لا يصعب تخمين رد فعل منتقدي صدور تقرير قبل أيام يفيد بأن حظراً للسيارات والشاحنات التي تعمل بالبنزين والديزل وتلك الهجينة بحلول عام 2030 سيولّد 32 ألف وظيفة تمس الحاجة إليها ويضيف 4.2 مليار جنيه إسترليني (5.51 مليار دولار) تمس الحاجة إليها أيضاً إلى الناتج المحلي الإجمالي.
فنحن سنسمع "حسناً يمكنهم قول ذلك" أو كلاماً من هذا القبيل.
والكلام كهذا عبارة عن حيلة رخيصة وسهلة وواضحة من قبل من على أعينهم ما يكفي من الغشاوة لئلا يشاركوا في استنتاجات التقرير التي سأشاركها.
فلننظر أولاً إلى بعض الخلفيات: سيأتي حظر ما بطريقة أو بأخرى. فلدى الحكومة التزامات ملزمة على صعيد الانبعاثات عليها تلبيتها وهي تقتضي حالياً وقف استخدام المحركات العاملة على البنزين عام 2040 (وهو وقف سينطبق أيضاً على الشاحنات).
لكن في وقت سابق من هذا العام، صدرت مشورة تحض على تقريب الموعد إلى عام 2035 على الأقل أو حتى أقرب ربما. فقد كلفت "غرينبيس" "كامبريدج للاقتصاد القياسي"، وهي مؤسسة للاستشارات الإدارية تفتخر بأن واضع السياسات السابق في بنك إنجلترا أندرو سنتنس يعمل مستشاراً فيها، للنظر في ما قد يحدث في حال اختيار "موعداً أقرب حتى". والموعد هو تحديداً عام 2030، واستخدمت المؤسسة أدوات للنمذجة كتلك المعتمدة من قبل وزارة النقل.
وقارنت المشورة بين العامين لأن عام 2035 قد يبدو الخيار الأكثر ترجيحاً في ضوء المعطيات الحالية.
وستحصل منافع اقتصادية واضحة من تقريب موعد الحظر خمسة أعوام من عام 2040 المحدد حالياً. إن الفكرة التي تعتبر التحول إلى الأنشطة الخضراء والحيلولة دون موت الكوكب أمام أعيننا ممارستين مدمرتين اقتصادياً لطالما كانت خطأ.
لكن التقرير يجادل بأن التعزيز الاقتصادي سيكون أكبر في حال حددت الحكومة موعداً نهائياً أقرب، وهو لا يركز حتى على الإيجابيات التي قد تترتب على تنظيف الهواء الملوث الذي تعاني منه المدن البريطانية من خلال خفض الانبعاثات. وهذا يستحق الذكر لأن خفض الانبعاثات يعني تراجع المشاكل التنفسية التي ترهق هيئة الخدمات الصحية الوطنية، وجودة حياة أعلى للملايين من الناس.
فمن أين تأتي المنافع الاقتصادية البحتة إذاً؟ سيترتب كثير منها على الحاجة إلى إنشاء بنية تحتية جديدة بسرعة. وتشمل، مثلاً، نقاطاً لشحن المركبات الكهربائية في منازل الناس أو على الشوارع حيث لا تتوفر مواقف بعيدة عن الشوارع.
وسيعزز خفض الإنفاق على الوقود المستورد وضريبة الوقود في هذه الأثناء مدخرات الناس التي ستُضَخ في الاقتصاد الاستهلاكي. ويشمل ذلك، مثلاً، قطاع الضيافة المتأزم.
ويجادل التقرير بأن المكسب الصافي من ضريبة الدخل المترتب على الوظائف الجديدة سيعوض وأكثر الخسائر الناجمة عن ضريبة الوقود التي ستوقف الحكومة العمل بها في كل الأحوال بحلول عام 2040 (كما هو مقرر حالياً) أو عام 2035 (ربما).
ويؤيد التقرير احتمال تعزيز الصناعة المحلية للمركبات، وهذا أمر تبدو رؤيته أقل سهولة في نظري. فبريكسيت تعني أن جزءاً مهماً من القطاع قد يختفي بحلول عام 2030 أو 2035. لكن ربما سيثبت أنني مخطئ في هذا الشأن، وذلك سيكون أمراً إيجابياً.
حتماً، ستقتضي خطوة كهذه الاستثمار أكثر في البنية التحتية الجديدة وتجديد مهارات العاملين الذين سيتأثرون بتحول جذري كهذا (لكي يتمكنوا من الاستفادة من الفرص المحتملة التي سيقدمها التحول).
لكن ذلك لا بأس به ولو عنى اللجوء إلى الاقتراض. فالاقتراض من أجل الاستثمار أمر جيد لأنه يولد عوائد. وهو أمر كثيراً ما تفعله أذكى البلدان وأذكى الشركات. وسيكون من المفرح لو قررت بريطانيا أن تنضم إلى صفوف هؤلاء هذه المرة.
ويمكن أن يحصل ذلك لو تجاهلت الحكومة المنتقدين، واهتمت أقل بالمنظمة التي كلفت بالتقرير وأكثر بأعماله (لا سيما استخدامه لنمذجتها) واستنتاجاته.
وقد يكون الوقت مناسباً جداً لأداء الحكومة دوراً مخالفاً لدورها المعتاد بأن تختار سياسة صلبة وإيجابية وتقدمية لكنها مفيدة جداً اقتصادياً في الوقت نفسه.
© The Independent