قاطع السودان لأول مرة السبت 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي الاجتماع الوزاري الذي دعا إليه الاتحاد الأفريقي دول مصر والسودان وإثيوبيا بشأن تقريب وجهات النظر حول سد النهضة، حيث طالب السودان بمنح دور أكبر لخبراء الاتحاد الأفريقي لتسهيل عملية التفاوض والتقريب بين الأطراف الثلاثة، معتبراً أن الطريقة التي اتُبعت في التفاوض خلال الجولات السابقة "غير مجدية".
لكن كيف ينظر المراقبون والمختصون بهذا الشأن لموقف الحكومة السودانية المقاطع لهذه المفاوضات من ناحية إسهامه في تقريب أو زيادة الخلاف بين الأطراف الثلاثة. وهل من الممكن أن يعرقل هذا الموقف المحادثات المعقدة التي تولى الاتحاد الأفريقي رعايتها ودعمها؟
يأتي ذلك في الوقت الذي لم يصدر أي تعليق من دولة جنوب أفريقيا التي ترأس الاتحاد الأفريقي لهذه الدورة، ولا من دولتَي مصر وإثيوبيا، على موقف السودان في هذا الخصوص، فضلاً عن عدم وضوح الرؤية حول مستقبل العملية التفاوضية.
ورأى وزير الري والموارد المائية السوداني السابق عثمان التوم، أن "قرار السودان مقاطعة مفاوضات سد النهضة سليم، لأنه يريد بالفعل الوصول إلى اتفاق حقيقي وقانوني ملزم للأطراف المعنية، وذلك من خلال إعطاء فرصة للخبراء الذين جاء بهم الاتحاد الأفريقي لتقريب وجهات النظر، لوضع حلول توفيقية مرضية". وأضاف "سبق أن توصل هؤلاء الخبراء إلى مسودة اتفاق كان مقبولاً ويصلح ليكون أساساً للتفاوض، حيث تضمن حلولاً وسطية، لكن للأسف لم يلتفت إليه الاتحاد الأفريقي، لذلك أستغرب الآن ماذا سيناقش الجانبان المصري والإثيوبي؟"، مبيناً أن "الأطراف الثلاثة جربت كل سبل التفاوض على شتى المستويات، ولم تنجح في إحراز أي تقدم، لأن كل طرف تخندق في مكانه ولا يريد أن يتقدم خطوة إلى الأمام، بالتالي رأى السودان أن هذا الأسلوب لن يؤدي إلى شيء غير إضاعة الوقت".
مواقف متباعدة
واستبعد التوم أن يصل الجانبان المصري والإثيوبي خلال اجتماعاتهما المستمرة حالياً إلى نقطة التقاء، نظراً لأن مواقفهما متباعدة وعلى طرفَي نقيض، فما يطرحه المصريون لا يتوافق مع الإثيوبيين، وكذلك العكس فإثيوبيا طرحت قواعد إرشادية غير قابلة للتعديل وغير ملزِمة، وهو ما اعترض عليه الجانبان المصري والسوداني من منطلق أنه لا بُد أن يكون الاتفاق ملزماً، لافتاً إلى أن "التخوف من الجفاف ليس في محله، لأن ما حصل في عام 1984 لن يتكرر، فقد كانت حالة شاذة، فضلاً عما يحدث الآن من تطورات كبيرة تتمثل في التداخل البشري على النيل الأزرق، حيث أن المياه تكون أكثر في فترة الانحسار".
ويعتقد وزير الري السوداني السابق أن المفاوضات الثنائية بين مصر وإثيوبيا في هذا الشأن ستكون تحصيل حاصل، ولن تؤدي إلى مخرج واتفاق حقيقي من دون وجود السودان كطرف أصيل في هذه العملية، لذلك يرى أن الطريق يظل مسدوداً ولن يحصل انفراج إلا إذا اقتنع الطرفان برؤية السودان التي تعد صائبة، "لأنه أكثر حرصاً من مصر وإثيوبيا على الوصول لاتفاق، بخاصة أن لديه خزان "الروصيرص" الذي يقع على بعد 15 كيلو متراً من سد النهضة، ويتطلب تشغيله معلومات وبيانات حول الموقف المائي والوارد اليومي من مياه النيل الأزرق، خصوصاً في فترة الفيضان، لذلك طلب من الجانب الإثيوبي تزويده بالخطة التشغيلية السنوية للسد لمدة خمس سنوات، وقد وافقت إثيوبيا آنذاك على تزويده بخطتها التشغيلية لمدة ثلاث سنوات".
