جاءت دعوة الرئيسة الإثيوبية ساهلي زويدي المجتمع الدولي لدعم السلام بين الحكومة السودانية والحركات المتمردة في احتفال توقيع اتفاقية السلام السودانية تعبيراً عن الهموم المشتركة بين الجانبين الإثيوبي والسوداني.
فمسيرة السلام في المنطقة تشهد تطورات مستدامة تهم البلدين. فإثيوبيا منذ ثلاثة عقود مهمومة بالسلام المرتبط بالتنمية، بعد النجاح الذي حققته في نظامها الفيدرالي الذي أعطى القوميات الإثيوبية حقوقاً انعكست في مسيرة التنمية الكبرى التي تشهدها في مختلف المناطق، فضلاً عما يمثله إنجاز سد النهضة من تحول مستقبلي.
وفي الجانب الآخر، كان لها إسهامها المتصل في القضايا السودانية، بدءاً بقضية جنوب السودان وتطورات ملفاتها منذ إتفاقية سلام أديس أبابا، التي أشرف عليها الإمبراطور هيلاسلاسي بين الرئيس السوداني جعفر النميري وحركة أنانيا بقيادة جوزيف لاقوا، عام 1972، وما كان لها من أثر في تحقيق السلام حينها. ثم إسهامها في مسيرة السلام السودانية بين حكومات الخرطوم المتعاقبة والحركة الشعبية بقيادة الراحل العقيد جون قرنق، حتى تحقيق إتفاقية نيفاشا التي قادت إلى اتفاقية السلام الشاملة وانفصال جنوب السودان عبر الاستفتاء الشعبي.
كذلك كان للسودان تأثيره المباشر في تحقيق التحول الذي شهدته إثيوبيا قبل سقوط الرئيس منجستو هيلاماريام (نظام الدرك) في إثيوبيا عام 1991، وبعده، وتولى قيادة الجبهة الثورية للشعوب الإثيوبية الحكم في أديس أبابا بزعامة ملس زيناوي، وما أعقب ذلك من علاقات متميزة بين الجانبين، ثم ما شهده البلدان خلال العشرية الماضية من تحول سياسي في تولي الأنظمة الديمقراطية بعد الثورتين الإثيوبية والسودانية.
علاقة وثيقة
فتشابه الواقع المحلي للدولتين له انعكاساته سلباً وإيجاباً. ما يضاعف المسؤولية السياسية للدولتين كل تجاه الأخرى. فالواقع السياسي المرتبط بين الدولتين هو ما يقود العلاقة الوثيقة بين الخرطوم وأديس أبابا. وما تبقى من هموم في متابعة مسيرة السلام السودانية بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة، تعتبره أديس أبابا واجباً متصلاً بسلام المنطقة وهماً مشتركاً بين الدولتين المتأثرتين سياسياً.
وكانت الحكومة السودانية قد وقعت في جوبا، عاصمة دولة جنوب السودان، اتفاق سلام في أغسطس (آب) الماضي مع جبهات سودانية متمردة، بهدف إنهاء سنوات من الصراعات المسلحة في إقليم دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق. وقد جمع الاتفاق الجبهة الثورية السودانية، التي تضم مجموعات رئيسية من إقليم دارفور، وخمس حركات مسلحة وأربع حركات سياسية، في مقابل الحكومة السودانية التي تضم المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير. وشمل الاتفاق عدداً من البروتوكولات، أهمها تقاسم السلطة والترتيبات الأمنية وتقاسم الثروة.
دعم السلام
وسط ذلك، تأتي دعوة الرئيسة الإثيوبية ساهلي زويدي الأسرة الدولية لدعم اتفاق السلام كقضية تهم البلدين والمنطقة الإقليمية. وخلال مشاركتها في احتفال التوقيع النهائي على اتفاق سلام السودان في أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، هنأت زويدي في كلمتها السودان بالإنجاز التاريخي، قائلة إن "مهمة السلام التي أنجزت تطلبت وقتاً طويلاً ليدرك الناس شرعية السلام ودور الحكومة في معالجة الخلافات". وأكدت وقوف بلادها إلى جانب السودان والعمل سوياً من أجل استقراره. وقالت الرئيسة الإثيوبية إن "السلام في السودان سيكون له تأثير كبير في الإقليم ودول جوار السودان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فالسودان بالنسبة إلى إثيوبيا جوار وعلاقات متداخلة وامتداد للأمن السياسي والاجتماعي، منذ عهد المهدية (الدراويش) في السودان، مروراً بالاستقلال وما بعده، ونظامي الرئيس جعفر نميري وعمر البشير. وقد لعبت إثيوبيا في العقود الماضية دوراً مهماً كوسيط في تحقيق اتفاق تقاسم السلطة بين المجلس العسكري في السودان وقوى الحرية والتغيير التي قادت (الثورة الشعبية). وكان لها دور تاريخي في الإشراف على توقيع الطرفين "الوثيقة الدستورية للمرحلة الانتقالية"، لتنهي حالة عدم الاستقرار السياسي الذي ظل يعانيه السودان بعد الثورة الشعبية التي أطاحت الرئيس البشير في أبريل (نيسان) 2019.
فالسلام بالنسبة إلى أديس أبابا يرتبط بغايات التنمية التي تعمل من أجلها إثيوبيا للارتقاء بشعوبها. وقد نجحت في ذلك بتأييد الهيئات الاقتصادية الفاعلة. وكانت أدوار إثيوبيا في تحقيق السلام مع دول الجوار، من طي الملفات مع الجارة إريتريا، والوساطة بين الصومال وكينيا في خلافاتهما البحرية، جهوداً قدرها المجتمع الدولي، ومنح رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بناءً عليها جائزة نوبل للسلام.
مشاريع مشتركة ومصالح
وتدرك إثيوبيا أن السلام في السودان من أهم دواعي الاستقرار في المنطقة. إضافة إلى هذا، هناك مشاريع كثيرة مشتركة بين البلدين، في إطار التكامل الاقتصادي، والطرق البرية الرابطة بين البلدين، والخط الحديدي بين مدينة بورتسودان وشمال إثيوبيا (أجازته سياسة البلدين)، والمنطقة التجارية الحرة لإثيوبيا في بورتسودان (ميناء حر تتمتع به إثيوبيا وفق اتفاق مبرم بين الدولتين). إضافة إلى الربط الكهربائي بين الدولتين الذي اكتمل بين المناطق الشمالية لإثيوبيا وولاية القضارف السودانية، وما يجمع الشعبين من علاقات ومصالح متبادلة.
أما في ما يمثله مشروع سد النهضة من هدف إستراتيجي لأديس أبابا، فقد لعب السودان دوراً مهماً إلى جانب إثيوبيا في حقوقها المشروعة لتنمية مجتمعاتها. وعبر عن الموقف السوداني الداعم اتفاق الخرطوم للمبادئ الذي وقعته الدول الثلاث إثيوبيا ومصر والسودان في مارس (آذار) 2015. ولا يزال دور السودان فاعلاً سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي إلى جانب إثيوبيا حتي في ظل مفاوضات سد النهضة المتعثرة. ويتوقع أن يؤدي السودان دوراً محورياً في هذه المفاوضات، من أجل الوصول إلى اتفاق مرض بين الدول الثلاث ينهي حالة الجمود ويفتح آفاقاً للتعاون لمصلحة الشعوب والمنطقة.