بموجب مرسوم ملكي أُنشئت المؤسسة الليبية العامة للبترول عام 1968، على أن يكون مقرها الرئيس في مدينة بنغازي، استناداً إلى دراسات الجدوى الاقتصادية وقرب مواقع الإنتاج وموانئ التصدير منها، واحتواء إقليم برقة على حوالى 80 في المئة من احتياط النفط. لكن بموجب تعليمات شفهية صدرت عام 1970، نقلت المؤسسة إلى طرابلس.
بعد ثورة فبراير (شباط) 2011، ظهرت مطالبات شعبية بإعادة المؤسسات التي نقلها الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي قسراً في مطلع سبعينيات القرن الماضي من بنغازي إلى طرابلس، وكانت المؤسسة الوطنية للنفط على رأسها. ثم أصدر مجلس الوزراء السابق برئاسة علي زيدان قراراً بعودة المؤسسة.
في أواخر عام 2013، وضع حجر الأساس لمقر المؤسسة في مِنطقة جليانة وسط بنغازي، ثم أَصدرت الحكومة الليبية المؤقتة قراراً بإعادة تسمية رئيس مجلس الإدارة. وعام 2015، افتتح المقر الكائن مؤقتاً في عمارة المصرف التجاري في منطقة البركة جنوب المدينة، مع وجود فرع في منطقة طابلينو غربها.
إدارة النفط المقسمة حالياً لا تبشّر بمشهد تنموي، إذا لم تتوفر الحلول القابلة للتنفيذ، القادرة على إيجاد مخرج من الأزمات التي تتفاقم بسبب المشكلات حول النفط، الذي يشكل حوالى 95 في المئة من إيرادات الدولة.
بين الشفهية والمركزية والتفكيك
الحراك الوطني لتفكيك المركزية يؤكد أن نقل المؤسسة الوطنية للنفط من بنغازي إلى طرابلس عام 1970، استمر من دون أي غطاء قانوني أو إجراء تشريعي تسع سنوات.
ويذكر أحد أعضاء الحراك المستشار في مجال النفط والغاز عبدالجليل معيوف أنه عندما وصلت التعليمات الشفهية من عبدالسلام جلود، عضو مجلس قيادة الانقلاب على النظام الملكي، نُقلت المؤسسة خلال ساعات قليلة تعسّفياً، مشيراً إلى "مراسلة المبعوثين الأمميين بخصوص التهميش الذي تعاني منه مدينة بنغازي منذ عقود".
ويقول معيوف إن "الأمور غير واضحة في ما يخص توحيد المؤسسات وهو أمر بعيد عن التطبيق مع إمكان الذهاب نحو التقسيم"، مؤكداً أن "المؤسسة في بنغازي تمتلك الشرعية وفق القرار رقم 247 الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء لسنة 2013 والقاضي بعودتها إلى مقر إنشائها".
رئيس الحكومة الليبية السابق تحدث منذ سنوات عن الإرهاق الذي أصاب طرابلس وجعلها غير قادرة على تحمل كل هذه المؤسسات، مؤكداً أن "المصلحة العامة تقتضي العمل على تفكيك المركزية".
ويشير الحراك الوطني لتفكيك المركزية إلى أن "المؤسسة الوطنية للنفط هي شركة قابضة تخضع في نشاطها للقانون التجاري، ولم تكن يوماً كياناً سيادياً".
إعادة تفعيل عمل المؤسسة من بنغازي أمر يتطلب البحث في أمرين مهمين، وفق المتخصص في القانون علي العمامي. أولاً، أن "الدستور هو الذي يحدد مقرات المؤسسات السيادية كمؤسسة النفط والمصرف المركزي ووزارة الدفاع وغيرها". والثاني، وجوب العودة إلى قانون إنشاء مؤسسة النفط الذي يحدد مركزها القانوني، موضحاً أنه "المقر الذي تتم مراسلته ومقاضاته وتعقد فيه الاجتماعات الأساسية وتُتَّخذ بين أروقته قرارات المؤسسة المفصلية". وتابع العمامي "يجوز أن تكون لها فروع، لكن يظل المركز القانوني لها في المدينة الأصل هو الأهم".
