت"
ودعا وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم في خلال الاجتماع الوزاري حول ليبيا الذي عقد عبر تقنية التواصل المرئي، إلى الإسراع في تعيين مبعوث خاص إلى ليبيا والحرص على احترام قرار مجلس الأمن بخصوص حظر الأسلحة. أضاف "نحن الآن بحاجة إلى تحرك مجلس الأمن وأعضاء ندوة برلين، كما نحتاج كذلك إلى نتائج سريعة"، مجدداً التأكيد أن حل الأزمة الليبية لا بد من أن يتأتى داخلياً وبشكل يحفظ أمن البلاد ووحدتها وسيادتها، وندد الوزير بوقادوم، بالمبادرات المتناقضة التي لا تسهم في حل الأزمة الليبية وتؤجج النزاع بدلاً من حلّه، إذ التقى الليبيون أخيراً في المغرب ومصر وسويسرا، مضيفاً أنها مبادرات لا تندرج ضمن مسار برلين والمبادئ المتفق عليها في هذه الندوة.
ويأتي استعجال الجزائر الكشف عن هوية المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا، بعد "صمت" رافق "إفشال" تعيين الدبلوماسي الجزائري رمطان لعمامرة لخلافة اللبناني غسان سلامة، وما خلفه من "غضب" جزائري على عرقلة دول "معادية" للمسعى، كما أنه جاء بعد انتهاء فترة تولي المبعوثة الأممية الأميركية ستيفاني ويليامز، رئاسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، في 30 سبتمبر (أيلول).
تقويض المبادرات الفردية
وفي السياق، اعتبر أستاذ القانون الدولي إسماعيل خلف الله لـ"اندبندنت عربية"، أن دعوة الجزائر للإسراع في تعيين مبعوث أممي لليبيا مرتبط بموقفها الثابت من الأزمة التي تمزّق هذا البلد الشقيق، والمبني على الحل السياسي عبر حوار ليبي- ليبي، حيث تقف الجزائر على مسافة واحدة من طرفي النزاع وتعارض مطلقاً التدخلات الخارجية ولا سيما العسكرية منها، كما أنها تدعم القرارات الأممية ومجلس الأمن القاضية بحظر توريد السلاح إلى ليبيا، وقال خلف الله إنه في ظل التدخلات العسكرية الخارجية المتعددة وتضارب مصالح الدول، بات من الضروري تحقيق إجماع دولي تحت إشراف الأمم المتحدة عن طريق مبعوثها لإنهاء الأزمة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورأى الأمين العام لتحالف الإعلاميين والحقوقيين الأفارقة بن عامر بكي، لـ"اندبندنت عربية"، أن إصرار الجزائر على تعيين مبعوث أممي جديد إلى ليبيا خلفاً للمستقيل غسان سلامة، يأتي من حرصها على احتواء الأزمة الليبية في إطار أممي تنفيذاً لقرارات مجلس الأمن لحظر توريد السلاح والمرتزقة إلى ليبيا، وتفعيل مسار مؤتمر برلين. أضاف أن استعجال الجزائر يندرج في سياق تقويض المبادرات الانفرادية التي لا تخدم تسوية الأزمة الليبية، "وهي إشارة ضمنية لرفض الجزائر لحوار بوزنيقة بالمغرب"، موضحاً أن الجزائر تأمل في الإسراع في تعيين مبعوث أممي، وتحريك مجلس الأمن وأعضاء ندوة برلين، من أجل الوصول إلى نتائج سريعة من خلال حوار ليبي- ليبي يحفظ أمن ليبيا ووحدتها وسيادتها.
خلافات أفريقية - أميركية
ووفقاً لتقارير إعلامية، فإن هناك خلافات حادة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأفريقي على هوية المبعوث الأممي الجديد، ويرى عدد من أعضاء الاتحاد الأفريقي أن الأزمة الليبية لها مخاطرها وأبعادها الجغرافية، والتي قد تتجاوز الحدود الليبية، لذا فإن جنسية المبعوث الأممي تعد ذات طبيعة استراتيجية، وبما أن الاتحاد الأفريقي عارض من البداية التدخل الدولي في ليبيا، فلا بد أن يكون له دور فعال في التسوية السياسية، بالتالي يجب أن يكون المبعوث الأممي الجديد حاملاً جنسية أفريقية، وهو المنطق الذي أيّدته كل من روسيا والصين، وترفضه الولايات المتحدة الأميركية.
وفي حين رحّب الاتحاد الأفريقي باقتراح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بتعيين وزيرة خارجية غانا السابقة حنا تيتة، قدمت واشنطن الدبلوماسي البلغاري نيكولاي ملادينوف، ليكون المبعوث الخاص للأمم المتحدة في ليبيا، وهو ما رفضه الأفارقة، لتلجأ الولايات المتحدة الأميركية إلى مقترح "لغم"، يتمثل في تقسيم البعثة الأممية إلى شطرين بحيث يكون فيها مبعوث أممي سياسي ورئيس بعثة، كما هي الحال في قبرص والصحراء الغربية.
وعلى الرغم من رفض الاتحاد الأفريقي للمقترح الأميركي، رحب مجلس الأمن بالخطوة وباشر تنفيذه بتمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، لمدة عام، حتى 15 سبتمبر 2021، ونص على أن "يقود البعثة مبعوث خاص للأمين العام، وأن يكون هناك منسق للبعثة يكون مسؤولاً عن العمليات والإدارة اليومية"، وطلب من غوتيريش تعيين مبعوثه الخاص من "دون تأخير".
ويسود الاعتقاد أن الجزائر تقف وراء تحريك الاتحاد الأفريقي ضد مقترحات الولايات المتحدة الأميركية رداً على "فيتو" رفعته واشنطن ضد تعيين الدبلوماسي الجزائري رمطان لعمامرة، بعد أن رشحه غوتيريش، لتولي منصب المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا خلفاً لغسان سلامة.
الشغور يضعف الدور الأممي
ويعتبر نائب رئيس القوة الفاعلة في ليبيا عبد الحميد القطروني لـ"اندبندنت عربية"، أن استعجال الجزائر في محله، لأن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، تريد تعيين مبعوث على مقاسها ويخدم مصالحها في ليبيا، وقال إن المشكلة ليست سياسية بل هي أمنية بامتياز، على اعتبار أن بداية الحل تكمن في حل الميليشيات وتسليم السلاح ودمج كل من تنطبق عليه اللوائح والقوانين المعمول بها ضمن القوات المسلحة الليبية، وخروج المرتزقة ووقف تدفق السلاح التركي إلى ليبيا.
كما يعتقد أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر رابح لونيسي لـ"اندبندنت عربية"، أن عدم وجود مبعوث أممي عفّن الوضع في ليبيا وعرقل تنفيذ قرارات مجلس الأمن، خصوصاً المتعلقة بحظر السلاح، وعليه فإن المطلب الجزائري يدخل في إطار تسجيل موقف ومدى التزامها بالقرارات الدولية، وأيضاً مخرجات مؤتمر برلين، مضيفاً أن استمرار الشغور يمكن أن يفقد ويضعف الدور الأممي في ليبيا التي تجد نفسها تحت رحمة حسابات قوى دولية وإقليمية تعقّد الوضع فيها أكثر بحكم الصراع في ما بينها، وهو ما سينعكس سلباً على الجزائر ومصالحها، وأشار إلى دخول المغرب على خط أزمة ليبيا بإشرافها على ندوة حوار، بالقول إن ليس كل ندوة مصالحة بين الأطراف الليبية بريئة، فيمكن أن تحمل معها حسابات تغيب عن الرأي العام.