يدفع العالم ثمناً باهظاً للحرب الباردة التكنولوجية بين قوتين عظميين حيث قاد الصراع بين الولايات المتحدة والصين إلى قلب صناعة التكنولوجيا في كلا البلدين، ما أدى إلى تعطل الشركات المصنعة للأجهزة العملاقة ومصممي شرائح الكمبيوتر وحتى خدمات وسائل التواصل الاجتماعي. واليوم توسع نطاق العواقب بشكل واضح، حيث يتردد صدى تصرفات واشنطن وبكين في الأرياف الأميركية وأوروبا وأركان أخرى من العالم.
ويتحمل قطاع الاتصالات وأشباه المواصلات العبء الأكبر من التكاليف، حيث منعت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الشركات الصينية من السوق الأميركية. وقيدت صادرات بلادها إلى بكين. وتتوقع الشركات مليارات الدولارات من التكاليف المحتملة جراء فقدان الأعمال أو استبدال معدات الاتصالات الصينية.
لكن الآثار تتجاوز بكثير النتائج النهائية لشركات التكنولوجيا بحسب "وول ستريت جورنال"، التي أشارت إلى القلق الذي يجتاح صُناع الرقائق في الولايات المتحدة من أن خسارة المبيعات للصين ستعني أموالاً أقل للبحث والتطوير، مما يجعل من الصعب الاستمرار في إنتاج الرقائق المتطورة التي جعلت الولايات المتحدة رائدة عالمياً في صناعة أشباه الموصلات.
إبطاء انتشار الوصول إلى الاتصالات عالية السرعة
هناك أيضاً خطر من أن يؤدي الصراع إلى إبطاء انتشار الوصول إلى الاتصالات عالية السرعة في جميع أنحاء أوروبا وأميركا الريفية، وهي المناطق التي اشترت معدات لاسلكية وإنترنت صينية الصُنع بعد أن حظرت واشنطن فعلياً مثل هذه الأجهزة من الشبكات الأميركية الرئيسة في عام 2012، وقد يؤدي ذلك إلى ترك الشركات الأوروبية في وضع تنافسي غير مؤات دولياً في التصنيع والرعاية الصحية والنقل والعديد من الصناعات الأخرى، التي تتطلب شبكة الجيل، في وقت تواجه مئات الآلاف من المنازل والشركات بالمناطق الريفية في أميركا تأخيراً لشهور أو حتى سنوات للحصول على وصول سريع وموثوق إلى الإنترنت.
يقول المسؤولون الأميركيون الحاليون والسابقون إن التكاليف تستحق العناء على المدى الطويل. ويضيف هؤلاء إن الإجراءات الصارمة ضد صانعي معدات الاتصالات الصينيين تحمي الديمقراطيات من التجسس المحتمل المدعوم من بكين. ويرون إن ضوابط التصدير الأميركية تجعل من الصعب للغاية على بعض شركات الرقائق الصينية الرائدة صنع منتجات متقدمة تساعد في إنشاء سوق عالمية أكثر عدلاً لأشباه الموصلات، مما يعوض الدعم غير العادل الذي يقولون إن بكين تقدمه لصانعي الرقائق الصينيين. وبحسب رؤيتهم فإن شركات أشباه الموصلات الأميركية لن تضطر إلى خفض الأسعار للتنافس مع المنافسين الصينيين، مما يعني أنه سيكون لديهم المزيد من الأموال لإنفاقها على البحث والتطوير على المدى الطويل.
شركات أوروبية قد تستفيد من العداء الأميركي - الصيني
وتقول الصحيفة إنه يمكن للشركات الأخرى أيضاً الاستفادة من العداء بين الولايات المتحدة والصين، فبإمكان مزودي التكنولوجيا من خارج الولايات المتحدة والصين الذين يُنظر إليهم على أنهم لاعبون محايدون، مثل شركة "سامسونغ إليكترونكس" في كوريا الجنوبية وإريكسون السويدية ونوكيا كورب الفنلندية، الحصول على حصة في السوق، وإذا انتهى الأمر ببيع "بايت دانس ليمتيد" الصينية حصة في "تيك توك" إلى "أوراكل كورب" و"وولمرات إنك"، على النحو المتصور في صفقة أولية دعا إليها البيت الأبيض، فإنه يمكن لـ"بايت دانس"، أن تحصل على ضخ نقدي بينما تكسب الشركات الأميركية أسهماً من أكثر الشركات شهرة بالعالم في منصة التواصل الاجتماعي.
