خسر المرشح الديمقراطي جو بايدن أصوات ولاية فلوريدا الـ 29 لمصلحة الرئيس دونالد ترمب، مما يجعل الأمر واحدة من مفاجآت الانتخابات الأميركية، إذ نجح ترمب جزئياً بفضل الدعم الواسع من الأميركيين الكوبيين وغيرهم من الناخبين اللاتينيين، وفق ما تشير وسائل الإعلام الأميركية.
وكان بايدن يراهن على أصوات اللاتينيين بالنظر إلى سياسات ترمب الصارمة حيال قضية الهجرة، وتصويره من الإعلام باعتباره عنصرياً. وفي استطلاعات الرأي قبل الانتخابات، كان المرشح الديمقراطي يتفوق بفارق ضئيل على الرئيس الجمهوري في فلوريدا.
لكن الكتل التصويتية اللاتينية تحوّلت إلى ترمب بأعداد أعلى من المتوقع، خصوصاً مقاطعة ميامي ديد، حيث فازت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون بفارق 30 نقطة في 2016. وهذا العام، حصل الرئيس على ما يقرب من 46 في المئة من الأصوات في مقاطعة ذات غالبية لاتينية، بزيادة قدرها 13 نقطة مئوية منذ الانتخابات الأخيرة.
فزاعة الاشتراكية
وبحسب مجلة فورين بوليسي الأميركية، فإن جزءاً من جاذبية ترمب بين أكثر من مليوني ناخب من أصل إسباني في المقاطعة هو موقفه المتشدد من الأنظمة الاشتراكية في أميركا اللاتينية. وحذر فريق الرئيس الأميركي مراراً خلال حملته الانتخابية، أن بايدن "سيعزز السياسات الاشتراكية الراديكالية" في واشنطن إذا انتُخب، وهو التصور الذي دعمه جناح اليسار الراديكالي في الحزب الديمقراطي بزعامة السيناتور بيرني ساندرز، الذي روّج خلال حملته في الانتخابات التمهيدية لسياسات اشتراكية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأظهرت بيانات مبكرة بعد التصويت أن ترمب الذي طالما فضّلته المجتمعات اللاتينية التي هربت من مثل هذه الأنظمة، بما في ذلك الكوبيون والفنزويليون والنيكاراغويون، حقق نجاحات بين الجماعات ذات الميول الديمقراطية هذا العام.
وبحسب المجلة الأميركية، فإنه حتى الكوبيين الأميركيين الشباب، الذين كان يأمل الحزب الديمقراطي في أن ينحرفوا نحو اليسار، خرجوا بأعداد أكبر للتصويت للرئيس. وفي حين قال 21 في المئة فقط من الأميركيين الكوبيين تحت سن الـ 40 إنهم يعتزمون التصويت لمصلحة ترمب عام 2016 في ميامي ديد، أشار نحو 55 في المئة إلى أنهم سيصوتون له هذا العام.
وقبل الانتخابات زار بعض أعضاء فريق الأمن القومي الأعلى لترمب الولايات المتأرجحة الرئيسة، بما في ذلك فلوريدا، وهي اللقاءات التي قال عنها المشرعون الديمقراطيون وغيرهم من منتقدي ترمب إنها "محطات سياسية مبطنة تهدف إلى دعم حملة إعادة انتخابه".
وأثارت زيارة وزير الخارجية مايك بومبيو أميركا اللاتينية في الأسابيع التي سبقت الانتخابات انتقادات بعض المشرّعين والدبلوماسيين، الذين اتهموه باستخدام الرحلة كـ "تجمع انتخابي لمناشدة اللاتينيين في فلوريدا".
هل أخفق بايدن في مغازلة اللاتينيين؟
وفي محاولة أخيرة للفوز بالولاية، أرسل بايدن الرئيس السابق باراك أوباما لمخاطبة الناخبين في ميامي ليل الإثنين. واستغل الأخير، الذي فاز بنحو 58 في المئة من الأصوات في ميامي ديد عام 2008 و62 في المئة عام 2012، خطابه الأخير كفرصة لجذب المجتمع اللاتيني.
