بين بوزنيقة وجنيف والقاهرة وبرلين، تبحث الأزمة اليبية عن حل لها، مع تسارع المبادرات والجهود الدولية والإقليمية، لإيجاد خريطة طريق سلمية، تخرج البلاد من النفق المظلم الحالي. وبالرغم من تعثر هذه المساعي حيناً وتقدمها حيناً آخر، تدل مؤشرات كثيرة على وجود فرصة حقيقية للتوصل إلى اتفاق ليبي - ليبي، إذا أهدرت الآن فقد لا تعوض أبداً.
ومع عودة الأطراف الليبية إلى حوارها في المغرب، مع حديث جديد عن تفاهمات محتملة، تستضيف ألمانيا جولة جديدة من النقاشات الدولية حول الملف الليبي، أطلق عليها اسم "برلين 2"، بينما تواصل الولايات المتحدة من القاهرة، تحركاتها الدبلوماسية اللافتة أخيراً، لدعم هذه الجهود الدولية الرامية إلى إنهاء النزاع في الجارة الغربية لمصر.
وبينما يترقب الجميع انطلاق جلسات الحوار الحاسمة في سويسرا، للمصادقة على كل الاتفاقات السياسية والاقتصادية والأمنية التي توصلت إليها الأطراف الليبية في مفاوضاتها الماراثونية على مدار الشهرين الماضيين، دار حديث عن رغبة بعض الأطراف الليبية نقلها إلى مدينة جربة التونسية، بدلاً من جنيف كما كان مقرراً لها.
ضوء جديد في بوزنيقة
في المغرب، أعلنت الأطراف الليبية، عودة الأجواء الإيجابية إلى مفاوضات بوزنيقة بين مجلس النواب ومجلس الدولة الليبيين، بعد تعقدها نهاية الأسبوع الماضي، إلى حد بلغ التهديد بإلغائها أو تأجيلها إلى أجل غير مسمى.
وأكد نائب رئيس مجلس الدولة في طرابلس فوزي العقاب، الوصول إلى تفاهمات جوهرية حول معايير اختيار المناصب السيادية في ليبيا، من دون الإفصاح عن هذه المعايير أو التفاهمات التي تمت حول بعض المناصب.
من جانبه، أكد عضو مجلس النواب عصام الجهاني، "الاتفاق على نقاط عدة خلال جلسات الحوار المنعقدة في المغرب"، مشيراً إلى أن "اجتماع السبت الماضي ناقش ضوابط تقلد المناصب السيادية، وعلى رأسها منصب محافظ البنك المركزي ونائبيه، واتفق على معظم النقاط، فيما لا تزال نقاط قليلة محل نقاش".
وأوضح الجهاني أن "الوفدين أجريا بعض المشاورات، حيث لم تعقد أية جلسات رسمية خلال اجتماعاتهما الأحد، على أن تستأنف المشاورات الإثنين، وتحسم النقاط المتبقية يوم الثلاثاء".
عودة الحوار المباشر
وجاء تصريح الجهاني قبل أن تنطلق جولات الحوار المباشر بين الطرفين خلف أبواب مغلقة بعيداً من وسائل الأعلام، لكن مصادر عدة أكدت لـ "اندبندنت عربية"، أن "المناخ العام للجلسة كان إيجابياً، وشهد توافقاً في شأن بعض الملفات المتعلقة بتقاسم المناصب، مع خلافات حول البنك المركزي واختيار محافظ ومجلس إدارة جديد له".
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن "جلسات الحوار المتعثرة انطلقت من جديد بعد استجابة فريق مجلس الدولة لمطلب وفد مجلس النواب بضرورة استمرار ذات أعضاء الوفد الذي مثل مجلس الدولة، في الجولة الأولى، بعد تغييرات حاول رئيس المجلس خالد المشري، إجراءها على الأسماء في فريقه التفاوضي، رفضها مجلس النواب تماماً، وكانت سبباً رئيساً في تعثر استئناف الجلسات منذ الخميس الماضي". وأضافت أن "الجولة الجديدة من المفاوضات مستمرة، بمشاركة عشرة أعضاء عن كل وفد، من دون حضور أي أطراف أخرى داخل القاعة، لا من الجانب المغربي ولا أي طرف آخر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تفاؤل حذر وترقب
وبالرغم من التفاؤل التي تبديه الأطراف الليبية المشاركة في حوار المغرب، حول نتائجه النهائية المرتقبة، تتضارب آراء مراقبين للمشهد الليبي حول مخرجاته المحتملة، وفرصة إنتاج توافق مبدئي، يمكن البناء عليه للتوصل إلى حل شامل، ويفتح الباب أمام مرحلة انتقالية سلسلة، وصولاً إلى الانتخابات العامة، بخاصة في ما يتعلق بآليات تطبيق البنود التي يحتمل الخروج من بوزنيقة المغربية بتفاهمات حولها.
