فاقمت الأيام العشرة الأولى من حملة الاستفتاء على الدستور في الجزائر، من حمى السجال بين أنصار التصويت بـ (نعم) والمصوتين بـ (لا)، وهم غالباً أحزاب موالية ووزراء ومجتمع مدني، مقابل حزبين إسلاميين يشتكيان من "تضييق" السلطة الوطنية للانتخابات.
وتعتمد حملة التصويت بـ"نعم" على مئات تنظيمات المجتمع المدني، وأحزاب مهيمنة على غالبية مقاعد البرلمان، "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي" إضافة إلى "جبهة المستقبل"، "حركة البناء الوطني" و"حركة الإصلاح الوطني" وأيضاً "الحرية والعدالة" و"حزب جيل جديد".
في حين يقود حملة التصويت بـ (لا)، حزبان إسلاميان لهما تمثيل في البرلمان، "حركة مجتمع السلم" و"جبهة العدالة والتنمية"، مستفيدين من تحفظ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين على نص الدستور المقترح.
الموالاة السابقة تعود إلى الحياة
تمكنت حملة الاستفتاء على الدستور، التي دخلت يومها العاشر، من بث الحياة في أحزاب الموالاة سابقاً لتخرج لمقابلة الشارع بعد فترة انسحاب استغرقت نحو سنة كاملة استغلتها في عملية تغيير قياداتها، وغالبية أعضاء مكاتبها الوطنية. لكن هذه العودة ولتزامنها مع حملة الاستفتاء، لفتت انتباه المعارضة، وهو ما حوّل عملية الترويج للدستور إلى سجالات يومية بين الطرفين.
ويقود حملة الدستور عن "جبهة التحرير الوطني" الأمين العام أبو الفضل بعجي، الذي خلف الأمين العام السابق علي صديقي في اجتماع أخير للجنة المركزية للحزب، لكن الحملة التي يقودها بعجي بدأت تتحول إلى خطابات صدامية تجاه معارضين لعودة "الجبهة" إلى الواجهة مجدداً.
ويردد الأخير في التجمعات التي يعقدها أن "جبهة التحرير أسهمت بالدرجة الأكبر في بناء الدولة الجزائرية"، ويقول "حزبنا قاد البلاد بعد الاستقلال، وبنى مؤسسات الدولة، والهجمات التي يتعرض لها تقصد في الأساس ضرب التيار الوطني باعتباره أكبر وعاء انتخابي وتيار جامع".
وتبدو عودة ثاني أحزاب الغالبية "التجمع الوطني الديمقراطي" إلى النشاط العلني في التجمعات الشعبية، أكثر هدوءاً من غريمه "جبهة التحرير الوطني" بل بالكاد تلفت خطابات الأمين العام للحزب الطيب زيتوني الأنظار إليها، بسبب اكتفاء خليفة أحمد أويحيى في هذا الحزب بتفسير نص الدستور من دون الخوض في سجالات سياسية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
جرعة حياة
في المقابل، يرى الهادي حابل الناشط السابق في "الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان"، أن "حملة الاستفتاء أعطت جرعة حياة لأحزاب الموالاة سيما جبهة التحرير الوطني التي كان رحيلها في صلب شعارات الحراك هناك، عملية للترويج للدستور وتسويق الصورة الجديدة وخطاب مسؤولي هذه الأحزاب ومتابعة حجم القبول لدى الشارع، وهذا لا يعني أن أحزاب المعارضة كانت بمعزل عن صلب الشعارات المناوئة للمشروع الحزبي في البلاد".
ويضيف حابل أن "تقاذف الاتهامات بين بعض الأحزاب أمر متوقع، هذه هي المرة الأولى التي تتقابل فيها أحزاب الموالاة سابقاً مع أحزاب المعارضة منذ مطلع 2019، كما أن حملة الاستفتاء تستبق انتخابات برلمانية مبكرة وهي وشيكة، لذلك تبرز نبرة تصفية الحسابات".
ويعتبر حابل أن حملة الاستفتاء ستشكل صورة عن العمل الحزبي وفق معايير ما بعد الحراك. ويوضح "شخصياً أصف هذه العودة بالمحبطة والمنفرة على مستوى الخطاب والأداء، خطاب المروجين لـ (نعم)، والداعين للتصويت بـ (لا) سطحي، ويحمل نبرة انتهازية، بل إنه مفرق وغير جامع".
في الجهة المقابلة، تستعر معركة ما بين حزبين إسلاميين والسلطة الوطنية للانتخابات منذ بدء حملة الاستفتاء في السابع من الشهر الحالي، ومنذ بدء حملة الاستفتاء تتهم "حركة مجتمع السلم" و"جبهة العدالة والتنمية"، سلطة الانتخابات بـ "تعمد وضع عراقيل أمامهما لتنشيط حملة للتصويت بـ (لا)".
واعتذرت "جبهة العدالة والتنمية" عن تجمع كانت ستعقده بمحافظة عنابة (600 كلم شرق العاصمة) "بسبب عدم حصولنا على الترخيص من قبل جهات ولاية عنابة، وذلك على الرغم من تلقينا موافقة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات واستيفاء جميع الإجراءات القانونية اللازمة وإيداع الطلب في الآجال القانونية المطلوبة".
وذكر الحزب أن سلوك المحافظة "يخالف القانون والأعراف المعمول بها في التعامل الإداري، ويعتبر تعسفاً غير مقبول وغير مبرر، وهذا السلوك يدل على أن التيار الرافض للدستور يشكل إزعاجاً للسلطة الفعلية التي تراهن على تمريره دون تشويش ودون معارضة".
الإسلاميون وهيئة شرفي
بدورها، وجهت "حركة مجتمع السلم" اتهامات لسلطة الانتخابات بإقصائها من تنشيط حملة بـ (لا) على الدستور، وقالت إنها "تقدمت بطلب الحصول على رخصة من السلطة المستقلة للانتخابات مرفقاً بمفاتيح الخطاب للقيام بالحملة حول الاستفتاء، وذلك قبل بداية الحملة، كما ينص عليه القانون، إلا أنها لم تتلق أي رد".
لكن سلطة الانتخابات عادت وكذبت مزاعم الحزبين جملة وتفصيلاً، فذكرت بالنسبة لـ"حركة مجتمع السلم" أنها "لم تحترم الشروط القانونية التي وضعتها السلطة المستقلة قبل انطلاق الحملة الاستفتائية، ولم تحترم الآجال المحددة قانوناً قبل بداية الحملة"، والأمر "لا يختلف كثيراً عن جبهة العدالة والتنمية التي تقدمت بطلب لتنشيط الحملة مخالف للشروط المحددة على غرار التمثيل البرلماني والتواجد في 25 محافظة".
في سياق متصل، يرى الكاتب والمحلل السياسي سليمان ولد الطرفة أن "حالة السجال بين التيار الإسلامي وهيئة شرفي (تجمع حزبي إسلامي) بعضه واقعي ونتاج نظرة إقصائية، لكنه في الوقت ذاته، نتاج علاقة متوترة مع السلطة ممثلة في الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، فترة الود انقطعت بعد توضيح خيارات الرئيس الجديد، وللإسلاميين بدورهم حسابات ما بعد الدستور، حيث إن "أعينهم على المجالس المنتخبة كجميع الأحزاب".
لكن ولد الطرفة يعتبر موقف هذين الحزبين "تمهيداً غير مسبوق لمقارعة الفكرة بالفكرة، (نعم) ضد (لا)، أمر غير مسبوق وتخل عن سياسية النأي بالنفس عن طريق خيار المقاطعة المعهود".