إذا كانت هناك سمة خاصة لزعامة بوريس جونسون فهي رفضه تحمُّل المسؤولية في أي شيء فعلته حكومته.
ندرك كيف يحصل ذلك: يقع إخفاق ما، وتوجه أصابع الاتهام، فيأمل بعدم ظهور القصة على جدول الأعمال، فيتكرر الأمر. في بعض الحالات يتم الطعن في هذه التكتيكات المكشوفة بنجاح، لكن يبدو أن زخم دفاع الحكومة عن تقاعسها في مجال بعينه، يتصاعد. وأنا أتحدث هنا عن موقفها من (قضايا التمييز) العرقي.
وفي ما يبدو شبيهاً بمحاولة لتسريع الأجندة المحافظة المتعلقة بتغيير"الرواية" التي تتصل بالعرق، واستعمالها سلاحاً ضد أبناء الأقليات العرقية في بريطانيا، فإن الحكومة قد ذهبت إلى أبعد من ادعاءات أطلقها جونسون في وقت مبكر من هذا العام، مفادها أن الشعور المضلل الذي ينتاب شخصاً، و"يجعله يظن أنه ضحية"، هي إشكالية أكثر من كونها قضية تمييز. وفي سياق مناقشة حزب العمال ضمن فعالية "شهر تاريخ السود" في البرلمان الأسبوع الماضي، صار موضوع "النظرية العرقية النقدية" جزءاً من ترسانة الحكومة.
وجادل نواب محافظون ضد محاولات إعادة إصلاح المناهج الدراسية أو "تخليصها من سمات استعمارية" بهدف عرض أكثر شمولاً لتاريخ السود. لقيت "النظرية العرقية النقدية"، وهي مدرسة فكرية تعود أصولها إلى دراسات أميركية في القانون، انتقادات حادة، حيث وصفت بطريقة تبسيطية بأنها عبارة عن عائق يحد من نجاحات هذه البلاد التي تقوم على أساس "الجدارة والشخصية"، وذلك على حد تعبير أندرو لوير، النائب المحافظ عن دائرة نورثامبتون نورث، لكن ماذا يعني ذلك فعلاً؟
وضعت "النظرية العرقية النقدية" Critical Race Theory CRT في الولايات المتحدة، على يد باحثين، مثل ديريك بيل، الذي استعمل هذا التعبير لاستكشاف مدى انتشار العنصرية البنيوية وتأثيرها، أي كيف أن العنصرية وعقيدة تفوق العرق الأبيض قد غرست جذورها في مختلف جوانب المجتمع الأميركي. وكما أوضح كوجو كارام، الذي يحاضر في كلية القانون في جامعة بيركبيك Birkbeck University، عبر سلسلة تغريدات رائعة نشرها في أعقاب المناقشة، فإن "النظرية العرقية النقدية قد نشأت في قسم القانون بجامعة هارفارد خلال الثمانينيات في محاولة لشرح التناقضات بين المساواة القانونية التي تحققت عبر النضال في سبيل الحقوق المدنية، وبين الاختلاف الملموس في تأثير القانون على المجموعات العرقية كافة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الأمر حتى الآن بسيط للغاية. وباعتبار أن المملكة المتحدة قد لعبت دوراً في وضع تصور للكثير من الأنظمة التي تتبنى عقيدة تفوق العرق الأبيض في المجتمع، أو في نسخ هذه الأنظمة، فإن عدداً من وجوه النظرية تلك يمكن أن تطبق هنا.
في ميدان التعليم، تحديداً، وبعبارات مباشرة، ستعني النظرية تعليم الطلاب موضوع آثار العنصرية البنيوية، إضافة إلى دمج مجموعة أكبر من النصوص حول الاستعمار، وآثاره والإرث الذي خلفه، كموضوعات في المناهج الدراسية.
ومع ذلك، فإن "النظرية العرقية النقدية" تتعرض للشيطنة في أوساط اليمين واليمين المتطرف، ممن يصفونها بأنها نوع من المحاولة المبطنة لجعل أصحاب البشرة السوداء يظهرون بمظهر الضحية، ويتلقون الدعم على نحو لا مبرر له، وذلك في الوقت الذي "لا يجري فيه [إعطاء] صورة صادقة، ليس فحسب لنشاطات هذه البلاد، بل أيضاً لنشاطات أولئك الذين يشاركونني لون بشرتي"، على حد تعبير كيمي بادينوتش وزيرة المساواة حرفياً. وقالت إن هذه النشاطات "ليست دائماً صحية كما يود الناس على جانب [حزب العمال] أن يصوروها".
هكذا بات الأمر أشد سوءاً. وبعيداً عن تأكيدها الفظيع الذي لا علاقة له بجوهر المسألة، جادلت أيضاً بادينتوش أن "النظرية العرقية النقدية" هي "أيديولوجيا ترى سواد بشرتي دليلاً على أني ضحية وبياض بشرته علامة على أنه قمعي". وتابعت قائلة إنه من "الواضح للغاية أن الحكومة تقف بشكل لا يقبل الشك ضد النظرية العرقية النقدية".