في هذا السياق، أعرب وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، عن أمله بأن يتم في ختام الجولة الثانية من مباحثات الوفدين الليبيين، التوقيع على مخرجات بوزنيقة بين الأطراف الليبية قريباً، مؤكداً أن "الحوار الليبي – الليبي سابقة إيجابية يمكن الاعتماد عليها لحل الأزمة".
في المقابل، وصف مقرر لجنة الدفاع النيابية في مجلس النواب الليبي، بشير الأحمر، ما يحدث من لقاءات وحوارات بأنها "لا ترتقي إلى مستوى المسؤولية التي تجعل مخرجاتها في مصلحة الوطن والمواطن"، معتبراً أن "ما يقوم به رئيس مجلس النواب عقيلة صالح أشبه بصفقة يغلب عليها الهدف الشخصي". وأشار الأحمر إلى أن "أي حلول أو لقاءات لا تدور حول المشكلات الأساسية المتمثلة في حل الميليشيات ونزع سلاحها، وخروج المرتزقة نهائياً من البلاد، لا فائدة مرجوة منها".
من جانبه، قال الباحث الأكاديمي الليبي محمد العنيزي، إن "مبدأ التحاور على هذا المستوى بين أطراف الأزمة في حد ذاته تطور إيجابي، مهما كانت النتائج في المرحلة الحالية من الحوار". وأضاف أن "كثيرين يعترضون على المحاصصة الحاصلة حالياً، ولا أدري لماذا، لأن المحاصصة بين طرفين متنازعين على السلطة والثروات أمر طبيعي ولا يمكن القفز فوقه، إذا أردنا حلاً سلمياً. وهذا يحدث عادة في كل المحادثات، بين أطراف نزاع من هذا النوع".
وأبدى العنيزي تخوفه من إمكان عرقلة أطراف خارج الحوار تطبيقه على أرض الواقع، قائلاً إنه "يبدو أن الأذرع العسكرية والمؤيدين لها والمصطفين حولها غير راضين عما يدور في المغرب، من تقاسم للمناصب بين السياسيين، من الضفتين، في ظل الغموض حول مستقبلهم بعد ذلك". وأشار إلى أن "الأطراف الخارجية المنخرطة في الأزمة الليبية سيكون لها كلمة أيضاً في قبول تنفيذ الاتفاق المحتمل التوقيع عليه في المغرب، بخاصة روسيا وتركيا اللتين تزداد الشروخ في العلاقة بينهما اتساعاً، على خلفية أزمة القوقاز، وهو أمر أرشح أن ينعكس على الأزمة الليبية بمستويات سياسية عدة، وربما عسكرية".
"برلين 2" و "جربة التونسية"
وفي موازاة انطلاق جولات الحوار الليبي في المغرب، تسارعت خطوات دبلوماسية دولية ومبادرات مكثفة تسعى إلى الاستفادة من الزخم السياسي الحاصل حالياً، في المشهد الليبي، ودعمه للتوصل إلى الحل النهائي السلمي.
وكان لافتاً بين هذه المبادرات والمساعي إعلان الحكومة الألمانية استضافتها بداية من يوم الإثنين 5 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، مؤتمراً بمشاركة أطراف دولية عدة، تحت مسمى "برلين 2"، لبحث سبل تنفيذ وتطبيق ما اتفق عليه في مؤتمر برلين الأول، في يناير (كانون الثاني) الماضي، بخاصة في ما يتعلق بخفض مستويات توريد السلاح إلى الأطراف الليبية، والتدخلات الخارجية في الأزمة.
في المقابل، تطابقت دعوات وجهتها جهات بارزة من الأوساط السياسية من شرق ليبيا وغربها إلى نقل الحوار السياسي الليبي الذي ترعاه الأمم المتحدة في جولته الجديدة، من العاصمة السويسرية جنيف إلى مدينة جربة التونسية. وبينما لم تعلق بعثة الأمم المتحدة في ليبيا الراعية للحوار على هذه الدعوات حتى الآن، لقيت الدعوة ترحيباً ملحوظاً ومعارضات قليلة في الداخل الليبي، وذلك اعتماداً على عوامل عدة تجعل الوجهة التونسية الجديدة مفضلة على نظيرتها السويسرية، بسبب عوامل جيوسياسية متعلقة بالقرب الجغرافي، وكون الأزمة أكثر قرباً وتأثيراً، وبالتالي محط اهتمام من الحكومة التونسية، مما يدفعها إلى تقديم دعم ومساعدة أكبر لإنجاحه.