أبدى الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن نيته "تغيير المسار" الذي اعتمدته إدارة سلفه دونالد ترمب حيال إيران، لكن الهامش المتاح لتحقيق خرق دبلوماسي سيكون ضيقاً ومحكوماً بعوامل وعقبات مختلفة.
وعلى عكس ما جرى قبل أربعة أعوام، غاب الملف الإيراني إلى حد كبير عن الحملة الانتخابية الأخيرة في الولايات المتحدة. وبينما كان الموقف المتشدد لترمب حيال طهران واضحاً خلال ولايته، لا تزال التصريحات التي أدلى بها بايدن في هذا الشأن قليلة ومبهمة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتمد الرئيس المنتهية ولايته سياسة حيال إيران قامت بالدرجة الأولى على العقوبات الاقتصادية، ما أسهم في تعميق غياب الثقة من طهران تجاه "الشيطان الأكبر" الأميركي، بحسب وصفها المعتاد.
الانسحاب الآحادي
وشهدت علاقات البلدين، المقطوعة منذ نحو أربعين عاماً، زيادة في منسوب التوتر منذ تولي ترمب مهامه عام 2017، لا سيما مطلع العام الحالي بعد اغتيال اللواء الإيراني قاسم سليماني بضربة جوية أميركية في بغداد.
وكانت نقطة التحول الأساسية في علاقة الولايات المتحدة بإيران في عهد ترمب، قرار الأخير في عام 2018 الانسحاب بشكل أحادي من الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، الذي أُبرم بين طهران والقوى الكبرى عام 2015. وأعاد الرئيس الأميركي فرض عقوبات قاسية على طهران ضمن سياسة "ضغوط قصوى" اتبعها حيالها، وكانت لها انعكاسات سلبية على الاقتصاد الإيراني، وسعر صرف العملة المحلية. واعتبر ترمب أن الاتفاق الذي أبرم في عهد سلفه باراك أوباما، لم يكن كافياً، وسعى إلى الضغط على إيران من أجل التوصل إلى "اتفاق أفضل" من وجهة نظره. ورفضت إيران أي تفاوض جديد، مؤكدة المضي في "مقاومة" العقوبات والضغوط.
"طريقة أذكى"
وتحدث بايدن الذي كان يشغل منصب نائب الرئيس باراك أوباما لدى إبرام الاتفاق النووي قبل خمسة أعوام، عن ضرورة اتباع "طريقة أذكى" في التعامل، وذلك في مقالة رأي نشرها في سبتمبر (أيلول) الماضي.
وكتب "نحتاج إلى تغيير المسار بشكل عاجل"، معتبراً أن سياسة سلفه انتهت بـ"فشل خطير"، وجعلت إيران من وجهة نظره "أقرب" لامتلاك سلاح نووي.
وقام اتفاق فيينا 2015 على التوازن بشكل أساسي بين خفض إيران أنشطتها النووية، مقابل رفع جزء كبير من العقوبات المفروضة عليها.
وسعت الدول الست الكبرى (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين) إلى أن تضمن من خلال الاتفاق، عدم تطوير طهران للسلاح النووي، علماً بأن إيران أكدت مراراً على مدى الأعوام، أنها لا تريد ولا تسعى للحصول على سلاح كهذا.
زيادة تخصيب اليورانيوم
وبعد نحو عام من الانسحاب الأميركي، تراجعت طهران عن الالتزام ببعض بنود الاتفاق. وبحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، زادت إيران من تخصيب اليورانيوم، لكن من دون بلوغ مستوى يتيح استخدامه لغايات عسكرية. وأكد بايدن في مقالته عزمه الاقتراح على طهران خوض "مسار موثوق به للعودة إلى الدبلوماسية".
لكن الرئيس المنتخب شدّد على أنه سيكون "صارماً" مع إيران، وربط أي عودة محتملة إلى الاتفاق النووي، بعودة طهران لكامل التزاماتها.
إيران تطالب بتعويضات
من جهتها، أبدت إيران استعدادها للترحيب بعودة الولايات المتحدة، لكنها شددت على ضرورة اقتران ذلك بتعويض أميركي عما تكبدته منذ 2018 جراء إخلال واشنطن بالاتفاق.
واعتبر الرئيس الإيراني حسن روحاني الأحد أن فوز بايدن يمنح "فرصة" للولايات المتحدة لتعويض "أخطائها".
ووصف روحاني في بيان، مقاربة الولايات المتحدة في الأعوام الماضية بـ "المؤذية والخاطئة"، مضيفاً "الآن ثمة فرصة للإدارة الأميركية المقبلة للتعويض عن أخطائها السابقة، والعودة إلى مسار احترام الالتزامات الدولية".
لكن الوقت سيكون داهماً، إذ إن خمسة أشهر فقط ستفصل بين تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) المقبل حين يتولى الرئيس الأميركي مهامه رسمياً، و18 يونيو (حزيران) المقبل، موعد الانتخابات الرئاسية في إيران.
وانتخب روحاني رئيساً في عام 2013، وشهد عهده استئناف المفاوضات بين إيران والقوى الكبرى بعد جمود لنحو ثمانية أعوام. ولن يكون في مقدور الرئيس الحالي الترشح لولاية ثالثة.
وفي انتخابات لمجلس الشورى أقيمت في فبراير (شباط) الماضي، حقق المحافظون، المعارضون بغالبيتهم للاتفاق النووي، فوزاً كبيراً قد ينعكس على توجهات الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وترى إيللي جيرانمايه من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن على الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق، الشروع من دون تأخير في "تكثيف الحوار" مع الدول الثلاث الأخرى الكبرى (أميركا وروسيا والصين) الموقّعة، "بهدف التوصل إلى عناصر مشتركة تتيح عودة الولايات المتحدة".
لكن الباحثة المتخصصة في الشأن الإيراني، تعتبر أن "الحفاظ على الاتفاق النووي حتى تولي بايدن مهامه"، سيجعل الجهود الأوروبية متأثرة بالسياسة الداخلية في كل من طهران وواشنطن.
وتشير جيرانمايه إلى أنه من غير الواضح بعد "ما إذا كان بايدن ينوي رفع العقوبات غير المرتبطة بالملف النووي، والتي فرضتها إدارة ترمب عمداً لتعقيد عودة (واشنطن) للاتفاق".