عاد تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" إلى واجهة الأحداث بعد إعلانه عن تعيين قائد جديد له هو أبوعبيدة يوسف العنابي، خلفاً لـ "زعيمه الروحي" عبد المالك دروكدال، الذي قضت عليه القوات الفرنسية في شمال مالي.
تعيين إرهابي وإعدام رهينة
وجاء ظهور تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" برسائل مشفرة عنيفة موجهة إلى الرأي العالم الدولي والإقليمي، حيث عرضت في شريط مصور، جثةً قالت إنها لزعيمها السابق عبد المالك دروكدال، الذي قُتل في يونيو (حزيران) الماضي، بشمال مالي، على يد الجيش الفرنسي، وأبرزت أنه تم اختيار الجزائري، يزيد مبارك، المعروف باسم "أبو عبيدة يوسف العنابي"، خلفاً له.
وكشف التنظيم الإرهابي عن "إعدام سيدة من أصول سويسرية، كانت محتجزة لديه في منطقة كيدال شمال مالي، تدعى بياتريس ستوكلي"، وذلك بعدما بث في 16 يونيو الماضي، فيديو مدته دقيقتان و50 ثانية، للرهينة السويسرية وهي تتحدث بالفرنسية، كدليل على أنها لا تزال على قيد الحياة، وبرر تنفيذه الإعدام بحقها بـ"محاولة الصليبيين الفرنسيين إطلاق سراحها".
احتواء تمرد عناصر القاعدة
وأثار تعيين الإرهابي الجزائري أبو عبيدة العنابي، وإعدام الرهينة السويسرية بياتريس ستوكلي، بعد خمسة أشهر من مقتل زعيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، عبد المالك دروكدال، مخاوف السلطات الأمنية في الساحل وشمال أفريقيا وجنوب أوروبا، من تصاعد النشاط الإرهابي. وقال أستاذ العلاقات الدولية المهتم بالشؤون الأفريقية مبروك كاهي، إن "الوضع في المنطقة لن يتغير كثيراً عما هو عليه، لأن التنظيمات المسلحة بلغت أوج عطائها، وهي في تقهقر". وتابع أن "اللافت هو فشل تحالف برخان العسكري ضد الإرهاب، الذي تقوده فرنسا، في ظل تلويح دولة تشاد، العضو الفاعل في التحالف، بإصدار قانون يمنع جنودها من القتال خارج حدود البلاد".
وصرح كاهي أن "كل الوقائع أثبتت أن تلك الجماعات الإرهابية أداة في يد قوى خفية تسعى لزعزعة استقرار المنطقة لممارسة الهيمنة"، مضيفاً أن "التنظيم يعيش أزمة خصوصاً في صفوف مجنديه، ويمكن إثبات ذلك من خلال العناصر التي سلّمت نفسها لقوات الأمن الجزائرية، وكذلك تلك التي أُلقي عليها القبض"، بالتالي فإن "تعيين العنابي هو محاولة لاحتواء التمرد، حيث تم اللجوء إليه كحل أخير للحفاظ على تماسك التنظيم". واستبعد "استمرار علاقة "القاعدة" بقيادة العنابي مع "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، على اعتبار أن الجماعات الإرهابية ليس لها ولن يكون بينها تحالف، بل على العكس هي في صدام مع بعضها لاختلاف الأجندات والأطراف التي تحركها".
من هو الإرهابي "أبو عبيدة العنابي"؟
أبوعبيدة يوسف العنابي، واسمه الحقيقي مبارك يزيد، من الإرهابيين الجزائريين الذي تلقوا تدريبهم في أفغانستان، أوائل التسعينيات، قبل أن يلتحق بـ"الجيش الإسلامي للإنقاذ" بالجزائر في عام 1993، رفقة الإرهابي عبد المالك دروكدال، انتقاماً من "توقيف الانتخابات التي فاز بها حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ".
