ما عاد كثير من اليمنيين يتذكرون مشاركتهم في آخر انتخابات نيابية، إذ يُعد برلمان بلادهم الذي دخل عمره الـ(16) عاماً هو الأطول سناً العالم، ومنذ 2003 بقي البرلمان كما هو منذ ذلك الحين.
وكانت آخر تشكيلة ضمت (238) من أصل (301) مقعداً لحزب المؤتمر الشعبي العام الذي كان يرأسه الرئيس الراحل "علي عبدالله صالح"، سُميت حينها "الأغلبية المريحة"، فيما فيما حصد حزب التجمع المني للإصلاح (اسلامي موال للشرعية) على 48 مقعداً، فيما توزعت الأحزاب الأخرى بقية المقاعد البالغة 17 مقعداً.
اليوم، تخوض الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً صراعاً مع مليشيا الحوثي من أجل إضفاء مزيد من الشرعية على كل طرف، إذ ما يزال بعض أعضاء البرلمان في العاصمة صنعاء (تخضع للحوثيين) بعضهم ساند الحوثي والآخر وهم الأكثرية يتبعون جناح الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، وتسعى المليشيا من خلالهم إلى تحسين صورتها لدى الخارج، رغم أنها لم تُعرْ دعوات القوى السياسية في الداخل لها بالتحول من مجرد مليشيا مسلحة إلى تنظيم سياسي يمارس حقه في الحياة السياسية كبقية الأحزاب والتنظيمات السياسية وفقاً للقانون المعمول به.
ومنذ عام 2003، بقي مجلس النواب اليمني (الغرفة الأولى للبرلمان) يخضع لما يمكن تسميته "تمديدات اضطرارية"، نتيجة الأوضاع غير المستقرة التي تعصف بالبلاد، لكنه مع ذلك لم يقدم أي شيء يذكر طيلة الفترة الماضية.
عامان لأجل الحوار
كان من المقرر أن تنتهي الفترة القانونية للبرلمان في الـ 27 ابريل (نيسان) 2009، لكنه تأجل وتم تمديده لعامين إضافيين بناءً على اتفاق أُبرم، في فبراير (شباط) 2009 بين الحزب الحاكم آنذاك "المؤتمر الشعبي العام" وبين تكتل أحزاب المعارضة، أو اللقاء المشترك (يضم 6 أحزاب إسلامية ويسارية وقومية) قيل حينها إنه من أجل "إتاحة الفرصة أمام مساعي الحوار حول الاصلاحات الانتخابية ومشروع التعديلات الدستورية"، على أن تُجرى الانتخابات النيابية المقبلة في ابريل (نيسان) 2011.
عامان بسبب "الربيع"
في الـ11 من شباط (فبراير)2011 اندلعت في اليمن ثورة الشباب السلمية ضمن موجات الربيع العربي، مطالبة برحيل نظام الرئيس علي عبدالله صالح عن الحكم، وفي 23 نوفمبر (تشرين ثان) 2011 وقّعت الأطراف السياسية اليمنية في العاصمة السعودية الرياض، على المبادرة الخليجية التي بموجبها تنحّى "صالح" عن السلطة، وبموجب الاتفاقية مُنح البرلمان عمراً جديداً، سنتين أُخرييْن تمتد إلى 2013، لكنه ما يزال منذ ذلك الحين على قيد الحياة.
وجاء الانقلاب
نفذ المسلحون الحوثيون انقلاباً على السلطة في 21 أيلول (سبتمبر) 2014، وعلى الرغم من ذلك، سارعت حكومة "خالد بحاح" إلى الحصول على ثقة البرلمان، بعد تعهدها بإنجاز مجموعة من توصياته في مقدمتها سرعة إنجاز الدستور، وإجراء انتخابات رئاسية، والعمل على رفع العقوبات الدولية.
وقال "بحاح" إن مجلس النواب منح الثقة للحكومة بسبب "الظروف الاستثنائية التي يمر بها اليمن"، في إشارة إلى انقلاب الحوثيين وسيطرتهم على مؤسسات الدولة.
ويستقوي طرفا الحرب في اليمن، الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، والمسلحون الحوثيون، بالبرلمان الذي ما يزال أعضاؤه يحصلون على الامتيازات الخاصة بالبرلمانيين، على الرغم من انتهاء فترة صلاحيته أكثر من مرة.
وكأي مؤسسة حكومية، تعذر انعقاد الجلسات بعد مغادرة غالبية أعضاء البرلمان البلاد خشية بطش الحوثيين، فيما بقي نحو 30 نائباً ممن ناصروا الجماعة المسلحة، وآخرون من بقايا جناح "صالح" في حزب المؤتمر الشعبي العام، يحضرون جلسات "ديكورية" في صنعاء تحت ضغط من الحوثيين، وفق تصريحات وزير الدولة لشؤون مجلسي النواب والشورى "محمد الحميري".
وينبغي التذكير هنا، أن رئيس مجلس النواب "يحيى الراعي" ما يزال يدين بالولاء للحوثيين في صنعاء، ويدير جلسات "صُورية" للمجلس، على الرغم من ضآلة عدد النواب تحت القبة.
احتدام الصراع
بلغ الصراع ذروته حينما أعلنت اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء في صنعاء (خاضعة لمليشيا الحوثي) فتح باب الترشح لملء المقاعد البرلمانية "الشاغرة"، وبلغت الإحصائية الأولية لطلبات المرشحين في الدوائر الشاغرة (114) مرشحاً في موزعين على نحو (25) دائرة انتخابية في مناطق سيطرة المليشيا المسلحة (أمانة العاصمة، ذمار، حجة، صعدة)، إضافة إلى بضع دوائر انتخابية تقع ضمن الأجزاء التي تسيطر عليها المليشيات الحوثية في تعز والبيضاء (وسط)، والجوف شرق البلاد.
