من الأنف إلى سائر الحواس والأعضاء، تدخل الرائحة إلى كيان الإنسان، فتحرك عواطفه وتسيطر أحياناً على مزاجه، كثيرة هي التي تشعل حنيناً، أو تذّكر بموقف، حتى أن الأمكنة لها روائحها الخاصة، فلبيوت الأجداد رائحة، لمكان العمل، للمسرح، للأسواق القديمة والجديدة، وللأطعمة والفصول أيضاً.
وترتبط الرائحة بالذاكرة بشكل كبير، وتشكل جزءاً منها، فالبعض تقبع في ذاكرته روائح الخبز الطازج، الحطب، البخور، الأزهار، الأشجار، والحيوانات إذا كان من سكان القرى، بينما تعلق في ذاكرة سكان المدن تلك الصادرة عن حركة السيارات من الإطارات والزيوت.
وتؤثر الروائح في سلوك البشر كما الأصوات والضوء، وتشير دراسة أجريت في جامعة فريبورغ (سويسرا) إلى أن استنشاق رائحة الورد أثناء الدرس أدت إلى تحسين ذاكرة الطلاب.
الزيوت العطرية كبدائل
تخبر مها مجذوب، إحدى المهتمات بالنباتات العطرية، أن شغف الطبيعة بدأ معها منذ أيام الطفولة حيث تقضي الصيف في القرية، وتلفتها النباتات ذات الروائح القوية مثل الصعتر، الأزهار، لا سيما زهر الليمون الذي يملأ طرابلس (شمال لبنان) أيام الربيع، وكانت أي مواد دراسية تتناول الأعشاب في شكلها مفضلة لديها في المدرسة وفي الجامعة. ثم تعرفت عليها من منظور طبي عند دراسة الصيدلة التي تركز على الأدوية الكيماوية ونبذة عن العلاجات القديمة وطريقة استخدام النباتات في تصنيعها، وكانت مها تحاول دوماً التعمق بها أكثر.
عندما أصبحت لديها صيدلية كانت تميل إلى المستحضرات الطبيعية، وتحاول إيجاد بدائل بها عن الأدوية الكيماوية ذات الآثار الجانبية، "فدخلت أكثر في موضوع الزيوت العطرية بطريقة علمية لإفادة الناس، وتابعت دورات عدة حتى حصلت على شهادة من فرنسا وأخرى من أميركا، وأعمل على تحصيل واحدة كندية، لأن لكل مدرسة خصائص مختلفة، وأردت معرفة كل الآراء والمدارس".
تستخدم مها الزيوت الآن كبائل لبعض العقاقير والمنتجات الكيماوية، من العطور ومعجون الأسنان ومستحضرات العناية بالبشرة، في عودة إلى الطبيعة حتى أنه أصبحت لديها علامة تجارية خاصة علماً أنها شغف وليست تجارة كما تقول.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
استخدام الزيوت العطرية
الزيوت العطرية ليست زيوتاً دهنية، وفي حالتها الصافية هي مواد طيارة بسرعة، تتبخر عن الثياب والبشرة وتمتصها بسرعة، لذا فإن استخدامها الصحي يكون إما تنشقاً أو ضمن مواد وزيوت أخرى توضع على الجلد بحسب مها التي تشير إلى أن البعض يعتقد أن الرائحة الجميلة للزيوت هي التي تريحنا، لكن الواقع أنها تحتوي على مواد فعالة تصل إلى الدماغ وتنتشر في الدم ويستفيد منها أيضاً الجهاز التنفسي، فهي أكثر من أن تكون مجرد رائحة تعمل خارجياً.
وتقول إن أكثر الزيوت العطرية يصعب استخدامها بشكل صاف لأنها قوية ومركزة، فنحن نحتاج حوالى 10 كيلوغرامات من الخزامى (اللافندر) حتى ننتج بين ست و10 ميليلترات من الزيت. ولا يمكن دهن الجسم مباشرة بها، إذ يجب تخفيفها لأنها قد تحرق البشرة، مثل النعناع والزعتر والقرفة، ويجب أن يخلط مع زيت نباتي مثل اللوز والمشمش والزيتون بنسب معينة وبحسب العمر والغرض من استخدامها.
من خصائصها أن للواحد منها استخدامات عدة، فزيت إكليل الجبل يحرك الدورة الدموية ما يجعل الدماغ يتغذى بالأوكسجين بطريقة أفضل، ويحسّن نمو الشعر إذا وضع على فروة الرأس، كما يحسن الذاكرة.
وزيت الخزامى يمكن استخدامه بحال حروق البشرة، وله مفعول مكافح للقلق.
الزيوت تتفاعل مع مناطقها
تتابع مها، "في آخر مؤتمر تابعته منذ شهر تقريباً، أشار أحد المحاضرين إلى أن فاعلية الزيوت الأساسية تتغير بحسب المنطقة والتلوث، وتكون نسبة إحدى المواد في زيت شجر الصنوبر مثلاً عالية في منطقة متلوثة لتساعد بشكل أكبر في تحسين التنفس لدى سكانها".