وزادت بادينتوش موضحة أن "تدريس أي مدرسة عناصر النظرية العرقية النقدية هذه على أنها تمثل الحقيقة، أو الترويج لآراء سياسية حزبية، مثل وقف تمويل الشرطة، من دون تقديم معالجة متوازنة لوجهات النظر المتعارضة، هو انتهاك للقانون".
وإذا بدا لك هذا الموقف متطرفاً، فذلك لأنه كذلك في الحقيقة. ومع أن ظهور النظرية تلك في المؤسسات الأكاديمية البريطانية هو أمر حديث العهد (بالمقارنة مع فكرة الاستثنائية) فإن المحاولات الرامية للميل نحو إجراء "تموضع استثنائي" للنظرية العرقية النقدية، تكتسب الآن زخماً من جديد. وما شهدناه الأسبوع الماضي يمكن أن يكون مأخوذاً مباشرة من كتاب قواعد اللعب (لإدارة الرئيس) ترمب. واللافت أنه لم يمر بعد كثير من الوقت على ترديد الرئيس الأميركي عديداً من الادعاءات الكاذبة عن تلك النظرية العرقية، وهي ادعاءات سمعناها في مجلس العموم هذا الأسبوع.
وكما نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" في 4 سبتمبر (أيلول)، فإن ترمب أصدر مذكرة من راسل تي فوغت، مدير "مكتب إدارة الميزانية"، إلى رؤساء الفروع التنفيذية طالب فيها بأن توقف الوكالات "كل العقود، أو نفقات وكالات أخرى، المتعلقة بأي نوع من التدريب على (النظرية العرقية النقدية)، وعلى (امتياز أصحاب البشرة البيضاء)، أو أي نوع آخر من أنواع التدريب وجهود الدعاية التي تعلم أو توحي بـ: (1)، أن الولايات المتحدة دولة عنصرية بشكل متأصل، أو شريرة، أو (2)، أن أي عرق، أو إثنية هو بطبيعته عنصري أو شرير".
وكالفراشة بالنسبة للهب، أو رجل يميني يشعر بالمرارة بالنسبة للتصيد لغرض كشف الأسرار، باتت مكافحة العنصرية أداة مناسبة لاستفزاز الحكومة استفزازاً لا ضرورة له. وحين عصفت احتجاجات "حياة السود مهمة" بالمملكة المتحدة في وقت سابق من هذا العام، قوبلت بالادعاءات المذكورة آنفاً عن كون المرء ضحية، من جانب جونسون، فضلاً عن اقتراح مات هانكوك (وزير الصحة) بأن التظاهرات اندلعت فحسب كاستجابة لوحشية الشرطة الأميركية.
وذهبت الأمور إلى أبعد من ذلك هذا الأسبوع، ولا سيما أن راغب علي، وهو مستشار الحكومة للشؤون الإثنية، أعرب عن رفضه تأثير العنصرية البنيوية على عدم المساواة في الخدمات الصحية والتعليمية (في بريطانيا). وبالإضافة إلى عدم قبوله النتائج التي خلصت إليها هيئة "الصحة العامة في إنجلترا"، وجاء فيها أن "العنصرية التاريخية والتجارب الأكثر رداءة في مجال الرعاية الصحية" أحدثت أثراً على أبناء مجتمعات" السود والآسيويين وأعضاء الأقليات العرقية (بايم)" Bame ممن يسعون للحصول على الرعاية، فقد رأى المستشار علي، اليوم، أن الترابط المؤكد بين الطبقة والعرق، هو نوع من المغالطة. وقال في الواقع، إن "المنطقة التي تعيش فيها، والعمل الذي تؤديه، ونوع المسكن الذي تقطنه [هي] ما يفسر المخاطرة المتزايدة في أوساط الأقليات العرقية". بعبارات أخرى، العوامل المسببة بالنسبة للمستشار هي تلك التي تأثرت وباتت في وضع أسوأ سلفاً جراء العنصرية البنيوية.
لستُ خبيرة بعلم الأوبئة، لكن ما أجده مثيراً للفضول هو أن المستشار راغب علي قد كرر عبارات مماثلة للكلمات الواردة أعلاه، وذلك قبل إصدار الحكومة تقريرها الفصلي حول عدم المساواة الصحية الخاصة بكوفيد-19، الخميس الماضي، وتقديمه بقيادة بادينوتش التي بدت وكأنها لا تعتقد أن العنصرية موجودة على الإطلاق. والمستشار علي، لا يؤمن مثلاً بأن هناك أي دليل على أن "السود والآسيويين كانوا يُعاملون معاملة مختلفة حالما يصلون إلى المستشفى"، ضارباً عرض الحائط بسنوات من الأدلة التي تؤكد نقيض ذلك، لكن بصرف النظر عن هذا كله، فهو يدعي أنه "إذا كان ثمة شيء، فهو أن العكس صحيح".
