يبدو أن اكتشاف إسرائيل نفقاً هجومياً تابعاً لحركة "حماس" اجتاز أراضيها انطلاقاً من قطاع غزة، لن يمر بهدوء وقد يشعل تصعيداً عسكرياً، إذ أطلقت الفصائل المسلحة في القطاع قذائف صاروخية عدة صوب التجمعات السكانية الإسرائيلية المحاذية لغزة، ورد الجيش على ذلك بشن سلسلة غارات على مناطق متفرقة في القطاع.
وفي التفاصيل، تمكن الجيش الإسرائيلي من اكتشاف نفق هجومي ينطلق من مدينة خانيونس جنوب غزة ويدخل بعمق عشرات الأمتار في الأراضي الإسرائيلية. وقال قائد فرقة غزة في الجيش الإسرائيلي نيمرود ألوني إنهم تلقوا إشارة من الجدار الخرساني الاستشعاري (العائق الأمني) بوجود أعمال تحت الأرض، وبعد فحص المنطقة تأكدنا من وجود مسار نفق.
النفق الأول
فعلياً، لا تزال إسرائيل تعمل على تشييد جدار خرساني حول قطاع غزة (بدأت فيه عام 2016) يبعد عنها قرابة 100 متر. ويمتد الجدار فوق الأرض وتحتها، ويصل الجزء السفلي منه إلى عمق 30 متراً، ليتمكن من اكتشاف الأنفاق الهجومية. ويحتوي الجدار على أجهزة استشعار وكاميرات عالية الدقة، ترصد أي تحركات تبعد عنها حتى مسافة 40 متراً، وتستطيع رصد أي تحركات لعناصر الفصائل المسلحة في غزة، ومراقبة الأعمال تحت الأرض باستشعار عالٍ.
ويُعد هذا النفق الأول الذي يكتشفه الجدار الخرساني منذ دخوله الخدمة قبل نحو شهر تقريباً. كما أن هذه أول مرة يعلن فيها الجيش الإسرائيلي اكتشاف نفق يمتد من غزة منذ يوليو (تموز) 2019، بعد ما دمر نحو 20 نفقاً هجومياً في القطاع أثناء العملية العسكرية المفتوحة التي شنها في عام 2014.
ويمتد النفق الهجومي المكتشف إلى عشرات الأمتار في الأراضي الإسرائيلية بحسب ألوني، الذي أضاف أنه لا يصل إلى العمق ولا حتى إلى الجدار الخرساني، لكن المعلومات التي حصلت عليها "اندبندنت عربية" تشير إلى أن هذا النفق يمتد حتى 150 متراً في العمق الإسرائيلي أي يتجاوز جدار الاستشعار.
لا رد فلسطينياً
على أي حال، بعد وصول المهندسين العسكريين التابعين لفرقة غزة في الجيش الإسرائيلي برفقة رئيس الوزراء المناوب بيني غانتس إلى مكان النفق لمعاينته والقيام بأعمال تثقيب، وجدوه مبطناً بالخرسانة المسلحة. وأشار ألوني إلى أن "تجهيزات النفق تجعله يتحمل قوى الضغط بشكل جيد جداً، وعلى الرغم من ذلك لا يشكل تهديداً للتجمعات السكانية القريبة من غزة".
وحاولت "اندبندنت عربية" التواصل مع قياديين في الفصائل الفلسطينية المسلحة للحصول على ردٍ منهم، إلا أنهم لم يدلوا بأي معلومات أو تصريحات، ورفضوا التعليق على الأمر.
قذائف من غزة وغارات إسرائيلية
من جهته، اعتبر غانتس الذي يشغل منصب وزير الدفاع أن اكتشاف النفق دليل على قدرات الجيش الإسرائيلي الاستخباراتية والتكنولوجية. وقال إن "الجيش يعمل لحماية سكان التجمعات الإسرائيلية المحاذية للقطاع"، مضيفاً أنه "يمكنهم النوم بهدوء".
إلا أن الأحداث اللاحقة أظهرت عدم دقة كلام غانتس، إذ أطلقت الفصائل المسلحة في غزة سلسلة قذائف صاروخية صوب التجمعات السكانية المحاذية للقطاع، واعترف الجيش الإسرائيلي بأن القبة الحديدية تمكنت من اعتراض بعضها.
وبحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، سُمع دوي صفارات الإنذار في التجمعات السكانية المحاذية لغزة، ورفعت "فرقة غزة" استعداداتها العسكرية عبر تعزيز حركة الدبابات في اتجاه القطاع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
توتر على الحدود
ورداً على القذائف الصاروخية، أغارت المقاتلات والمروحيات العسكرية الإسرائيلية أكثر من 20 مرة، على مناطق متفرقة من مدينتي دير البلح وخانيونس جنوب غزة، وقصفت منشأة تحت الأرض تابعة لحركة "حماس".
وفي رصد أجرته "اندبندنت عربية" للحدود بين القطاع وإسرائيل، يمكن ملاحظة أن الوضع بات متوتراً جداً، إذ تمكنا من مشاهدة حركة الدبابات على الجانب الإسرائيلي قرب السياج الأمني مع غزة فوق السواتر الرملية، بالتزامن مع وصول معدات هندسية عسكرية لمواصلة أعمال حفريات في مناطق عدة قرب السياج جنوبي القطاع. ورافق تلك الحركة دوريات مكثفة للجيش الإسرائيلي، الذي نشر أيضاً حواجز داخل التجمعات السكانية القريبة من غزة، وطلب من السكان عدم الاقتراب من الجدار الأمني مع القطاع، ومنع المزارعين من الوصول إلى الحقول المحاذية للجدار.
لا مواجهة عسكرية
في المقابل، أخلت حركتا "حماس" و"الجهاد الإسلامي" مواقع الرصد والمراقبة التابعة لهما في غزة.
وقال القيادي في "الجهاد الإسلامي" أحمد المدلل إن فصائل غزة مستعدة لمواجهة إسرائيل حال استمرت غاراتها على القطاع، مؤكداً امتلاك كل الوسائل التي تجبر إسرائيل على وقف تصعيدها.
وأشار المدلل إلى أنه "من حق الفصائل في غزة اتخاذ كل الاحتياطات المناسبة لمواجهة إسرائيل، بخاصة وأنها لا تميز بين المدنيين والعسكريين في القطاع، وتقصف أهدافاً مدينة وزراعية".
من جهة أخرى، رأى الباحث في الشؤون السياسية طلال عوكل أن اكتشاف نفق من غزة يصل إلى إسرائيل، قد يوتر الأجواء الأمنية، ويدفع باتجاه تصعيد عسكري محدود، مستبعداً دخول الفصائل في مواجهة كبيرة مع الجيش الإسرائيلي هذه الفترة.
وأشار عوكل إلى أن "المعطيات الميدانية لا تدفع باتجاه تصعيد، حتى وإن كان ذلك اكتشاف نفق هجومي، ففي أكثر من مرة اكتشف الجيش أنفاقاً لحماس وبقي الهدوء قائماً بين المنطقتين. كما أنه بالتحديد في هذا الوقت، يحتاج الطرفان لمزيد من الهدوء لمواجهة فيروس كورونا".