وكردة فعل من جانب الحكومة اليمنية على خطوة الحوثيين، قالت اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء، إن "ما تتداوله بعض وسائل الإعلام عن انعقاد لجنة انتخابات في صنعاء لإجراء انتخابات ملء المقاعد الشاغرة لمجلس النواب لا يعبر عن اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء بتشكيلها الدستوري، ولا عن قناعاتها المهنية".
وأكدت اللجنة، وفق ما أوردته وكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، في بيان، أنها لا تعترف بانعقاد تلك اللجنة في صنعاء، لعدم توفر الأحوال والشروط الدستورية المنصوص عليها في المادة (78)، ولمخالفتها لنصوص المواد (19، 109، 137، 144) من قانون الانتخابات، ولهذا تعتبر تلك الإجراءات "مدانة لصدورها من غير ذي صفة، ولمصادمتها مبادئ الدستور وأحكام القانون"، وتذهب باليمن إلى مسار شطري يخدم أعداءه ويطيل معاناة اليمنيين.
ومن وجهة نظر "عبدالله صبري"، وهو كاتب وباحث سياسي ذو ميول لجماعة الحوثي "فإن خطوة الاعلان عن انتخابات لسد الشواغر في مجلس النواب تأتي في إطار صراع الأطراف اليمنية على الشرعية الدستورية والقانونية التي يوفرها المجلس، والخطوة في حد ذاتها تعيد الاعتبار للمجلس، الذي قيّدت المبادرة لخليجية سلطته بشرط التوافق".
ويقول "صبري" لـ"اندبندنت عربية": "من ناحية الشكل، فهذه الخطوة تحسب لصالح طرف صنعاء (يقصد الحوثيين)، خصوصاً بعد فشل طرف الرئيس عبدربه منصور هادي والمتحالفين معه في عقد جلسة، ولو واحدة للمجلس، رغم المغريات المعروضة على الأعضاء". حد قوله
مساعٍ حكومية لإنعقاده في "عدن"
وتحثُّ الحكومة الشرعية في اليمن الخطى نحو انعقاد البرلمان في مدينة عدن جنوب البلاد، وتُعد هذه واحدة من مصفوفة اجراءات تسحب البساط من تحت أقدام الحوثيين الذي يسيطرون على عاصمة البلاد "صنعاء"، سبقها تسمية "عدن" عاصمة مؤقتة للبلاد، ونقل مقر البنك المركزي اليمني والوزارات وبعض مقار السفارات الأجنبية إليها.
وفي هذا السياق، أكد نائب رئيس مجلس النواب اليمني، محمد الشدادي، "قرب موعد استئناف انعقاد جلسات مجلس النواب في العاصمة المؤقتة عدن خاصة بعد اكتمال النصاب القانوني لأعضاء المجلس المؤيدين للشرعية".
وطالب "الشدادي" في تصريحات سابقة بما أسماه "إدانة وتعرية سلوك ميليشيات الحوثي الانقلابية التي انقلبت على مؤسسات الوطن الدستورية والشرعية وانتهاكها لحقوق الانسان وتجاوزها تجاه ممثلي الشعب من أعضاء مجلس النواب المفروض عليهم اقامة جبرية والذين لم يتمكنوا من الخروج من صنعاء".
والاثنين الماضي، تحدثت بعض المصادر عن توافق أولي بين الأحزاب المنضوية تحت لواء الشرعية حول تسمية رئيس وأعضاء المجلس، لكن ليست هناك تأكيدات رسمية بشأن ذلك.
"اندبندنت عربية" طرحت السؤال على وزير الدولة لشؤون مجلسي النواب والشورى، وبدروه أكد أنه "لا علم له بأي اتفاق حول هيئة رئاسة جديدة، ولَم يُبلغ بذلك"، لذا –حسب رأيه- "فأي تصريح من هذا القبيل (تأكيد أو نفياّ) سيكون غير دقيق".
وأضاف: "عندما تتضح الرؤية من قبلنا، ويتحدد يوم الانعقاد، وإن شاء الله يكون قريب جد، سيكون لنا حديث مستفيض".
وتتفق تصريحات "الشدادي" مع الوزير "الحميري"، حول اللجوء إلى مفردة "قريباً"، ما يوحي أن القوى السياسية المساندة للشرعية لم تتفق بعد على تسمية رئيس وأعضاء الرئاسة الجديدة للبرلمان، وأن الملف ما يزال في طور التشاور.
وتعليقاً على هذا قال "صبري" إنه "ما كان ينبغي لأي طرف ثوري أن يسمح باستمرار دور المجلس الذي جرى التمديد له خارج الدستور منذ 2009، وهو ذو أغلبية مؤتمرية لكنها باتت منقسمة على نفسها، ما يجعل سلطة المجلس مستقبلاً رهن التوافقات السياسية".
ويدور حديث في الأوساط اليمنية حول نقطتين أساسيتين تحولان دون انعقاد المجلس، أولهما أن الرئاسة والحكومة لم يتوصلا مع الأحزاب السياسية إلى صيغة مقبولة بشأن هيئة رئاسة المجلس، وثانيهما أن الانعقاد يحتاج إلى تأمين في العاصمة المؤقتة عدن، المدينة التي تتواجد بها تشكيلات عسكرية خارج مؤسسة الجيش كالحراك الجنوبي المسلح أو ما يسمى بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، والأخير يطلق بين حين وآخر تهديدات بمنع انعقاد مجلس النواب على أرض عدن.