لم تكد تونس تستفيق من حادث وفاة الطفلة فرح البالغة من العمر 10 سنوات على إثر سقوطها في بالوعة للصرف الصحي، الرابع من أكتوبر (تشرين الأول) عندما كانت ترافق أمها لجمع النفايات البلاستيكية في إحدى ضواحي مدينة تونس، حتى اهتزت مدينة سبيطلة من ولاية القصرين وسط غربي تونس القريبة، فجر الثلاثاء الماضي على إثر مقتل مواطن عند قيام جرافات البلدية بهدم كشك تم بناؤه من دون رخصة، كان يوجد في داخله وهو نائم لحمايته من الهدم.
عامل البلدية قتلته جرافة البلدية
الحادث الذي تم بحدود الساعة الرابعة فجراً حيث قامت آليات تابعة للولاية بهدم الكشك، الذي لم ينته بعد بناؤه، ومن سوء حظ والد صاحب الكشك أنه كان بداخله لمنع تنفيذ قرار الهدم، لكنه بسبب التعب نام، ولم ينتبه لقدوم الجرافة التي هدمته فوقه، وفور انتشار الخبر خرج العشرات من الشبان في المدينة وقاموا بقطع الطرقات وإشعال العجلات المطاطية والاشتباك مع قوات الأمن التي طلبت من الجيش التدخل لحماية مقرات المؤسسات الرسمية.
إقالة وتبادل اتهامات
رئيس الحكومة هشام المشيشي، وفور معرفة تفاصيل الحادث، أصدر قراراً بإقالة والي الجهة ومعتمد مدينة سبيطلة ومدير أمنها، وأرسل وزيري الداخلية والتنمية المحلية لمتابعة الأوضاع عن كثب.
الوالي المقال محمد شمسه ورئيس البلدية فيصل الرميلي تبادلا الاتهامات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وحاول كل منهما تحميل المسؤولية للآخر، ونفى رئيس البلدية علمه بقرار الهدم الذي نتجت منه وفاة عبد الرزاق الخشناوي الذي يعمل في البلدية، بينما رد الوالي على رئيس البلدية بنشر رسائل متبادلة معه حول الموضوع، الأمر الذي أثار غضب الشارع أكثر، ودفع بعدد من ناشطي المجتمع المدني في ولاية القصرين للمطالبة بمحاكمتهما وليس الاكتفاء بعزل الوالي وحل المجلس البلدي المنتخب ديمقراطياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كلكم مذنبون
الناشطة في المجتمع المدني أسيا التوايتي اعتبرت أن الحادث يؤكد فشل الحكم المحلي الذي يذكرنا بقضية العدالة الاجتماعية والتمييز الإيجابي الذي نصارع من أجله منذ سنوات، وهو وضع موروث منذ الاستقلال، إذ المراكز تحتكر الأنشطة باختلافها في حين يقع تهميش الأطراف بصفة كلية.
وأضافت أن رئيس البلدية ينصب نفسه رئيس جمهورية تلك المنطقة أو المدينة المنسية، ففي غياب الرقابة يتحكم في المدينة بأكملها بصفته صاحب القرار والأمر والنهي، وقالت "الفقيد عبد الرزاق الخشناوي هو ضحية التسلط، وحب اتخاذ القرار وحسب، والدليل أن الكل يحاول أن يبرز كمتخذ لقرار الهدم قبل الهدم ولكن بعد وفاة الضحية الكل صار بلا علم".
ودعت التوايتي إلى صياغة مشروع للقضاء على المحسوبية وعلى الولاء الحزبي لبعض رؤساء بعض المجالس البلدية لأحزابهم، خصوصاً القضاء على عقلية الظفر بغنيمة الحكم المحلي، وهو ما حصل مع عبد الرزاق الخشناوي، الذي بعد وفاته صار الكل يخبر أنه على غير علم بما حصل على الرغم من ثبوت علمه بقرار الهدم بهذا التاريخ والساعة.
الفساد المستشري
وذكرت وسائل الإعلام المحلية أن الضحية كان يعلم أن قرار هدم عدد من الأكشاك اتخذ وسينفذ ليلة الحادثة، وأراد أن يبقى في الكشك لمنع تنفيذ القرار، حيث قال مروان الخشناوي، ابن المتوفى، إن رئيس البلدية طلب منه 2000 دينار ( 727 دولارا) للسماح له ببناء الكشك، وإن أعوان البلدية تفطنوا بعد تنفيذ عملية الهدم إلى مقتل والده، وغادروا المكان من دون أن يحاولوا إنقاذه.
هذا التصريح وصفته الإعلامية وفاء الهمامي بأنه جريمة أقدم عليها مسؤولون بالدولة، وفي المقابل ما زال هؤلاء يتقاذفون التهم في ما بينهم، ما يؤكد عدم كفاءة السلطة المحلية في تونس وعدم جاهزية هؤلاء لتطبيق الحكم المحلي العادل.
واعتبرت أن في الملف تصريحات بتجاوزات قانونية وشبهة رشوة وتواصل سياسة الكيل بمكيالين من قبل الدولة حيث يهرع هؤلاء إلى تطبيق القانون وقرارات الهدم فجراً ومن دون أمر بالإخلاء، في حين تنعم "الحيتان" بنعمة غض النظر والبصر عن تجاوزات "أكشاك" تحمل أسماء كبرى في البلد، وهناك من تحدث منذ فترة عن بنايات غير قانونية في أماكن أثرية تدر على أصحابها الملايين.
من أين ستبدأ محاربة الفساد؟
مقتل عامل البلدية أعاد طرح ملف قديم جديد في تونس يخص استشراء الفساد داخل الكثير من المؤسسات، خصوصاً تلك المنتخبة مباشرة ولا تخضع للسلطة التقديرية للحكومة، الأمر الذي يجعل من رئيس الحكومة، بحسب الصحافية ضحى طليق، عاجزاً عن اتخاذ قرار بحق المجلس البلدي ورئيس البلدية، وأقصى ما يمكن له فعله إحالة الملف للقضاء، حيث سيبقى هناك فترة طويلة قبل اتخاذ القرار المناسب، وقالت "بعد مقتل فرح الأسبوع الماضي وأول من أمس عبد الرزاق، علينا أن ننتظر الضحية المقبلة لنبكي خيباتنا وفشلنا".