وخاطب أوباما مخاوف اللاتينيين من الأيديولوجيا التي فروا منها في بلدانهم، مكذباً الادعاءات بأن بايدن اشتراكي. وقال، "هنا في جنوب فلوريدا، ترى هذه الإعلانات التي تقول إن جو يتسكع مع الشيوعيين، يتسكع مع الاشتراكيين". وأضاف، "تعتقدون أنه كان يتناول القهوة مع الرئيس الكوبي الراحل فيدل كاسترو كل صباح؟ لا تنخدعوا بذلك، لقد شغل قبلا منصب نائب الرئيس. أعتقد أننا سنعرف ما إذا كان اشتراكياً سرياً الآن".
وفي تقرير بعنوان "هل يمكن لبايدن استعادة الأرض المفقودة مع اللاتينيين؟"، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن "العديد من الولايات المتأرجحة التي كانت على الحافة يوم الانتخابات مثل فلوريدا وتكساس وأريزونا وحتى بنسلفانيا، لديها عدد كبير من السكان اللاتينيين، وإذا خسرها بايدن ناهيك عن الانتخابات، فمن المؤكد أن تقويم الحزب الديمقراطي سيتضمن السؤال: هل فعل بايدن القليل جداً لمغازلة الناخبين اللاتينيين، وارتكب خطأ استراتيجياً يمكن أن يكون نسخة 2020 من هيلاري كلينتون التي كانت تعتبر الفوز بولاية ويسكونسن أمراً مفروغاً منه في عام 2016؟".
وكان الكاتب كريستيان باز من صحيفة "ذا أتلانتيك" توقع حدوث تحسّن لمصلحة ترمب بين اللاتينيين، بسبب خططه في ما يتعلق بالفرص الاقتصادية والقيم الاجتماعية التقليدية و"المعتقدات الراسخة حول الفردية". وكتب باز أنه "لا ينبغي أن يتفاجأ الديمقراطيون إذا كرر الرئيس أو حسّن من نتائج عام 2016 بين اللاتينيين، أو إذا كانت أصواتهم تساعده في الفوز بولايات متأرجحة". مضيفاً "الجمهوريون اللاتينيون موجودون دائماً، وقد خصصت حملة ترمب موارد كبيرة لكسب مزيد من المجتمع الإسباني في هذه الدورة الانتخابية".
ترمب في عيون الأقليات
وبحسب أستاذ علم الاجتماع بجامعة كولومبيا موسى الغربي، فإن ترمب حقق في استطلاعات الرأي نسبة أعلى بنحو 10 نقاط مئوية بين الأميركيين من أصل أفريقي، مما كان عليه في عام 2016، و14 نقطة مئوية أعلى بين ذوي الأصول الإسبانية. وفي حين ربما تكون التصورات الإعلامية بأن الرئيس الأميركي عنصري هي القوة الدافعة الأساسية التي تحرك البيض نحو الديمقراطيين، فإن نمطاً معاكساً يبدو سائداً بين ناخبي الأقليات، أي الأشخاص الذين يُزعم أن الرئيس عنصري ضدهم.
ويرى الغربي أن ذلك ربما يعود إلى أن كثيراً من ناخبي الأقليات لا يرون ببساطة بعض تعليقاته وسياساته المثيرة للجدل "عنصرية". ويضيف، "في كثير من الأحيان يحاول العلماء اختبار ما إذا كان هناك شيء ما عنصري من خلال التركيز فقط على آراء البيض، بينما في كثير من الأحيان لا يكلفون أنفسهم عناء اختبار انطباع الأقليات".
ويشير أستاذ علم الاجتماع إلى شق آخر يتعلق بتوجهات الأقليات غير المتجانسة، قائلاً إن "العامل الرئيس الآخر لفهم دعم هؤلاء لترمب هو أنهم غالباً ما يكرهون مجموعات الأقليات الأخرى". نتيجة لذلك، حتى لو فهمنا أن كثيراً من سياسات وخطابات ترمب عنصرية، فيمكن للأقليات دعمه على وجه التحديد، لأن خطاباته أو سياساته يبدو أنها تستهدف الآخرين، الذين "لا يحبونهم أيضاً". وبحسب الغربي، فإن المشاعر المعادية للسود شائعة بين كثير من المجتمعات العربية والآسيوية في الولايات المتحدة.