تحتفل منظمة حلف شمال الأطلسي، وهي أنشئت مع بدء الحرب الباردة، يوم الخميس بذكراها السبعين. وعلى الرغم من أن روسيا، بعد محاولة التهدئة، عادت لتكون الخصم مجدداً في عهد فلاديمير بوتين، إلا أن الحلف يواجه أيضاً هجمات متواصلة من جهة غير متوقعة، الرئيس الأميركي.
كان الاحتفال بذكرى إبصار الناتو النور ليكون مناسبة فخمة لو جاء في وقت آخر. لكنه سيكون احتفالاً خافتاً هذا العام عندما يجتمع وزراء الناتو في واشنطن حيث الجميع يدرك تمام الإدراك أن الرئيس الأميركي ينتقدهم دورياً بينما قلما يوجه انتقادات إلى روسيا ولا ينتقد بوتين على الإطلاق، حتى اعتاد الزعماء الغربيون على هذا الوضع.
ففي قمة الناتو في بروكسل في يوليو (تموز) الماضي، وجه ترمب إهانات إلى الدول الأعضاء، وقدم ادعاءات كاذبة حول إجبارهم لهم شخصياً على زيادة الإنفاق الدفاعي، قبل أن يدعو تيريزا ماي خلال زيارته بريطانيا إلى خروج خشن من الاتحاد الأوروبي، وهو كتلة غربية أخرى يكرهها ترمب.
ثم واصل ترمب إظهار إعجابه بالرئيس الروسي في قمة جمعتهما في هلسنكي، وهو ما أثار شجباً واسع النطاق.
كان مدى الشقاق في العلاقة بين إدارة ترمب والحلفاء الغربيين واضحاً ومزعجاً في مؤتمر ميونيخ السنوي الأخير للأمن حيث ألقى نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، كلمة استهلها بالقول "أنقل إليكم تحيات مناصر عظيمٍ للحرية والدفاع الوطني القوي... أنقل إليكم تحيات الرئيس الـ 45 للولايات المتحدة الأميركية دونالد ترمب،" ثم أحنى رأسه وانتظر التصفيق تكريماً للقائد. لكن عوض التصفيق، كان الصمت المطبق سيد الموقف.
وبعد توقف مطول مرير، واصل نائب الرئيس الأميركي خطابه، في تجمع اعتبر ذا أهمية خاصة نتيجة ما حفلت به أجندته من قضايا الشرق الأوسط وداعش والإرهاب، والحروب التقليدية والتجارية، والهجمات السيبرنيطيقية والتغير المناخي.
نعلم أن نائب الرئيس كان يتوقع استقبال ذكر اسم ترمب بتصفيق حاد، لأن نسخة مكتوبة من خطابه قدمها البيت الأبيض أشارت إلى الوقفة بكلمة "تصفيق" بعد فقرة التقديم.
أما أنغيلا ميركل فكان ردّها عنيفاً وحذرت من مخاطر الانعزالية الأميركية، ودافعت بقوة عن المؤسسات المتعددة الأقطاب المهددة في ضوء السياسة الأميركية الحالية، وأيدت مساعي أوروبا وروسيا والصين، إلى إنقاذ الاتفاق النووي مع إيران من محاولات ترمب إطاحته.
تحدثت المستشارة الألمانية أمام 30 رئيس حكومة و90 وزيراً، واستُقبل خطابها بحفاوة الوقوف والتصفيق الحار وقتاً طويلاً في القاعة المزدحمة.
واتخذ ينس ستولتنبرغ، الأمين العام لحلف الناتو من جانبه، موقفاً أكثر ليونة مع ترمب، لم يصل حد الانتقادات اللاذعة التي عرفها اجتماع الناتو، متغاضياً عن مزاعم ترمب غير الواقعية ومشدداً على أن الرئيس الأميركي خلق "شعوراً جديداً ملحاً" في مسألة الإنفاق العسكري بين الدول الأعضاء.
والتقى ستولتنبرغ، وهو رئيس الوزراء السابق في النرويج ومُددت ولايته في الناتو أخيراً، مع ترمب في البيت الأبيض يوم الثلثاء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي مناسبة اللقاء، نشر ترمب تغريدة على تويتر قال فيها "ستولتنبرغ أكد أن الفضل يعود إليّ (ترمب) في تمكن الناتو من جمع أموال أكثر بكثير من أي وقت مضى من أعضائه بعد سنوات عديدة من التراجع".
وأضاف ترمب أن "هذا يسمى تقاسم الأعباء ويدل على أن أعضاء الحلف هم أكثر اتحاداً. الديمقراطيون والأخبار الكاذبة يحبون تصوير الأمور على أنها خلاف ذلك!".
وادعاء ترمب أن زيادة إنفاق الناتو هي ثمرة إنجازه الشخصي، منافٍ للحقيقة، على الرغم من أن الرؤساء الأميركيين المتعاقبين طلبوا من بلدان الناتو رفع موازنة دفاعها إلى 2 في المئة من الناتج المحلي، ولم يحرزوا نجاحاً يُعتدّ به.
ألمانيا، وهي واحدة من أغنى دول التحالف، أعلنت هذا الشهر أنها ترمي إلى إنفاق 1.5 في المئة من ناتجها الإجمالي على الدفاع مع قدوم العام 2024، وأنها سترفع الإنفاق إلى 2 في المئة فقط في وقت لاحق بعيد الأجل.
وتعد بريطانيا واحدة من الدول الأعضاء القليلة التي تزعم أنها بلغت نسبة عتبة الـ 2 في المئة في الإنفاق على الدفاع، على الرغم من اتهام بعض المنتقدين لها بأن هذا الإنجاز تحقق بفضل قدر من الحسابات المضللة التي قدمتها وايت هول، مركز السلطة السياسية في المملكة المتحدة.
وتحتضن بريطانيا قمة الناتو السبعين في ديسمبر (كانون الأول)، وقلما يُتذكر أن فكرة تأسيس الحلف انطلقت من هذا البلد بعد أن طرحها إرنست بيف، وزير الخارجية في حكومة حزب العمال برئاسة كليمنت أتلي في العام 1948، ثم سهر على تحقيق الرؤية من خلال الحوار مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة.
ويُرتقب طبعاً أن تكون المملكة المتحدة خارج الاتحاد الأوروبي بحلول ذلك الوقت. لكن مهما حصل على هذا المستوى، مكانة بريطانيا في حلف الناتو لن تتأثر، على الرغم من أن أي حكومة بريطانية ما بعد بريكست إذا ما كانت تسعى إلى إبرام صفقة تجارية مع الولايات المتحدة قد تضطر إلى تحديد موقع اصطفافها إذا استمر الصدع في الاتساع بين ترمب والحلفاء الأوروبيين.
ووصف سفيران أميركيان سابقان لدى الناتو ما يعتبرانه المشكلة الحقيقية التي تواجه الحلف. ويقول دوغ لوت، الذي كان أحد المبعوثين في عهد باراك أوباما، "نحن أمام أمر غير مسبوق، نحن في الذكرى السبعين، لكنها المرة الأولى التي يشك فيها الحلفاء في التزام الرئيس الأميركي".
وعلق نيكولاس بيرنز، الذي خدم أثناء إدارة جورج بوش الابن بدوره، قائلاً "يواجه الناتو واحدة من أصعب أزماته منذ سبعة عقود، ففي حين أن حلف الناتو أمام تحديات إستراتيجية عليه التصدي لها، فإن أكبر تهديد هو غياب قيادة رئاسية أميركية قوية وذات مبادئ للمرة الأولى في تاريخ الحلف".
© The Independent