وتشير إلى أنه ليس من الضرورة أن نأتي بزيوت مستخرجة من أقاصي الأرض للاستفادة أكثر، وقد نكتفي بالزيوت التي ينتجها حوض المتوسط، كوننا ولدنا في هذه المنطقة، مثل الصنوبر، وتضيف أنه في بعض الحالات العلاجية قد نضطر لاستخدام زيوت أخرى مثل البخور من الصومال والقرفة من الصين.
الزيوت الأكثر شهرة
تعتبر مها أن أبرز الزيوت هي خمسة: الخزامى، والنعناع، والشاي الأخضر، والليمون، والبرتقال وهي سهلة وموجودة بوفرة، وتقول إنه إجمالاً لا توجد نبتة عطرية إلا وتنتج الزيوت مثل البابونج، والحبق، والصعتر، والورد الشامي، وغيرها.
وعن استخدامها تقول، "لكل ما يحدث لنا ونشعر أنه لا داعي للذهاب للطبيب، مثل وجع الرأس والبطن والرشح، وغيرها من الحالات"، وتعتبر أن الرشح مثلاً لا دواء له، وكل ما يفعله الدواء أنه يخفي العوارض ويسكن الوجع، لكن الزيوت تعالج العوارض وتسرّع عملية التعافي.
كما أن الورد الشامي ممتاز برأيها، ويستخدم للبشرة وتعديل المزاج والصحة النسائية، ولوجع الرأس يستخدم زيت النعناع، أما الحروق والرضوض فمفعول الزيوت أفضل لها، ومثلها القشرة وحساسية الجلد.
وتخبر عن زيت مشهور يستخرج من شجرة الـ "بوزويليا" في الصومال، وهو البخور وله قيمة علاجية كبيرة، ومثله خشب الصندل ذات خصائص في علاج الالتهابات والربو ونقص المناعة كما توجد دراسات حديثة تشير إلى أنه يجعل الخلايا السرطانية تقتل نفسها.
استخراج الزيوت
استخراج الزيوت العطرية يكون عادة عبر التقطير للاستفادة من تكوين كيماوياتها الطبيعية الكثيرة، وهناك طرق عدة لذلك كما تقول مها، والأكثر تداولاً الطريقة الكلاسيكية، إذ توضع الزهور أو النبات العطري في مصفاة يكون تحته بخار ماء، فيمر عبر النبات الذي يتبخر معه، ولا يذوب في الماء. ويمر هذا البخار محملاً بالزيوت العطرية عبر أنابيب مبرّدة يحوّلها إلى سائل، وتنزّل في وعاء واحد حيث الماء في القعر والزيوت العطرية الأخف وزناً تطفو على السطح وتجمع.
كما توجد طرق أخرى مثل العصر البارد تستخدم في الليمون والحامض مثلاً، والقشور، وتستخدم كعلاج لتخفيف حموضة المعدة، وبعض الزيوت تستخرج من خلال النقع بالزيت.
تتابع مها أننا نحتاج إلى كميات كبيرة لاستخراج الزيت العطري، فكل 100 كيلوغرام من بتلات الورد تعطينا حوالى 100 ميليلتر، لذا يكون باهظ الثمن، وهو بالطبع يختلف عن ماء الورد.
وتشير مها إلى أن المدرسة الفرنسية لا تمانع من استخدام الزيوت العطرية فموياً، أما الأميركية فترفض كلياً وتأتي المدرسة الكندية كحل وسط بينهما، أما هي فتفضل استخدام النبتة وليس زيتها في الطعام، والفكرة الشائعة مثلاً، وضع نقطة زيت النعناع في الشاي لإعطائه نكهة، لكنها في الحقيقة مؤذية وقد تؤدي إلى حرق العيون والفم بسبب تبخرها بسرعة، ومن الأفضل وضع نبتة النعناع، كما أن زيت الليمون في الحلوى يتطاير بسرعة لأنه طيّار، فيستخدم برش القشور لتعطي النكهة الكاملة.
وتشدد مها على أن مَن يتعاطى استخراج الزيوت يجب أن يكون معالجاً بالزيوت أو صيدلياً، وتعطي مثلاً أن زيت الليمون يجب أن يكون مستخرجاً من القشور العضوية دون مواد أخرى مضرة أثناء استخراجه، وتشير إلى خطر استخدام هذه الزيوت من دون إرشادات مختصة وواضحة بالنسبة للكمية وطريقة تناولها.
الزيوت العطرية للتجميل
من الناحية التجميلية، تؤكد مها أن للزيوت العطرية فوائد كثيرة، وتستخدم بنسبة قليلة مع أخرى أو مادة تحملها كالكريمات، فمع زيت الورد يمكن استخدام مثيله للأفوكادو وهو نباتي وليس عطرياً يخفف من حدته على البشرة، كما أنه مغذّ في آن.
وتعتبر أن من أكثر الزيوت التجميلية ذلك الذي للخزامى (اللافندر) فهو يشفي الجلد، والبخور الذي لديه خصائص مضادة للأكسدة، ومن شجرة الشاي الأخضر لبثور الجلد، وخشب الصندل لتوحيد لون البشرة، والليمون للبقع السود والكلف ويجب أن يستخدم ليلاً فقط، لأنه يعطي مفعولاً عكسياً مع الشمس، ويزيد مع ضوء النهار.