أكملت انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) في العراق عامها الأول، وهي الانتفاضة التي غيرت مسار جيل بأكمله يسعى إلى صنع التغيير. سنة كاملة تمسَّك خلالها شباب "الثورة" بسلميتهم، وبقوا داخل خيم الاعتصام يراقبون المشهد السياسي الذي لم يتغير كثيراً بحسب رأيهم. اليأس والأمل ضدان اجتمعا في حديثنا معهم، فهم يشعرون أن أصواتهم لا تُسمع، وفي الوقت ذاته يتمسكون بالأمل والإصرار على تحقيق التغيير.
هل هناك من يسمعنا؟
تستذكر أم أحمد المستمرة في الاعتصام منذ سنة أسماء القتلى الذين سقطوا في التظاهرات، وتقول إنه "بعد كل هذه الدماء التي سالت، وكل الأصوات التي علت للمطالبة بالحقوق، لا أحد يستمع لمطالبنا". إلا أن أم أحمد التي تقدم الطعام للمتظاهرين برفقة ابنها وأخيها، أكدت تمسكها بالاعتصام وعدم ترك المكان على الرغم من ظروف جائحة كورونا، لكنها لا تخفي شعورها باليأس من التغيير "فالقمع مستمر، ولم يحُاسب قتلة المتظاهرين على الرغم من أن رئيس الوزراء الحالي كان مدير جهاز الاستخبارات، وهو بالتأكيد على معرفة بالمتورطين بقتل المتظاهرين".
الثورة فكرة
من جهة أخرى، أوضح المتظاهر أحمد علي، المتخرج حديثاً في الجامعة، أن "الثورة أصبحت فكرةً لا يمكننا التخلي عنها على الرغم من دخول الأحزاب والمندسين من أجل إجهاضها". ورأى علي أن "الثورة قد لا تحقق أهدافها الآن، لكنها في النهاية ستحقق كل المطالب التي نادت بها".
أما مؤمن فراس، وهو شاب يبحث عن فرصة عمل، فقال إن "الثورة خلقت وعياً شبابياً، حتى وإن لم يحدث التغيير، لكنها خلقت جيلاً جديداً واعياً قضية اسمها الوطن".
وأكد المتظاهر أحمد ماجد أنه لا يمكن أن يترك الساحة على الرغم من التهديدات المستمرة التي يتعرض لها، لافتاً إلى أن مطالبهم بسيطة وتتعلق بتوفير الحياة الكريمة "لكن هذه المطالب البسيطة أصبحت صعبة بوجود الأحزاب السياسية الفاسدة التي استغلت ثروات العراق لمصالحها".
من جهتها، رأت فاطمة يوسف التي تعمل مترجمة، أنه "على الرغم من استمرار الانتفاضة لمدة سنة، لكنها لم تحقق كل ما كانت تطمح إليه، وحتى قانون الانتخابات الجديد سيصُبُّ في مصلحة الأحزاب". واعتبرت يوسف أن "المجتمع الدولي مستمر بدعم هذه الحكومة على الرغم من كل الخروقات التي مُورست ضد المتظاهرين"، لكنها لفتت إلى أن "التغيير الذي حققته الانتفاضة هو التغيير المجتمعي؛ إذ كسرت حاجز الخوف لديَّ"، وجعلتها تخاطر بحياتها وعملها وفاءً للضحايا، "ولفكرة أننا نريد وطناً".
أما المتظاهرة بيان ناصر، الطالبة في المرحلة الإعداية، التي تحرص على تلبية كل دعوة لتظاهرة نسوية، فقالت إن "تقديم حكومة عادل عبد المهدي استقالتها كافية لكي أقول إن الثورة نجحت، فهي أول حكومة استقالت بضغط شعبي".
ترك ساحة الاعتصام بعد تحقيق المطالب
في المقابل، أوضح المتظاهر حسنين ضياء أن "الانسحاب من ساحة التحرير مرتبط باستعادة الدولة هيبتها وإنهاء التدخل الإقليمي والقضاء على الميليشيات". وذكر عبد الله فلاح حاتم، المسعف في ساحة التحرير، أن "مطالب ثورة أكتوبر هي وجود حكومة نزيهة وعادلة تحاسب قتلة المتظاهرين، وقضاء عادل غير مُسيَّس من قبل الأحزاب". وزاد حاتم أن التظاهر هو الحل لإنقاذ العراق. لا يوجد أي حل إلا الاستمرار بالتظاهر لأننا لا نرغب بتكرار الوجوه التي أضرت بالشعب العراقي".
المتظاهر وعد عامر عبَّر عن اعتقاده أن "كل شرائح المجتمع في العراق ظُلمت في ظل هذا النظام السياسي، ولن يتغير شيء رغم الوعود الكثيرة". ورأى عامر ضرورةً في "انهاء وجود الأحزاب التي ابتلعت ميزانية العراق برواتبها الضخمة والمخصصات الأخرى"، مؤكداً أن "الثورة ستنجح لأنها على حق".
