يعقد رئيسا وفدَي التفاوض الأوروبي والبريطاني في محادثات اتفاق التجارة الحرة اجتماعاً عبر الفيديو لمناقشة استئناف المفاوضات التي توقفت الأسبوع الماضي. ويأتي الاجتماع بين ميشيل بارنييه وديفيد فروست بعد اتصال هاتفي بينهما الإثنين 19 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، عرض فيه المفاوض الأوروبي بارنييه استئناف المفاوضات بشكل مكثف، والبدء في مناقشة النصوص القانونية للاتفاق.
وأمام الاتحاد الأوروبي وبريطانيا حتى نهاية العام للتوصل إلى اتفاق يحكم العلاقة بينهما بعد خروج بريطانيا مطلع العام المقبل، ولفترة انتقالية تنتهي بنهاية ديسمبر (كانون الأول) 2020. وفشلت جولات المحادثات الثمانية المجدولة التي انتهت الشهر الماضي في التوصل لاتفاق، وتم مد التفاوض لجولتين أخريين في النصف الأول من هذا الشهر قبل القمة الأوروبية التي عُقدت في 15 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، ولكن ظلت هناك نقاط عالقة، أهمها بند المساواة في القواعد والقوانين التي يريد الاتحاد الأوروبي التزام بريطانيا بعدم تقديم الدعم الحكومي للشركات والأعمال، بما يعطيها ميزة تنافسية على حساب نظيراتها الأوروبية، وبند حقوق الصيد في مياه القنال الإنجليزي وبحر الشمال.
وكان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون صرّح نهاية الأسبوع الماضي أن على بريطانيا الاستعداد لـ "بريكست" من دون اتفاق، واحتمال اتفاق على الطريقة الأسترالية مع أوروبا، أي أقرب ما يكون إلى اتفاق على أساس بنود منظمة التجارة العالمية.
وفسر البريطانيون المغالون في تأييد "بريكست" بأن ذلك إعلان بالانسحاب من المفاوضات، وأن بريطانيا ستخرج من أوروبا نهائياً من دون اتفاق، إلا أن أغلب المحللين والمراقبين اعتبروا ذلك مناورة سياسية للضغط على المفاوض الأوروبي لتقديم تنازلات بالبنود العالقة في المفاوضات.
واعتبر المسؤولون البريطانيون أن بيان القمة الأوروبية الأسبوع الماضي يغلق باب المفاوضات بمطالبته بريطانيا وحدها بتقديم تنازلات، لكن القادة الأوروبيين سارعوا إلى تفسير نص البيان بأنه لا يعني هذا التشدد.
وأعربت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ورئيس الوزراء الهولندي مارك روته عن رغبة أوروبا في استمرار المفاوضات للتوصل إلى اتفاق، وأن تكون التنازلات من الجانبين. وحتى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، الذي بدا متشدداً في ما يتعلق بحقوق الصيد، أعرب عن تفهمه لأنه من غير المنطقي أن تظل قواعد الصيد في المياه بين أوروبا وبريطانيا كما هي، وأنه لا بد من حلول وسطية.
وفي اتصال جرى يوم الإثنين، أعرب المفاوض الأوروبي ميشيل بارنييه عن تلبية مطلبَين إجرائيين بريطانيين في المفاوضات، وهما الكثافة والسرعة، وبدء مناقشة النصوص القانونية، إلا أن رد الفعل البريطاني الأولي كان استمرار إلقاء اللوم على أوروبا في فشل المفاوضات، واعتبار التغيير في الموقف الأوروبي غير كافٍ.
إلا أن احتمالات استئناف المفاوضات قبل نهاية الأسبوع واردة، بخاصة أن أوروبا بدأت تبدي ليناً في موقفها من القضايا العالقة، فعلى الرغم من كل ما يبدو من عراقيل، أعرب القادة الأوروبيون في قمتهم، الخميس الماضي، عن رغبتهم في التوصل إلى اتفاق شامل يضمن "علاقات قوية بين بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي". والواضح أن الطرفين يرغبان في تفادي "بريكست" من دون اتفاق، لما لذلك من تبعات اقتصادية وتجارية سلبية عليهما، حتى لو كان الضرر الأكبر على بريطانيا.