لكن الضرر قد ينتشر أيضاً، إذا صعدت الصين، على سبيل المثال، من خلال رفع الحواجز أمام شركات التكنولوجيا الأميركية مثل "أبل إنك" و"كوالوم إنك"، التي لا تزال تعتبر الصين سوقاً مهمة، بالتالي فإن إلقاء نظرة فاحصة على قطاعي الاتصالات وأشباه الموصلات يعطي إحساساً بالضرر الذي أحدثته الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين للتكنولوجيا بالفعل وربما تتسبب به في المستقبل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الأضرار المالية لـ"هواوي" من ضوابط التصدير الأميركية
أكبر ضحية حتى الآن هي الأعمال التجارية الدولية الأكثر نجاحاً في الصين، شركة "هواوي تيكنولوجيز كو"، حيث قطعت قيود التصدير الأميركية الكثير من سلاسل التوريد الخاصة بها، وضغطت واشنطن على الدول المتحالفة في أوروبا وأماكن أخرى، بنجاح محدود، لحظر عملاق التكنولوجيا الصيني "هواوي" من تطوير شبكة الجيل الخامس في هذه البلدان، بسبب إمكانية إجبار بكين "هواوي" على التجسس أو شن هجمات إلكترونية على رغم تأكيدات الحكومة والشركة الصينية أن هذا لن يحدث. ومع مبيعات سجلت 123 مليار دولار العام الماضي، تعد "هواوي" الرائدة عالمياً في تصنيع معدات الاتصالات وواحدة من أكبر مصنعي الهواتف الذكية. لكن نائب رئيس مجلس الإدارة لشركة "هواوي" غو بينغ، قال أخيراً إن "البقاء هو الهدف" بعد أن عرّضت القيود الأميركية للخطر إمكانية الوصول إلى رقائق الكمبيوتر المُصنعة باستخدام التكنولوجيا الأميركية، التي تحتاجها لصنع الأجهزة. وقال متحدث باسم الشركة إنه لن يكون لديها تقدير للأضرار المالية من ضوابط التصدير الأميركية حتى العام المقبل.
وقال غو بينغ، إن قسم المستهلكين في "هواوي"، الذي بلغت مبيعاته 67 مليار دولار العام الماضي يمثل معظم عائدات الشركة لعام 2019، يواجه التحدي الأكبر. وحصل هذا القسم على جوائز تقديرية للكاميرات الموجودة على هواتفه الذكية، التي تتطلب جميعها شرائح متقدمة متأثرة بضوابط التصدير الأميركية. أضاف أن قطاع معدات الاتصالات، الذي بلغ حجم مبيعاته العام الماضي 42 مليار دولار، معرض للخطر أيضاً. ومع ذلك، فإن تأثير مشكلات هواوي يتجاوز حدود الشركة. كما سيكون للضوابط الأميركية أيضاً تأثير كبير في الشركات بالولايات المتحدة وأوروبا وآسيا، التي تُصمم أو تصنع رقائق الكمبيوتر المباعة لعملاق التكنولوجيا الصيني.
وتقول شركة "هواوي"، إنها تنفق أكثر من 11 مليار دولار سنوياً على قطع الغيار الأميركية. وبحسب مسؤول أميركي كبير فإنه من المرجح أن تمنح وزارة التجارة تراخيص للشركات الأميركية لتصدير التكنولوجيا التي لا تؤثر في الأمن القومي إلى الصين، مثل مكونات أجهزة توجيه الإنترنت أو الهواتف المحمولة القديمة، على أساس كل حالة على حدة، لكنه أقر أن الموردين الأميركيين سيتحملون بعض التكاليف. ويقول المسؤول إنه لا توجد حالياً خطط للحكومة لمساعدة هذه الشركات في تعويض هذه التكاليف.
تقول الجمعية اللاسلكية الريفية "رورال وايرلس أسوسييشن"، إن بعض شركات النقل الريفية لم تتمكن من إصلاح بعض معدات الشبكة التي تصنعها "هواوي" أو "زد تي إي"، بسبب نفاد قطع الغيار، التي تركت في إحدى الحالات أجزاء من مونتانا من دون خدمة لاسلكية، بما في ذلك القدرة على إجراء مكالمات الطوارئ (911). ويحث كل من المجموعة التجارية وبعض مسؤولي إدارة ترمب مجلس الشيوخ على الانتهاء من أموال السداد حتى يتمكن أعضاء الجمعية من بدء عملية ستمتد لسنوات لاستبدال المعدات الصينية.
تحذيرات أوروبية وقلق بريطاني من "هواوي"
من جانب العملاء، وجدت جهود الولايات المتحدة لجعل الحلفاء يحذون حذوها لمنع "هواوي" من تحقيق بعض النجاح في أوروبا، حيث وافقت الدول بما في ذلك المملكة المتحدة وبولندا بشكل أساس على تقييد معدات الاتصالات الصينية. في حين لا تزال دول أخرى، وعلى الأخص ألمانيا، تناقش ما إذا كانت ستفعل ذلك، ويمكنها اتباع توصيات الاتحاد الأوروبي الأخيرة التي تنصح الأعضاء بالحد من استخدام المعدات من الموردين ذوي المخاطر العالية، وهي فئة تشمل "هواوي".
