في فناء خلف معصرة الزيتون يجمع الجفت بكميات كبيرة، وعند انتهاء الموسم ينقل إلى مكب النفايات المركزي في غزة من دون الاستفادة منه، وتكررت هذه الحالة مدة سنوات طويلة، حتى بدأ تامر أبو مطلق في مشروع تحويل بقايا الزيتون إلى قوالب طاقة بديلة.
وبعد زيارات عدة إلى المعصرة، أقنع تامر صاحبها في السماح له بإقامة مشروع يعمل فيه على تحويل الجفت (بقايا الزيتون بعد استخراج الزيت منه) إلى قوالب قابلة للاشتعال وتستخدم في أغراض الطهي والتدفئة بدلاً من غاز الطهي.
الجفت فرصة عمل
وعلى الفور، أجرى تامر سلسلة اتصالات مع رفاقه العاطلين عن العمل، وقال لهم "لدي فكرة مشروع، إذا ساعدتموني ستفرج علينا، ونعمل جميعاً، ما رأيكم في تحويل تفل الزيتون إلى قوالب قابلة للاشتعال ونبيعها، صدقوني، إنها فكرة جيدة توفر لنا فرصة عمل على الأقل".
وتحمس رفاقه إلى الفكرة ولم يترددوا في مساعدته، فجميعهم عاطلون عن العمل منذ تخرجهم في قسم الهندسة المدنية من جامعات قطاع غزة، وتجمع فريق العمل، وجلب آلة كبس للجفت، وعربة النقل المشدودة باليد، وباشر في نقل الجفت إلى ماكينة الكبس التي بدورها تحوله إلى قوالب.
وتابع تامر "غزة تنتج كثيراً من الجفت، ولا يستفاد منه مطلقاً، على الرغم من أنه يوجد في تفل الزيتون غاز الميثان وبقايا الزيت، وهذه المواد قابلة للاشتعال السريع، لذلك فكرنا في تحويله إلى قوالب طاقة تستخدم في أغراض الطهي والتدفئة".
100 دولار للطن
وبحسب وزارة الزراعة، فإن مساحات كبيرة في غزة مزروعة بالزيتون، وأن إجمالي المحصول يصل إلى نحو 33 ألف طن من ثمار الزيتون، ويقول إبراهيم القدرة وكيل الوزارة "هذا العام، جرى تحويل سبعة آلاف طن للتخليل، ونحو 28 ألف طن للعصر، وهو ما يحقق الاكتفاء الذاتي لأول مرة في القطاع".
ووفقاً لإحصائيات وزارة الزراعة، فإن 28 ألف طن من الزيتون المحولة للعصر، تنتج نحو 60 ألف طن من الجفت (تفل الزيتون)، هذه الكمية شجعت تامر وفريقه على العمل لتحويل التفل لقوالب تشعل بدل الفحم والحطب.
وعلى مدار ثلاثة أيام، تمكن تامر ورفاقه من صناعة 10 أطنان من قوالب الجفت، ومن دون الترويج لها، وجدوا العديد من الزبائن يطلبونها "لم أتخيل أن نجد طلباً لقوالب الطاقة المصنوعة من تفل الزيتون في غزة، لقد بعنا كل الكمية من دون أي جهد".
وبعد الإقبال على شراء الجفت، زاد تامر من الإنتاج، "المشروع الآن يوفر 50 فرصة عمل للخريجين الذين لم يجدوا أي فرصة عمل منذ استلام شهاداتهم الجامعية، وباتوا يدرون دخلاً متواضعاً"، وبحسب بيانات مركز الإحصاء الفلسطيني، فإن نسبة البطالة ارتفعت إلى 70 في المئة بين سكان القطاع، بينهم 300 ألف من حملة الشهادات الجامعية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قوالب طاقة
فكرة تحويل جفت الزيتون إلى قوالب طاقة تعلمها تامر أثناء دراسته الجامعية، فهو أنهى تعليمه في كلية الهندسة، ويشير إلى أن تفل الزيتون يعد مصدراً مهماً للطاقة النظيفة إذا استغل بشكل جيد، ومصدراً ملوثاً للبيئة إذا وضع في مكب النفايات من دون الاستفادة منه، مفسراً ذلك بأن مكوث الجفت لفترة طويلة تحت أشعة الشمس ينتج عنه غاز الميثان وتتفاعل معه البكتيريا اللاهوائية.
وللمفارقة، يوضح تامر أن القالب الواحد من الجفت يزن كيلوغراماً واحداً، ويعطي كمية حرارة أقوى بنحو أربعة أضعاف من حرارة غاز الطهي، وقابل للاشتعال لمدة تصل لأربع ساعات. وعند المقارنة مع الفحم والحطب فإن الحرارة الصادرة عنهما أقل، أو بالمقارنة مع غاز الطهي، فهناك توفير في مصاريف الغاز، إذ يباع الطن (1000 كيلوغرام) من قوالب الجفت بقيمة 100 دولار أميركي، بينما تبلغ تكلفة أسطوانة الغاز (12 كيلوغراماً) نحو 52 دولاراً وتستخدم لمدة شهر فقط.
نافسوا في الأردن ومصر وقريباً في "هالت برايز"
وفي الحقيقة، لا تزال المناطق الريفية في قطاع غزة تعتمد على فرن الطيني في طهي الطعام وتدفئة الماء للاستحمام، وهي أكثر المناطق التي تستخدم قوالب الجفت، ويوضح تامر أن هذه المادة يستخدمها نحو 20 ألف مزارع دجاج في فصل الشتاء لتدفئة الدواجن في ظل البرد.
وبحسب القائم على المشروع، فإن جفت الزيتون لا يحتاج إلى معادلات كيماوية ليكون قابلاً للاشتعال، ويوضح تامر أنه يوجد في بقايا الزيتون القليل من الزيت وغاز الميثان، وبعد عملية الضغط والتنشيف تصبح هذه المواد قابلة للاشتعال السريع.
ولم يكن يتخيل تامر أن فكرة مشروعه تلقى رواجاً كبيراً، إذ نافست منتجات الجفت التي حولها في كثير من المحافل، ويقول "في مارس (آذار) الماضي، نافس مشروعنا في مصر، وتمكنا من الوصول إلى المركز الأول، وفي مايو (أيار) هذا العام نافس المشروع سلسلة مشاريع طاقة بديلة في الأردن، وبالفعل حصلنا على المركز الأول أيضاً".
ومنافسة مشروع الجفت، جعل العديد من المستثمرين العرب والأجانب يمولون تامر، الذي حول فكرته الصغيرة إلى مصنع كبير، وبحسب تامر، فإن مشروعه ينافس هذا العام على جائرة "هالت برايز"، وهي مسابقة سنوية، بالشراكة بين كلية التجارة الدولية "هولت" والأمم المتحدة وتُحشد فيها أفكار على مدار السنة من طلاب الجامعات، لحل قضية ملحة تواجه العالم في الأمن الغذائي والمياه والطاقة، ويمول المشروع الفائز بالمركز الأول بمليون دولار.