الضحايا هم الدافع للاستمرار في الانتفاضة
في السياق ذاته، اعتبر الناشط ياسين عبد الواحد التميمي، أن "انتفاضة أكتوبر لا يمكن أن تتوقف"، مشيراً إلى أنه على الرغم من القمع الكبير، فإن الشعب وساحات الاعتصام قدمت أكثر من 700 قتيل وآلاف الجرحى، "ولا يمكن أن نتخلى عن دمائهم وتضحياتهم". ورأى التميمي أن انتفاضة أكتوبر "هي أمل العراقيين للخلاص من الظلم، وتحقيق أبسط الحقوق بالحياة الكريمة وتحقيق الأمن وإنهاء الطائفية وفساد القوى السياسية، التي أهدرت ثروة العراقيين، وجعلت أكثر من ثلثهم تحت خط الفقر".
"الخطوة التي لن أندم عليها"
كذلك قال المتظاهر خالد القيسي الذي يعمل في أحد مطاعم بغداد، إن السبب الذي دفعه للاشتراك في التظاهرات هو "غياب كرامة الإنسان وغياب الشعور بالوطن". وأضاف القيسي أن مشاركته المستمرة في التظاهرات منذ سنة هو الشيء الوحيد الذي لن يندم عليه.
متظاهر آخر رفض ذكر اسمه، وهو طالب في كلية الطب ويعمل ضمن فريق "ترند الثورة" على موقع "تويتر"، قال إن ما دفعه إلى التظاهر هو "غياب الأمن وسطوة السلاح وفشل النظام السياسي بسبب المحاصصة الحزبية". وعلى الرغم من دخول المندسين من الأحزاب إلى ساحة التظاهر، فإنه مؤمن بأن "الثورة ستنتصر في النهاية بسبب وجود الشباب الواعي لأهمية استعادة الوطن".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"الأمل هو ما أتمسك به"
من ناحية ثانية، تحدث المتظاهر حسن فاخر عما يدفعه إلى التظاهر والاستمرار بدعم الحراك، وهو "تخليص العراق من الفساد والمحسوبية". وأكد فاخر الذي يحرص على المشاركة في كل التظاهرات منذ عام 2011، تمسكه بالأمل في أن "المطالب ستتحقق عبر الاستمرار بالاعتصام والاحتجاج إلى حين إحقاق حقوق الشعب العراقي المظلوم الذي ما انفك يحكم من قبل أناس لا يعرفون كيف يديرون البلد، والذي يدفعنا للاستمرار هو الشعور بالانتماء للعراق". وأوضح أن مطالبه هي "حياة كريمة تنعم بها الأجيال، فلا حروب ولا فقر ولا بطالة ولا سوء خدمات".
للعراقيين في الخارج دور في دعم الثورة
في مُوازاة ذلك، لم يغب الشباب العراقي المغترب عن أحداث انتفاضة أكتوبر، بل إن كثيرين منهم يدعم التظاهرات عبر وسائل التواصل الاجتماعي لكي يشعر أنه مشارك في عملية صنع التغيير. وصرح عبد الله خضير الذي يعيش في ولاية أوهايو الأميركية ويعمل في مصنع لمحركات السيارات، ويدرس في كليه الهندسة، بأنه يؤيد الثورة "لأنها السبيل الوحيد لتخليص العراق من الهيمنة الإيرانية والميليشيات المدعومة من قبلها".
ولا يخفي خضير سعادته بدعم الحراك، لكنه في الوقت ذاته يشعر بالألم لأنه بعيد عن ساحات الاعتصام.
أما ياسر الجبوري الذي يقيم في العاصمة الأيرلندية، دبلن، فيجد نفسه ملزماً بدعم هذه التظاهرات "لكي يتخلص العراق من الأحزاب الفاسدة التي تعاقبت على العملية السياسية بعد عام 2003". وتابع الجبوري "لا يهم إن كان الشخص داخل العراق أو خارجه لأن العراق يمثل مستقبل الجميع"، مشدداً على "ضرورة بقاء حراك أكتوبر سلمي وبعيد عن أي نهج مسلح. العراق خاض كثيراً من الحروب، ولا نريد أن ندخل في حرب أخرى".
أما الناشط ياسين عبد الواحد التميمي الذي اضطر للخروج من العراق بعد المشاركة في حراك أكتوبر خوفاً من التعرض للخطف أو الاعتقال، فأوضح أنه يستثمر مناخ الحرية الذي يعيش فيه لنقل ما يجري عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتعاون مع ناشطي الداخل الذين لا يستطيعون إظهار هوايتهم خوفاً من القتل. وأضاف "نقوم بعقد ندوات والدعوة إلى مسيرات أمام مكاتب الأمم المتحدة في نيويورك وفي جنيف، وأمام مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل، ونحاول إيصال وثائق ومستندات تثبت الانتهاكات الموجودة في العراق، ليس فحسب بحق المتظاهرين، وإنما لكل انتهاك يقوم به النظام والميليشيات المتنفذة".
في ساحة التحرير، يتساوى الموت والحياة، فالكل هناك مؤمن بأنه ليس للحياة معنى إن ترك مطالبه وغادر الساحة. فالموت فيها من أجل المطالب هو ما سيُعطي للحياة معنى.