لم يكن اختيار الرئيس الأميركي دونالد ترمب ولاية فلوريدا لتكون أول وجهة له بعد إعلانه تعافيه من الإصابة بفيروس كورونا، محض مصادفة، كما لم تكن زياراته المتكررة إلى ولاية بنسلفانيا مجرد منافسة تقليدية لغريمه الديمقراطي جو بايدن في مسقط رأسه، ذلك أن السباق الرئاسي في هاتين الولايتين متقارب إلى حد بعيد، وكلتاهما تتمتعان بثقل كبير في ميزان المجمع الانتخابي مقارنة بالولايات المتأرجحة الأخرى. فما هي الإستراتيجية التي يتبعها الخصمان للفوز بهما قبل أقل من 20 يوماً من موعد الانتخابات؟ وما هي النسبة التي يشكلها كل منهما في حسم النتيجة النهائية للانتخابات الرئاسية الأميركية؟
مفاجآت الانتخابات
على الرغم من أن المرشحة الديمقراطية السابقة للرئاسة هيلاري كلينتون حصلت على حوالى 2.9 مليون صوت زيادة عن منافسها على مستوى الولايات المتحدة في انتخابات عام 2016، مع هامش 2.1 في المئة من إجمالي أصوات الناخبين الأميركيين، تماشياً مع قياسات استطلاعات الرأي التي سبقت الاقتراع، إلا أن دونالد ترمب فاز بالرئاسة محققاً مفاجأة بالنسبة إلى كثيرين، وذلك لأنه نال أصواتاً أكثر في المجمّع الانتخابي الذي يحدد في الواقع مَن يكسب الانتخابات، التي لا تجري بطريقة الاقتراع الشعبي المباشر.
ونال ترمب 304 من إجمالي أصوات المجمع الانتخابي البالغ عددها 538، مقابل 227 صوتاً لهيلاري كلينتون، بعدما نجح في كسب أغلبيتها في 30 من أصل 50 ولاية أميركية، إلا أن سر فوز ترمب الحقيقي يكمن في فوزه بالولايات المتأرجحة الدائمة، مثل فلوريدا وأيوا وأوهايو، بالإضافة إلى فوزه بما يسمى ولايات "الجدار الأزرق" وهي ميشيغان وبنسلفانيا وويسكونسن، التي كانت على الدوام معاقل للديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية منذ التسعينيات.
الولايات المتأرجحة
ولكي يكسب المرشح الرئاسي الانتخابات، عليه أن يحصل على 270 صوتاً على الأقل من أصوات المجمّع الانتخابي، ولأن غالبية الولايات تصوّت تقليدياً إما للمرشح الديمقراطي مثل كاليفورنيا وواشنطن ونيويورك، أو للمرشح الجمهوري مثل تكساس وكنتاكي ولويزيانا، يظل هناك بعضها يتغيّر اتجاه التصويت فيها من انتخابات إلى أخرى، لهذا تطلق عليها وسائل الإعلام الأميركية لقب ولايات ساحة المعركة الرئيسة، نظراً لأنها مَن يحسم في النهاية هوية الفائز.
تختلف التقديرات حول طبيعة هذه الولايات وعددها بحسب ما تشير إليه استطلاعات الرأي قبيل موعد الانتخابات. وبينما يستحوذ كل من ترمب وبايدن حالياً على تأييد عدد منها يضمن له الفوز بنحو 200 من أصوات المجمع الانتخابي، يظل الصراع محتدماً للفوز بـ 70 على الأقل من الأصوات الـ 138 المتبقية والتي تتوزع على الولايات المتأرجحة.
في عام 2020 تكاد غالبية الاستطلاعات تتفق على أن هناك نحو 10 ولايات رئيسة تقترب فيها نتائج المؤيدين للمرشحَين المتنافسَين عن الحزبَين الرئيسيَين الجمهوري والديمقراطي، وهي فلوريدا (29 صوتاً)، وبنسلفانيا (20 صوتاً)، و أوهايو (18 صوتاً)، وميشيغان (16 صوتاً)، وجورجيا (16 صوتاً)، ونورث كارولاينا (15 صوتاً)، وأريزونا (11 صوتاً)، وويسكونسن (10 أصوات)، ومينيسوتا (10 أصوات)، وأيوا (5 أصوات). ومن دون الفوز بـ 270 من أصوات الهيئة الانتخابية أو المجمّع الانتخابي لن يصل المرشح إلى البيت الأبيض.
