سادت حالة من الترقب المحفوف بالتأويل على المشهد السوداني، الجمعة 5 أبريل (نيسان)، عقب نفي وزير شؤون الرئاسة السوداني فضل عبد الله، إلقاء الرئيس عمر البشير خطاباً موجهاً إلى الأمة، الجمعة، سبق أن أفصحت عنه مؤسسة الرئاسة. لكن يبدو أن تعديلاً طرأ على الموقف. إذ أعلن لاحقاً أن البشير سيترأس اجتماعاً لـ"اللجنة التنسيقية العليا للحوار"، وحديثه خلال ذلك الاجتماع سيكون منقولاً على الهواء. تحدث البشير، لكن سؤالاً ملحاً لا يزال قائماً، هل أخطأت الرئاسة السودانية عندما قالت إن البشير سيوجه خطاباً إلى الأمة، أم أن تغييراً طرأ على الخريطة، وغير الإعلان إلى مخاطبة عبر اجتماع للجنة تضم الأحزاب المتحالفة والمكونة للحكومة الحالية، في وقت تتعالى دعوات المعارضة إلى تظاهرات مليونية السبت في 6 أبريل؟
حوار موسع
أعلن الرئيس البشير في خطابه أمام اللجنة التنسيقية للحوار، وهي لجنة مشكلة لمتابعة تنفيذ توصيات الحوار الوطني، الذي تقوم على مخرجاته الحكومة الحالية، إنطلاق حوار موسع يستهدف الشباب وحملة السلاح وجميع الأطراف التي لم تشارك في الحوار الوطني السابق. وقال إن ذلك يأتي لاقتناعه بأن الحوار هو الوسيلة الوحيدة التي تؤدي إلى خيارات ترضي وتحقق إجماع السودانيين.
وقال البشير إن "هدفه إحداث تحول في الواقع السياسي لتحكمه معايير الشفافية والعدالة وإتاحة الفرص المتساوية لكل الناس والحريات العامة وتحمل المسؤوليات تجاه قضايا الوطن، وجمع الشمل الوطني وتهيئة الساحة ليكون الحوار هو الطريق الواضح إلى حل القضايا عبر حزمة من الإجراءات المطروحة".
وجدد البشير التأكيد أن الوسيلة الوحيدة للوصول إلى الحكم هي الانتخابات، ليقطع بذلك الطريق أمام كل الدعوات التي تطالب بتنحيه وتسليمه للسلطة. وقال "البداية تكون بقانون الانتخابات على الرغم من أن البرلمان أجازه، لكن هذه ليست خاتمة المطاف، ولا مانع من النقاش المستفيض حوله". وأكد أن "الحكومة لن تغلق الباب أمام الراغبين في الحوار".
ويشهد السودان منذ 19 ديسمبر (كانون الأول) 2018 احتجاجات متواصلة في غالبية المدن، هي الأكبر منذ وصول البشير إلى السلطة، وأسفرت حتى الآن عن سقوط 32 قتيلاً وفق آخر إحصاء حكومي، و51 وفق منظمة العفو الدولية.
المهدي يصعّد
دعا زعيم حزب الأمة الصادق المهدي، ورئيس تحالف نداء السودان المعارض، عبر خطبته يوم الجمعة في مسجد الأنصار، الرئيس البشير إلى التنحي عن السلطة بمحض إرادته، داعياً الشعب السوداني إلى المشاركة في تظاهرات السبت المليونية، التي دعا إليها تجمع المهنيين السودانيين وتحالفات سياسية معارضة، وتهدف إلى الوصول إلى مقر الجيش السوداني في وسط العاصمة الخرطوم.
وناشد المهدي في خطبته "كل القوى الوطنية أن تنضم إلى التظاهرات". ودعا القوات المسلحة السودانية إلى المحافظة "على قوميتها وألا تبطش بمواطنين عزل يطالبون بحقوق يكفلها الدستور".
وطالب الرئيس البشير برفع حالة الطوارئ، المعلنة منذ 22 فبراير (شباط) الماضي، وحل المؤسسات الدستورية التي وصفها بـ "المضروبة"، وأن يدعو 25 شخصاً ترشحهم المعارضة لتكوين جمعية تأسيسية لإقامة نظام جديد.
ماذا تريد المعارضة من الجيش؟
نشرت المعارضة السودانية نقاط التجمع للمواطنين بغية المشاركة في التظاهرة المليونية التي دعت إليها والمتوجهة نحو مقر القوات المسلحة السودانية، في اليوم الموافق للذكرى الـ34 لثورة 6 أبريل التي أطاحت الرئيس السابق جعفر نميري من الحكم. وتستمد دعوة المعارضة إلى التوجه لمقر قيادة الجيش رمزيتها للتذكير بانحياز الجيش السوداني إلى الشعب في إنهائه حكم النميري.
ويقول المحلل السياسي الكباشي البكري إن "اختيار هذا اليوم للحراك والاحتجاجات هدفه إرسال رسائل وتنبيهات إلى الجيش بأدوار سابقة وطنية قام بها".
يضيف "لكن المقارنة هنا تحكمها جملة من المعايير السياسية والظروف الداخلية والخارجية، إذا عقدنا المقارنة بين نظامي البشير والنميري، قد تختلف المعطيات، نظراً إلى الأيديولوجية السياسية التي سادت في النظامين داخل الجيش، والتي تمثل حاجزاً كبيراً في تحقيق أهداف ملموسة وسريعة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعتبر البكري أن "تلك الأيديولوجيا مؤثرة في الواقع، لكن ذلك لا يدفعنا إلى استبعاد دور جديد للجيش السوداني، فأكثر الجيوش التي كانت تتحكم فيها الأيديولوجيا مثل جيش الاتحاد السوفياتي انحازت في خاتمة المطاف إلى الشعب، وما يحصل في الجزائر الآن ليس ببعيد عن مخيلة السودانيين وجيشهم".
يتابع "الشعب يعول على الدور السياسي التاريخي للجيش في تحمل الأعباء الوطنية والرغبة في الإصلاح، على أن يلتزم هذا الدور بالتجرد والخروج من الانتماء الضيق إلى أفق الوطن الأوسع، خصوصاً أن الجيش يحظى بمكانة مميزة ويُقابل بارتياح في الشارع غير المنتمي حزبياً".
وكان رئيس الأركان المشتركة الفريق أول كمال عبدالمعروف الماحي أكد مجدداً، في تصريح سابق، تماسك القوات المسلحة والتفافها حول قيادتها، التي يترأسها البشير. وقال إنها تعي كل المخاطر والتهديدات التي تحيط بالبلاد في هذه المرحلة الدقيقة.
ووفق مراقبين، وضع حديث عبد المعروف نقطة قاطعة أمام التأويلات التي تترقب موقفاً من كبار الضباط منحازاً إلى الاحتجاجات التي تشهدها البلاد. لكن المتابع لواقع التحركات العسكرية في السودان، يجد أن ضباط المراتب الوسطى في القوات المسلحة هم من كانوا يلعبون أدواراً مهمة على مدار التاريخ، وليس قادة الأركان.