اتفاق على الورق
في أكتوبر (تشرين الأول) 2015، أصدرت الحكومة المؤقتة قراراً بإعادة تسمية ناجي المغربي رئيساً لمجلس إدارة المؤسسة وأصبح المستشار عبد الجليل معيوف رئيساً لفريق عمل عودة المؤسسة، مؤكداً أن "الدراسات جاهزة ومفصلة والجداول الفنية موجودة، بالإضافة إلى مقترح لكيفية الدمج بين المؤسستين يتضمن إمكان تحويل 15 في المئة من الموظفين من طرابلس للعمل في بنغازي".
وبيًّن معيوف أنه "لم تأتِ من وراء لقاء رئيس المؤسسة في طرابلس مصطفى صنع الله والمغربي في تركيا عام 2016 أي فائدة لتوحيد المؤسسة". واعتبر أن "الاتفاق كان على الورق فقط، وفي ثناياه الالتزام بتنفيذ القرارات القاضية بمباشرة المؤسسة الوطنية للنفط أعمالها بكامل مكوناتها من مقرها الرئيس في بنغازي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واحتفلت المؤسسة في طرابلس هذا الأسبوع برفع القوة القاهرة وإعلان فتح كل الحقول والموانئ الليبية، بعد الإقفال الذي بدأ منذ يناير (كانون الثاني) 2020.
وأكد صنع الله التزام المؤسسة بمبدأ الشفافية وأنها الجهة السيادية الوحيدة التي طبّقت هذا المفهوم، مشيراً إلى أنها "تعمل في حياد عن جميع التجاذبات السياسية".
في المقابل، اتهم معيوف المؤسسة في طرابلس بافتعال أزمة الكهرباء الأخيرة التي مرت بها البلاد، موضحاً أن "الاستهلاك اليومي المستحق لمحطات الكهرباء من الديزل الذي تنتجه شركة البريقة والغاز من شركة سرت، قد خُفّض لأن صنع الله يسيطر على كل شيء هناك". وأضاف "قمنا بالاتصال في حدود معينة مع الشركتين، لكننا في بنغازي نمثل جسماً للمؤسسة من دون صلاحيات نافذة".
وأشار إلى أن "الاتصالات مع الشركات التابعة للمؤسسة بسيطة جداً وتأتي الاجتماعات معها على سبيل المجاملة".
ظهور ملامح التقسيم
في السياق، نفى صنع الله أن تكون المؤسسة مسؤولة عن أي أزمات عاشها المواطن، في الوقت الذي وضعت القيادة العامة للجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر الشروط من أجل إنهاء الإقفال، وهي وضع آلية شفافة وبضمانات دولية من أجل عدم الإنفاق على الميليشيات الإرهابية من أموال النفط، وضرورة مراجعة حسابات مصرف ليبيا المركزي في طرابلس، إضافة إلى فتح حساب محايد في إحدى الدول لعائدات النفط مع آلية واضحة للتوزيع العادل.
يرفض الحراك الوطني التسمية التي يطلقها صنع الله على مؤسسة النفط في بنغازي، "المؤسسة الموازية". وقال معيوف إنه "لا يوجد أي اتصال بين المؤسسة في بنغازي ومصرف ليبيا المركزي في طرابلس"، مشيراً إلى أن "ميزانية المؤسسة تتبع للحكومة المؤقتة والمصرف المركزي في البيضاء".
ملامح التقسيم التي توقّع حدوثها معيوف ظهرت، وفق ما يشير الصحافي السياسي الليبي عبد الحميد الضراط، قائلاً إن "مؤسسة النفط سيادية، وإذا تم التعامل معها بهذه الطريقة، واحدة في الشرق والأخرى في الغرب، فهي بداية التقسيم".
ويعتبر الضراط أن "المؤسسة في بنغازي ليست لها قيمة، وفي ما نراه على أرض الواقع من تحكم بعض الأطراف السياسية في مؤسسة طرابلس، وللأسف، المجتمع الدولي لا يعترف إلا بها". ويرى أن "اتفاق جنيف الأخير 5+5 كان عسكرياً بامتياز، وليس له تأثير في دمج المؤسستين في المستقبل".
مع هذا، ينتظر المواطن تحقيق أمنية التوزيع العادل للثروة، التي وُضعت لها خطة مستقبلية بحسب التعداد السكاني للأقاليم الثلاثة، وطُرحت على الأطراف الليبية والمجتمع الدولي، وتقضي بحصول إقليم طرابلس على 50 في المئة من عائدات النفط، بينما يحصل إقليم برقة على 38 وإقليم فزان على 12 في المئة، وفق ما أوضح سابقاً عيسى العريبي، رئيس لجنة الطاقة في مجلس النواب في طبرق.