لماذا فلوريدا؟
ظلت فلوريدا تعني الكثير دائماً في الانتخابات، لأنها صوّتت مع الفائز في آخر ستة انتخابات رئاسية في الولايات المتحدة ولهذا يُنظّر إليها على أنها تستحوذ على 29 صوتاً كحجر زاوية للفوز. صحيح أنه هذا العام يمكن لجو بايدن كسب الانتخابات من دون الفوز بفلوريدا، إلا أنه سيكون معرضاً لمخاطر كبيرة إن لم يفز بعدد أكبر بكثير من تلك المتأرجحة الأخرى. أما بالنسبة إلى الرئيس ترمب، فإن خسارة الولاية المعروفة باسم ولاية الشمس الساطعة تمثل على الأرجح دق ناقوس الموت الذي ينذر بخسارة البيت الأبيض.
فاز ترمب عام 2016 بفلوريدا بهامش ضئيل بلغ 1.2 في المئة من الأصوات، وحرص منذ تلك اللحظة على الاستثمار انتخابياً فيها، فنقل مقر إقامته إليها بعد قليل من توليه المنصب الرئاسي. وبدأ يزورها باستمرار ويحقق مطالب سكانها كلما استطاع، وأجرى عشرات اللقاءات الجماهيرية فيها حتى قبل أن تبدأ الحملات الرسمية، ولهذا السبب ارتفعت أسهمه في فلوريدا مقارنةً ببقية الولايات المتأرجحة الأخرى خلال الأسبوع الأخير، حيث تشير آخر استطلاعات الرأي إلى تعادله مع بايدن ما يمنحه أملاً كبيراً في الفوز فيها إذ كانت وجهته الأولى عقب تعافيه من كورونا وخروجه من البيت الأبيض.
رهان ترمب
لكن على الرغم من أن ترمب تجاوز المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون حتى في الاقتراع بالبريد عام 2016 بفارق بلغ 58000 صوت، إلا أن هناك مخاوف من أن الديمقراطيين سيقودون الولاية في عمليات الاقتراع عبر البريد خلال انتخابات عام 2020 بعدما طلب مؤيدوهم حوالى 1.6 مليون بطاقة اقتراع، مقابل 1.2 طلبها الجمهوريون، ما يعني أن الهامش الذي حققه ترمب في الانتخابات الماضية قد يتجاوزه فارق التصويت بالبريد.
ويراهن ترمب على أصوات فئتين رئيسيتين في فلوريدا، الأولى فئة الناخبين من أصول لاتينية (من أميركا الجنوبية) الذين يشكلون نسبة مهمة في الولاية الجنوبية، إذ يخشى كثيرون منهم السياسات الاشتراكية التي يقول ترمب إن بايدن يعتزم تنفيذها متى وصل إلى السلطة. وبذل ترمب جهوداً خارقة لتحقيق مطالب هذه الفئة البيئية والاجتماعية، ما ساعده على كسب أصوات الكثيرين فيها بخلاف الانتخابات الماضية حيث صوّتت لكلينتون.
أما الفئة الثانية في فلوريدا فهي كبار السن، إذ أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز أبحاث الرأي العام في جامعة شمال فلوريدا أن الرئيس يتقدم بين الناخبين الذين تبلغ أعمارهم أكثر من 65 بنسبة ثلاثة في المئة، على الرغم من القلق المتزايد حيال احتمال فقدانه دعم المؤيدين من كبار السن الذين شكلوا أكبر مجموعة تصويت في الولاية خلال انتخابات عام 2016. وتعد تلك الشريحة، المجموعة الرئيسة، للفوز بأصواتها.
أمل بايدن
في المقابل، يطمح بايدن إلى اقتناص ولاية فلوريدا متشجعاً بالهامش الضئيل الذي حققه ترمب عام 2016، وهو يركز بصفة رئيسة على الناخبين من كبار السن الذين دعموا الرئيس الجمهوري من قبل لكنهم الآن يخشون على حياتهم من جائحة كورونا وانتشارها في الولايات المتحدة، ولهذا استخدم خطاباً مناهضاً لطريقة تعامل ترمب مع الجائحة. كما يحاول المرشح الديمقراطي أن يستغل لصالحه تهكمات ترمب على سنه (77 سنة)، وتصويره نائب الرئيس السابق على كرسي متحرك في منزل للعجائز المرضى.