ويُتوقع أنه إذا لم يتفق بارنييه وفروست على استئناف التفاوض، فستتصل رئيس المفوضية الأوروبية أورسولا فان دير لاين برئيس الحكومة البريطاني بوريس جونسون لتسهيل العودة إلى المفاوضات، كما اتفق الاثنان على ذلك في آخر قمة بينهما الأسبوع الماضي قبل القمة الأوروبية.
وإن كان بعض المسؤولين الأوروبيين يرون أن المفاوضات ستمتد إلى ما بعد الانتخابات الأميركية في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فعلى الأرجح أن تكون هناك مسودة اتفاق قبل القمة الأوروبية المقبلة في 15 نوفمبر.
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مصدر أوروبي الثلاثاء قوله إن "الكرة الآن في ملعب لندن، فلقد قدم بارنييه لفتة برسالته الليلة الماضية، ويبدو أن البريطانيين يريدون المزيد، لكن من دون تحديده أو لماذا؟". ويطالب الأوروبيون بتفسير الطلب البريطاني في شأن "تغيير توجه الاتحاد الأوروبي" في المفاوضات.
وسبق أن أعرب ميشيل بارنييه عن عدم منطقية مطالب الدول الساحلية الأوروبية مثل إسبانيا وفرنسا والبرتغال وهولندا في شأن استمرار حصص الصيد الحالية، وهو ما يعني استعداده للتفاوض حول مطالب بريطانيا بخصوص هذا البند، وتقديم تنازلات متبادلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب المقترح البريطاني في المفاوضات، سيتضمن اتفاق "بريكست" خفض حصص أساطيل الصيد الأوروبية في المياه المشتركة بنحو الثلث تقريباً من أغلب أنواع الأسماك. ومع أن بند حقوق الصيد ليس مهماً جداً من الناحية الاقتصادية، إلا أنه يمثل بالنسبة لبريطانيا ولحكومة بوريس جونسون مسألة رمزية يمكن تسويقها داخلياً على أنها تحقيق لوعود انتخابية في شأن "بريكست"، وأن بريطانيا حصلت على "سيادتها الكاملة على مواردها" وهي خارج الاتحاد الأوروبي، كما أنها أيضاً مكسباً لحزب المحافظين يمكّنه من ضمان تأييد الصيادين البريطانيين، وترسيخ ميزاته الانتخابية في المناطق الساحلية.
وبالنسبة إلى البند الأكثر تعقيداً، الذي يشهد خلافات جذرية بين الموقفين الأوروبي والبريطاني، وهو بند "مساواة القواعد والقوانين"، يبدي الأوروبيون استعداداً لتقديم تنازلات تجاه ما تراه بريطانيا "مسألة سيادية"، في مقابل تضمين الاتفاق آلية حاسمة لفض النزاعات التجارية كتلك التي التزمت بها لندن في اتفاقها الأخير مع اليابان، وهو أول اتفاق تجارة حرة تبرمه بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي مع شريك تجاري كبير.
أما بالنسبة إلى بقية بنود الاتفاق، فتم التوصل إلى إطار عام حولها، وبقيت بعض النقاط البسيطة قبل وضع الصيغ القانونية. ومع عرض بارنييه البدء في مناقشة الصيغ القانونية، يمكن الانتهاء من تلك البنود بسرعة.
وتضمنت تلك البنود في أغلبها حلولاً وسطاً على مدى جولات التفاوض العشرة الماضية، فمثلاً في بند تجارة السلع والخدمات، يمكن حل مسألة "شهادة المنشأ" لبعض المنتجات التي تدخل في إنتاجها مكونات من خارج بريطانيا بسرعة، من خلال مناقشة النصوص القانونية، والأمر نفسه يسري على بنود أخرى مثل تلك المتعلقة بإنفاذ القانون وتبادل المعلومات الأمنية وتصريحات النقل البري والتعاون في مجالات الطيران المدني والطاقة وغيرها.