مناورة سياسية
في سياق متصل يقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعات السودانية الدكتور الرشيد محمد إبراهيم، "في نظري أن الاجتماع الوزاري الذي قاطعه السودان بشأن سد النهضة جاء في ظل متغير مهم، وهو البيئة الأمنية الجديدة التي تشكلت في القرن الأفريقي كأحداث تيغراي، فالموقف الإثيوبي في التفاوض بكل تأكيد لن يكون كالسابق الذي اتسم بالعناد، لكن موقف السودان جاء في محله لأن اتباع الأسلوب القديم سيجعل الأطراف الثلاثة تدور في دائرة مفرغة، ولن تصل إلى نهاية الطريق بتوقيع اتفاق قانوني ملزم".
ورجح أن مصر وإثيوبيا ليس لديهما الرغبة في التوصل لاتفاق ملزم، فكل طرف لديه مآرب، خلاف السودان الذي يتضح أنه لا يناور سياسياً بهذه القضية، فهو أكثر حرصاً على هذا الاتفاق، لأن لديه سدوداً على النيل الأزرق.
وتساءل الرشيد إبراهيم عن سبب عدم رغبة مصر وإثيوبيا منح الخبراء فرصة للدفع بهذا الملف من خلال مقترحات وجيهة، تسهم في تقريب وجهات النظر بين الأطراف الثلاثة، بخاصة وأن اختيار الخبراء كان بموافقة تلك الأطراف، فضلاً عن أن القرار النهائي يرجع للوزراء المعنيين ما يستبعد أي مخاوف أخرى، مؤكداً أن السودان يريد تطوير العملية التفاوضية لكي تقود لاتفاق مرض، بالتالي فإن منطقه سليم في ظل فشل المحاولات التفاوضية السابقة بكافة مستوياتها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مخالفة إجرائية
وقال وزير الري السوداني ياسر عباس في بيان السبت، "إن النهج الحالي للتوصل إلى اتفاق ثلاثي بشأن ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، لم يسفر عن نتائج، وينبغي للاتحاد الأفريقي أن يبذل المزيد لتسهيل المفاوضات وتجسير الفجوة بين الأطراف الثلاثة للتوصل لاتفاق قانوني ملزم ومرض لهم جميعاً، إعمالاً لمبدأ الحلول الأفريقية للمشاكل الأفريقية".
وبدأ منذ الخميس الماضي، اجتماع عبر دائرة تلفزيونية، بين وزراء الخارجية والري في السودان ومصر وإثيوبيا، بعد أسبوعين من فشلهم في الاتفاق على إطار جديد للمفاوضات.
وعقب الاجتماع قال وزير الري السوداني، في مؤتمر صحافي في العاصمة الخرطوم، "لقد أكد السودان، خلال هذا الاجتماع، عدم مواصلة التفاوض بشأن سد النهضة وفق المنهج السابق، وطالب بالعودة إلى الاتحاد الأفريقي لاعتماد دور الخبراء ودفع المفاوضات سياسياً، وصولاً لاتفاق مرض لكل الأطراف".
وزاد "لكن رئيسة الاجتماع، وزيرة التعاون الدولي بدولة جنوب أفريقيا، رئيسة الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي، مضت في مخالفة إجرائية واضحة عند دعوتها إلى مواصلة التفاوض لمدة عشرة أيام مقبلة"، مؤكداً رفض بلاده هذه الخطوة لكونها غير مجدية، وتمت تجربتها في السابق مراراً من دون تقدم يذكر.
وسبق أن أعلنت الحكومة السودانية في الرابع من نوفمبر الجاري، اتفاق وزراء الري في الدول الثلاث على إنهاء جولة المفاوضات التي جرت آنذاك، وإعادة الملف إلى الاتحاد الأفريقي، مؤكدةً أن جولة المفاوضات عجزت عن إحراز أي تقدم ملموس، والاتفاق حول الدور الذي يلعبه الخبراء في التفاوض ومنهجيته ومساراته والجدول الزمني له.
حرص مصر
وترى مصر أن سد النهضة الذي يقع على بعد 15 كيلومتراً من الحدود مع السودان على نهر النيل الأزرق، أحد أفرع نهر النيل، الذي يمد الأراضي المصرية باحتياجاتها من الري، يهدد تدفق المياه التي ينبع معظمها من النيل الأزرق، ما يحمل تداعيات مدمرة بالنسبة إلى اقتصادها ومواردها المائية والغذائية. وتتخوف مصر من تأثير سلبي محتمل للسد على تدفق حصتها السنوية من مياه نهر النيل، البالغة 55.5 مليار متر مكعب.
وسبق أن شدد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، على أنه "لا توجد قوة" يمكنها أن تمنع بلاده من تحقيق أهدافها التي خططت لها بشأن سد النهضة، عقب تحذير الرئيس الأميركي دونالد ترمب من إمكانية قصف مصر للسد الإثيوبي. وترى أديس أبابا أن السد، الذي تبلغ كلفته 4.6 مليارات دولار، سيكون محركاً للتنمية وانتشال ملايين المواطنين من براثن الفقر.