2.6 مليار دولار لاستبدال معدات "هواوي" في بريطانيا
في المملكة المتحدة، قالت الحكومة إن الإجراءات الأميركية التي عطلت سلسلة التوريد الخاصة بشركة "هواوي" تجعل من الصعب على مسؤولي الأمن الإلكتروني البريطانيين التأكد من أن معدات الشركة لا تشكل تهديداً للتجسس أو الأمن السيبراني. ويقول المسؤولون البريطانيون إنهم قلقون من أن تبدأ "هواوي" في شراء مكونات من موردين جدد يشكلون خطراً على الأمن القومي.
وكانت حكومة المملكة المتحدة قد طلبت من شركات النقل البريطانية التوقف عن شراء معدات "هواوي" الجيل الخامس بحلول يناير (كانون الثاني) واستبدال جميع معدات الشركة من الجيل الخامس بحلول عام 2027. وقالت مجموعة الاتصالات البريطانية "بريتيش تيليكوم"، التي سجلت 30 مليار دولار من الإيرادات في آخر سنة مالية لها.
وتحسباً لاتخاذ إجراء ضد "هواوي" وبناءً على توصيات الاتحاد الأوروبي، تعمل شركات الاتصالات الكبرى في جميع أنحاء أوروبا على تحويل الأموال والانتباه بعيداً عن توسيع التغطية وبناء شبكات الجيل الخامس للتركيز على استبدال معدات "هواوي" المستخدمة بالفعل. في وقت حذر المسؤولون التنفيذيون في مجال الاتصالات اللاسلكية الأوروبية لسنوات من أن القارة تتخلف عن الولايات المتحدة والدول الآسيوية في طرح شبكات الجيل الخامس. ويقولون إن القيود المفروضة على استخدام معدات الشركة الصينية تهدد بتفاقم ذلك. ويضيف هؤلاء إنه ومن دون شبكة الجيل الخامس، ستتخلف شركات التكنولوجيا والتصنيع الأوروبية عن تطوير تقنيات تعتمد على تقنية الجيل الخامس مثل السيارات من دون سائق والمصانع التي تديرها الروبوتات.
وقال الوزير البريطاني المسؤول عن القضايا الرقمية أوليفر دودن، إن الحظر الذي تفرضه المملكة المتحدة على "هواوي" قد يؤخر تطوير الجيل الخامس لمدة عامين إلى ثلاثة أعوام ويكلف ما يصل إلى 2.6 مليار دولار تقريباً لاستبدال معدات العملاق الصيني. وقالت شركات الاتصالات اللاسلكية البريطانية، إن الاقتصاد البريطاني قد يخسر المليارات نتيجة التأخير، لأن المملكة المتحدة ستخسر زيادة الإنتاجية وفرص العمل الجديدة.
في الولايات المتحدة، منع الكونغرس فعلياً شركات الاتصالات الأميركية الكبرى من استخدام معدات من "هواوي" ومنافستها الصينية الأصغر "زد تي كوي" و"زد تي إي كورب"، لكن كلا صانعي المعدات الصينيين استمرا في تزويد العديد من شركات النقل الريفية الصغيرة. وفي يونيو (حزيران) حظرت لجنة الاتصالات الفيدرالية هذه الشركات الصغيرة للاتصالات من استخدام الأموال الفيدرالية لشراء أو صيانة معدات "هواوي" و"زد تي إي".
1.8 مليار دولار كلفة استبدال معدات "هواوي" و"زد تي إي" في أميركا
نظراً لأن شركات النقل الصغيرة هذه تعتمد على الإعانات الفيدرالية، فإن قرار لجنة الاتصالات الفيدرالية يجبرها بشكل أساس على استبدال المعدات الصينية في غضون عامين. تقول الشركات إنها تريد القيام بذلك في أقرب وقت ممكن لأنها لا ترغب في شراء قطع غيار للمعدات التي سيتعين عليهم استبدالها على أي حال.
وأخبر نحو 50 شركة اتصالات ريفية أميركية لجنة الاتصالات الفيدرالية أنها ستكلف مجتمعة 1.8 مليار دولار لاستبدال معدات "هواوي" و"زد تي إي"، وأقر مجلس النواب الأميركي مشروع قانون لتعويض شركات النقل هذه عن مليار دولار على الأقل من المال العام، لكن مجلس الشيوخ لم يتحرك بعد، وقد يستغرق الأمر شهوراً قبل تسليم هذه الأموال.