ويحاول أن يجذب الفئات الأخرى من المهمشين والفقراء الذين يخشون إلغاء برنامج الرعاية الصحية لمحدودي الدخل المعروف باسم "أوباماكير"، كما ينبه إلى المكاسب التي قد تجنيها الفئات الأقل دخلاً من خلال برامج اجتماعية أدرجها في برنامجه الانتخابي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أهمية بنسلفانيا
تُعد بنسلفانيا ثاني أهم ولاية متأرجحة بعد فلوريدا، حيث تصبح خسارتها بعد الأخيرة نكسة كبيرة قد يصعب تعويضها، إذ تستحوذ على 20 صوتاً في المجمّع الانتخابي. ولا يزال كل من الديمقراطيين والجمهوريين يتوقعون أن يكون السباق بينهما فيها متقارباً، مثلما كان الحال عندما حقق ترمب الفوز على كلينتون بأقل من نقطة مئوية واحدة عام 2016، فقد كان فوزه فيها مفاجِئاً للجميع بالنظر إلى أنها ظلت تنتخب المرشح الرئاسي من الحزب الديمقراطي على مدى 60 سنة أي منذ عام 1952 وحتى 2012.
على الرغم من أن آخر عشرة استطلاعات للرأي أجريت في الولاية بين 6 و 14 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، تشير إلى تقدم بايدن بنسب تتراوح بين 4 إلى 9 نقاط، إلا أن حملة ترمب ترفض هذه النتائج، استناداً إلى أن انتخابات 2016 كشفت زيفها، فيما يعتقد مساعدو الرئيس أنها ستعزز إقبال الناخبين في المعاقل المؤيدة له في غرب بنسلفانيا، وكذلك في الشمال الشرقي، مطمئنين إلى حقيقة أن الحزب الجمهوري سجل خلال السنوات الأربع الماضية عدداً أكبر من الناخبين المسجلين المؤيدين له مقارنةً بالديمقراطيين، بما في ذلك المناطق الرئيسية التي يتوقعون أن يزيد من هامش فوزه فيها.
تفاؤل جمهوري
بينما تشير غلوريا لي سنوفر، رئيسة الحزب الجمهوري في مقاطعة نورثهامبتون، إلى التنظيم الدقيق للحملة والجهد والنشاط المتواصل الذي يفوق نشاط عام 2016، يؤكد ماثيو وولف أحد قادة الحزب الجمهوري في فيلادلفيا، أن "أنصار بايدن حتى من التقدميين لا يشعرون بالحماسة للتصويت بالقدر الذي يشعر به أنصار الرئيس ولذلك سيحقق ترمب نتيجةً مماثلة لما حققه في 2016 وربما أفضل".
وكانت الأمور تسير في الاتجاه الصحيح للرئيس في ولاية بنسلفانيا لأشهر عدة، فبين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول) الماضيين، تمكن من خفض تقدم بايدن إلى النصف، حيث وثق الناخبون في قدرته على إنعاش الاقتصاد الأميركي بدرجة أكبر بكثير من الأخير، غير أن إنفاق ملايين الدولارات من الإعلانات المؤيدة لبايدن والتي تهاجم ترمب، جعلت التأييد بينهما متساوياً في الملف الاقتصادي، أحد أهم نقاط قوة الرئيس.
ووفقاً لشركة تحليل إعلانات، تلقت حملة بايدن في سبتمبر الماضي، تبرعات غزيرة وبلغ إنفاقها في الولاية خمسة أضعاف ما أنفقته حملة ترمب على التلفزيون والراديو والإعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي.
أولوية ديمقراطية
قبل أربع سنوات، أصبح ترمب أول مرشح رئاسي جمهوري يفوز بولاية بنسلفانيا منذ عام 1988، إذ لعبت دوراً رئيساً في كسبه الانتخابات إلى جانب أخرى أقل ثقلاً في ميزان المجمّع الانتخابي الذي تظل الولاية، هذا العام على القدر ذاته من الأهمية، لأنها ستحدد بشكل كبير الكفة الأكثر ترجيحاً فيه.
يقول دوايت إيفانز، عضو مجلس النواب الأميركي حليف بايدن في الولاية، إنه افترض خطأً مثل معظم الناس أن هيلاري ستفوز عام 2016 استناداً إلى استطلاعات الرأي آنذاك، لكنه يعتقد أن الديمقراطيين الآن أصبحوا أكثر تنظيماً مما كانوا عليه قبل أربع سنوات وأن مرشحهم أكثر قدرة على الفوز بأصوات بنسلفانيا.
