فجأة أصبح عبد العزيز بوتفليقة، الرئيس المستقيل، الذي حكم الجزائريين لمدة 20 عاماً، من الماضي. وحتى كأنه لم يكن. وصوَّب المتظاهرون في الجمعة السابعة على التوالي، سهام غضبهم على ثلاثة رؤوس من النظام الحاكم، ستُوكل إليهم مهمة قيادة المرحلة الانتقالية، وهم كل من رئيس مجلس الأمة (الغرفة العليا للبرلمان) عبد القادر بن صالح، ورئيس المجلس الدستوري، الطيب بلعيز، بالإضافة إلى رئيس الوزراء نور الدين بدوي. تعلُّق الجزائريين بالشارع بات أمراً تلقائياً، وليس مجرد مسيرات أسبوعية تتلاشى مع مرور الزمن، بدليل خروجهم بأعداد كبيرة جداً، مقارنة "بالجمعات" السابقة، وهو ما قد يضع النظام في ورطة حقيقة، ويقضي على كل آماله بتغيير واجهته بدلاً من الرحيل.
الباءات الثلاثة
شكّلت الجمعة السابعة من أبريل (نيسان) إجماعاً على المطالبة برحيل ما يسميهم الشارع "الباءات الثلاثة"، أو رؤوس النظام الذين ينتمون إلى "المرحلة البوتفليقة"، وفق تعبير أحد المتظاهرين لـ "اندبندنت عربية". ومنذ ساعات الصباح الباكرة توافد المتظاهرون من العاصمة والمدن المجاورة، بأعداد قياسية، للمشاركة في "مسيرة الجمعة" ورفعوا شعارات أجمعت على "لا لاستمرار العصابة الحاكمة"، وهو الوصف الذي تبنته أيضاً قيادة أركان الجيش، في بيان ناري أجبر بوتفليقة على التنحي. وشكل الحدث شعار "ينتحاو ڤاع" بمعنى "يرحلوا جميعا"، الذي ردده المتظاهرون تكراراً، وكذلك شعار "يا السراقين كليتو البلاد" (أيها اللصوص نهبتم البلد).
وقال أحد المتظاهرين، وهو شاب في العشرينيات من عمره "مطالبنا واضحة، لا بن صالح، ولا بدوي، ولا بلعيز... فليرحلوا جميعاً، ألا يفهم هؤلاء لقد مضى وقتهم وعليهم المغادرة بكرامة؟". بينما رفع متظاهر لافتة كبيرة كتب عليها "مطالب جمعة 5 أبريل، إسقاط حكومة نور الدين بدوي غير الشرعية، رحيل عبد القادر بن صالح، حل أحزاب التزوير والفساد، أي أحزاب السلطة وجبهة التحرير الوطني الحاكم وغريمه التجمع الوطني الديمقراطي الذي يقوده رئيس الوزراء السابق، أحمد أويحيى". في وقت حملت متظاهرة أخرى يافطة "السيادة للشعب والجزائر للشعب".