مسيرة دموية
ومع اشتداد المواجهات مع القوات الأمنية الجزائرية، وما خلّفته من تصدعات وانشقاقات داخل الجماعات المسلحة، أقدم العنابي في عام 2004 برفقة دروكدال وآخرين على تأسيس "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" بالجزائر، التي ارتكبت عمليات إرهابية عدة ضد مدنيين في مناطق شرق الجزائر، لتتحول في ما بعد إلى "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" بعد مبايعة أسامة بن لادن، زعيم تنظيم "القاعدة"، في 24 يناير (كانون الثاني) 2007، وهي الفترة التي شهدت نشاطاً إجرامياً واسعاً للإرهابي العنابي، أبرزها استهداف محيط قصر الحكومة، وثلاثة مراكز للشرطة والدرك في العاصمة الجزائرية، نجم عنها مقتل 30 شخصاً وإصابة أكثر من 220 آخرين.
كما شارك أبو عبيدة يوسف، في محاولة اغتيال الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة في عام 2007، من خلال عملية انتحارية استهدفت حشداً شعبياً كان في انتظاره بوسط محافظة باتنة، شرق البلاد، أسفرت عن مقتل 20 شخصاً وجرح 107 آخرين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فرار من الشمال إلى الجنوب
ونتيجةً للضربات القوية التي تلقاها التنظيم الإرهابي من قبل الجيش الجزائري، والتي أدت إلى قتل واعتقال عدد كبير من أمراء وقيادات التنظيم الذي انحصر نشاطه في شرق البلاد ووسطها، تمكن الإرهابي أبو عبيدة من الفرار من الجزائر عبر تونس، إلى مالي، ليلتحق بالجماعات الإرهابية الناشطة في منطقة الساحل، بينما بقي دروكدال في منطقة "القبائل" بين جبال محافظات بجاية والبويرة وتيزي وزو.
وخلال وجوده بمنطقة الساحل، شارك العنابي، في تنفيذ واحدة من أكبر العمليات الإرهابية وأخطرها، وهي الهجوم في 16 يناير 2013، على المنشأة الغازية "تيقنتورين" الواقعة بمنطقة "عين أميناس" جنوب الجزائر على الحدود مع ليبيا، حيث احتجز رفقة إرهابيين آخرين، أكثر من 700 شخص كرهائن، من بينهم 573 جزائرياً و132 من جنسيات نرويجية ويابانية وفرنسية وأميركية وبريطانية، الأمر الذي دفع الجيش الجزائري إلى التدخل من أجل تحرير الرهائن في عملية أدت إلى مقتل 32 مسلحاً و23 رهينة.
مطارد دولياً
في العاشر من سبتمبر (أيلول) 2015، أدرجت وزارة الخارجية الأميركية العنابي على قائمتها السوداء للإرهاب، ووصفته بـ"الإرهابي العالمي المصنّف بشكل خاص"، وبعد عام من ذلك، أدرجته الأمم المتحدة على لوائح الإرهاب في 29 فبراير (شباط) 2016، لارتباطه بتنظيم "القاعدة" الإرهابي، ومشاركته في تمويل أعمال ونشاطات "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي" والتخطيط لها أو تيسير القيام بها أو ارتكابها والمشاركة فيها. وفي فبراير 2017، أصدر القضاء الجزائري حكماً بالإعدام غيابياً عليه، وصدرت بحقه مذكرات اعتقال دولية.
الإرهابي السياسي؟
من جهة أخرى، ساير الإرهابي العنابي، الحراك الشعبي الذي انطلق بالجزائر في 22 فبراير 2019، حيث ظهر في تسجيلات صوتية قال فيها إنه "يحارب النظام الجزائري مثل المتظاهرين"، معتبراً أن نظام الجزائر "عدو مشترك"، وزعم أن التظاهرات الشعبية في الجزائر والسودان "خطوةً للخلاص من الحكم الجبري"، في محاولة للاستفادة من الحراك الشعبي عبر رسائل "لطيفة" خالية من مصطلحات ومفردات التطرف والإرهاب والعنف.
كما كانت له قبل الحراك الجزائري، رسائل صوتية بشأن الأزمة السورية في عام 2012، دعا فيها إلى "نصرة المقاومة في الثورة الشامية التي تجاهد في سبيل الله ضد بطش النظام الجائر"، وإلى "الجهاد ضد أزلام النظام الأسدي الذي يوظف آلة القمع وينتهك الأعراض والأرواح".