يأمل حلفاء بايدن في الولاية أن يقدم أداءً أقوى من أداء كلينتون ليس فقط في ضواحي مدينة فيلادلفيا التي يقطنها "ذوو الياقات البيضاء" إنما أيضاً سيحقق تقدماً في المقاطعات التي كانت ديمقراطية قبل 2016 في شمال شرقي بنسلفانيا مثل مقاطعة لاكاوانا التي تعد مسقط رأسه، بالإضافة إلى المناطق التي يتقدم فيها ترمب في الجزء الغربي منها.
وإذا انتهى الأمر بالفعل إلى تقارب واضح في النتائج، فإن بعض الديمقراطيين يتخوفون من إلغاء بطاقات الاقتراع الغيابي لأسباب فنية، على اعتبار أن ناخبي بايدن هم الأكثر احتمالاً للاقتراع غيابياً بالبريد من ناخبي ترمب، فيما يقدّر مسؤولو الانتخابات أن يتجاوز عدد المقترعين بالبريد أكثر من مئة ألف شخص في بنسلفانيا، وهو رقم يمثل ضعف الهامش الذي مَكَنَ الرئيس من الفوز عام 2016. كما يخشى الديمقراطيون أيضاً من ترهيب الناخبين، بخاصة بعدما دعا ترمب مؤيديه خلال المناظرة الأولى مع بايدن إلى مراقبة عملية التصويت بحذر شديد. كما يخشون تأثير انتشار الوباء قبل يوم الاقتراع وخلاله في الحملة وتقليص عدد المؤيدين لهم.
ولايات ساحة القتال
بينما يحتدم السباق الانتخابي في هاتين الولايتين على وجه الخصوص وينفق المرشحان فيهما مالاً وجهداً ووقتاً لتحصيل 49 صوتاً ضرورياً، إلا أن ذلك لا يكفي وحده للفوز من دون تحصيل تأييد عدد آخر من الأخرى المتأرجحة.
وعلى الرغم من تقدم بايدن في استطلاعات الرأي على المستوى الوطني عبر الولايات الـ 50، إلا أن ذلك لا يعني شيئاً بالنسبة إلى الأصوات المطلوبة للفوز في المجمّع الانتخابي، لذا سيتطلب الأمر منه استعادة الولايات الصناعية حول البحيرات العظمى التي كانت تميل تقليدياً للتصويت لصالح الديمقراطيين والتي صوّتت لترمب عام 2016 مثل مثل ولايات ويسكونسن وميشيغان مع الحفاظ على تأييد غيرها مثل إلينوي، والسعي بقوة إلى الفوز بأوهايو المتقلبة وأخرى كانت تميل للجمهوريين مثل أريزونا ونورث كارولينا وجورجيا.
في المقابل، لم يعد هناك سوى وقت قليل لتحسين فرص الرئيس ترمب على الأقل في الولايات التي تميل إلى الجمهوريين وشهدت تغيراً هذا العام، إلا أنه في جميع السيناريوهات المحتملة، سيحتاج إلى الفوز ببعضها بخاصة التي تميل حالياً لتأييد بايدن للوصول إلى الـ 270 صوتاً انتخابياً اللازمة للفوز بالرئاسة، لكنه أيضاً يستطيع تحمل خسارة بعض الولايات التي فاز بها في عام 2016 ويحقق الفوز في أخرى بخاصة أن استطلاعات الرأي في الرئاسية الماضية اتضح زيفها في النهاية، كما أن عدداً من المستطلَعين لا يعبرون عن مواقفهم الحقيقة عندما يواجهون أسئلة عن المرشح الذي يؤيدونه.
وتزخر وسائل التواصل الاجتماعي بمواقف وتصريحات من مؤيدي الرئيس ترمب، يعبرون فيها عن رفضهم سلوكه وبعض تصريحاته التي ربما تتجاوز حدود اللياقة التي تقتضيها وظيفته كرئيس لأهم دولة وأقواها في العالم، لكنهم يؤكدون أنهم سينتخبونه، لأن سياساته الاقتصادية والأخرى المتعلقة بالحد من الهجرة نالت إعجابهم وتأييدهم.