دعوات الحساب
الجمعة السابعة كانت فرصة للمتظاهرين للدعوة إلى محاسبة المتورطين في الفساد، برفع شعار" يا قضاة افتحوا الأبواب لقد حان وقت الحساب"، في وقت حمل محتجون لوحة رمزية، عُلِّقت عليها صورة شقيق الرئيس المستقيل، السعيد بوتفليقة، ورجل الأعمال المقرَّب من عائلة الرئيس المستقيل، علي حداد الموقوف على ذمة التحقيق، عقب إلقاء القبض عليه عند الحدود التونسية، ورئيس الوزراء السابق، أحمد أويحيى. وطالب حاملو اللوحة بمحاسبة السعيد بتهمة انتحال شخصية الغير، وحداد لنهبه أموال الشعب، أما اويحيى فبسبب خيانته للوطن. كما رُفعت يافطة كبيرة ضمت كل الأسماء التي ساندت نظام حكم بوتفليقة ودعمته من أجل البقاء، والتي توزعت بين رجال أعمال، وسياسيين أمثال رئيس الاستخبارات السابق محمد مدين، وعمار سعداني رئيس الحزب الحاكم سابقاً، ووزراء ورؤساء أحزاب، بالإضافة إلى أشقاء بوتفليقة: ناصر والسعيد المتهمَين بحكم البلاد من خلف الستار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الجيش والحراك
تصدَّرت المؤسسة العسكرية واجهة الأحداث في الجزائر في الأسابيع الماضية، ما بدفع بالمتظاهرين الى دعوتها للاستمرار في مرافقة الحراك الشعبي ودعمه بتحقيق مطالب الشارع، من دون فرض مرشحين في الرئاسيات المقبلة. وقال أحد المتظاهرين "نشكر الجيش لأنه أعلن دعمه ومرافقته الحراك، لكن على قائد أركان الجيش، قايد صالح التحرك لكشف من هم أفراد العصابة الذين تحدث عنهم، حتى يصدر القضاء أمراً بسجنهم ومحاسبتهم على كل ما اقترفوه في حق الشعب والبلاد". الناشط السياسي، عبد الغني بادي، قال "إن للجمعة السابعة نكهة خاصة وشعارها الواحد رحيل العصبة الحاكمة"، موجهاً رسالة إلى الجزائريين تحث على الاستمرار في الضغط عن طريق الشارع، لأن أي تراجع إلى الوراء يعني توجُّه النظام الى تغيير واجهته فقط بتولّي المقربين السابقين من الرئيس المستقيل زمام الأمور.
مسامحة بوتفليقة
وعبّر عدد من المتظاهرين عن رفضهم الصفح عن بوتفليقة الذي وجَّه رسالة اعتذار للجزائريين عقب تنحيه عن الحكم، وقالت إحدى السيدات القاطنة بمدينة وهران غرب البلاد، "قد يلومني البعض لكن لا يمكنني مسامحة بوتفليقة، لأسباب عدة، ففي فترة حكمه تقطعت أكبادنا ونحن نرى أبناء الجزائر يرمون بنفسهم في البحار، للوصول إلى الضفة الأخرى هروباً من الواقع المعاش". وأوضحت إحدى المتظاهرات " لماذا أسامحه؟ أودعت ملف الحصول على سكن ودفعت كل الأموال المترتبة عليّ لكن لم أحصل على سكن إلا بعد مرور 17 عاماً. دخلت بيتي بعدما بلغت من الكبر عتياً" وأضافت "الله وحده يحاسب عباده لكن نفسي لن تسامحه".
مظاهر البهجة والسلمية حاضرة
المطالب الحاسمة التي رفعها الجزائريون في جمعة "الرحيل"، لم تمنع المتظاهرين من المحافظة على سلمية التحرك وحيويته، حيث أبدى المتظاهرون وعياً كبيراً، كما كان يحصل في الجمعات السابقة. وتشارك الجزائريون موائد الطعام، بينما وفَّرت العائلات المياه للمتظاهرين، خصوصاً أولئك القادمين من مدن مجاورة، فضّلوا الالتحاق بالعاصمة، كما تطوع الشباب لتنظيف الشوارع والساحات وتنظيم حركة المرور. ولعلَّ المميز في المسيرات خلال الأسابيع الأخيرة الحركة التجارية التي تشهدها، حيث يجد بعض الشباب في التظاهرات فرصة لتسويق بضائعهم، والمأكولات وتحقيق الأرباح. وقال أحد الباعة "أنا أساند الحراك منذ انطلاقه يوم 22 فبراير(شباط)، وأشارك شعبي في التغيير، إلا أنني أردت أن أجني بعض الأموال من تجارة بيع المأكولات، لمساعدة عائلتي". وعبَّر محمد عن أمله في تغيير الأوضاع، وأن يجد فرصة عمل بمجرد إكماله دراسته الجامعية كغيره من الشباب الحالم في غد أفضل.