لستُ متأكدة من أن هذه الخلاصة ستحظى بموافقة عديد من العاملين في حقل الرعاية الصحية ممن لم يلاحظوا فحسب وجود أعداد غير متناسبة من مرضى "ملونين" (من الأقليات)، بل انتبهوا أيضاً إلى أن هؤلاء المرضى الملونين قد عوملوا بطريقة مختلفة عن غيرهم في وحدات العناية المركزة في بداية الجائحة. وعلاوة على ذلك، كان هناك من سلط الضوء على مسائل العنصرية في قطاع الرعاية الصحية، لكن لديَّ إحساس بأن هذا هو الهدف. أظهرت الحكومة مدى استخفافها بواقع العنصرية من خلال محاولاتها المتكررة لاختزال هذا الواقع إلى مجرد "رواية" في المقام الأول. وقد قدم علي أنها وجهة نظر منحازة من جانب أشخاص يبدو أنها تعتبر أنهم يسعون لنيل معاملة خاصة. وأشك في أن هذا هو السبب الذي أدى إلى اتهامها بحجب التوصيات حول حماية الأشخاص من خلفيات مجتمعات "السود والآسيويين وأبناء الأقليات العرقية"، في وقت سابق من هذا العام، وكان ذلك خلال الفترة نفسها التي وصلت فيها احتجاجات "حياة السود مهمة" ذروتها.
كان من المفروض ألا يكون "شهر تاريخ السود" موضع جدل كبير في أوساط الوزراء على امتداد الشهرين الماضيين. ولا ينبغي أن يكون تحدي العنصرية التي كان علينا أن نتغلب عليها، سبباً للاحتفاء بها. وبدلاً من الاعتراف بالمسائل التي من الواضح أن الملونين يواجهونها في بريطانيا، كان لدينا مزيد من الأشياء المألوفة، بما فيها اللجوء إلى ذلك السطر المستهلك حول أبناء الطبقة العاملة ذوي البشرة البيضاء. وهذا دفاع سهل لم يهتم على الإطلاق تقريباً بمصالح الطبقة العاملة ويسعى بدلاً من ذلك إلى إسكات الأصوات التي تنادي بمعالجة القضايا المشروعة بما فيها تلك التي تلحق بهم أكبر قدر من الضرر، وفي مقدمها الفقر الغذائي.
إن حرف الأنظار وتشويشها هو عنوان لعبة الحكومة. فحين اتهمت بريتي باتل، وزيرة الداخلية، بالتلاعب خلال مناقشة حول العنصرية شهدها البرلمان في يونيو (حزيران) الماضي، جاءت إجابتها لتشير إلى أن السياسة، وليس سجلها هي، مثلاً، هي سبب تأجيج الغضب. وإذ استفادت مما بدا أنه نهج حزب المحافظين المفضل لمقاربة قضايا العرق، اعتبرت باتل أنه نظراً لكونها امرأة ملونة البشرة وواجهت العنصرية طيلة حياتها، فإن رأيها لا يقبل التحدي. وهذا هو الدفاع الوحيد لدى الحكومة، والذي ستواصل طرحه في هذا السياق، من خلال نواب من أمثال عمران أحمد خان، وآدم آفريي، وكلير كوتينهو، وبيم آفلولامي، وباتل وبادينوتش، لدعم موقفها هذا. وهي تنشد أن توحي من خلال ذلك أنه إذا رفض عدد كافٍ من النواب الملونين العنصرية، فلا يمكن عندها أن تكون موجودة فعلاً.
لو أخذت جنيهاً إسترلينياً لقاء كل مرة يجري فيها جلب نائب ملون للظهور في أعقاب توجيه اتهامات للحكومة بالتمييز، أو باللا مبالاة حيال معالجة العنصرية، وتحسين الاندماج بالمجتمع مع تلك المعالجة أو من دونها، لربما كنت قد جمعت ما يكفي لتمويل الوجبات المدرسية المجانية التي رفضت الحكومة تقديمها هذا الشتاء. إن تعيين بادينوتش وزيرة للمساواة (فضلاً عن عديد ممن يشك في التزامهم دعم جهود مكافحة العنصرية) بعد سجل حافل بالرفض التام للأثر البعيد المدى الذي تحدثه العنصرية، هو مثال آخر على تلك اللا مبالاة.
إن الحكومة ستُمعن في نهجها هذا ماضيةً في تصعيده بصرف النظر عن التحديات التي ستبقى تواجهها. ولحُسن الحظ فإن إصرارها على خسارة دعم قطاعات كبيرة من الجمهور كل يوم قد يساعد كثيراً على فضح سخافة النهج الذي تتبعه في التعاطي مع العنصرية. آمل أن تُدرك وزيرتنا للمساواة مجال عملها كاملاً، قبل حصول ذلك.
© The Independent