أزمة اقتصادية عالمية تفرضها جائحة كورونا نالت من مصر مثل مختلف الدول، لكن لا تزال هناك فئات من الشعب المصري في أطراف بعيدة لم يسلط عليها الضوء، ولم نتعرف إلى الطريقة التي تغلبوا بها على الأزمة.
من بين أولئك الذين لم تظهر معاناتهم إلى السطح كثيراً أهالي سيناء بخاصة البدو منهم، وهنا كان للسيدات الشق الأبرز في التعامل بذكاء وفطنة لتوفير الكمامات الطبية للوقاية من الإصابة بالفيروس من ناحية، والاستفادة من حاجة السوق من ناحية أخرى، ولكن ببصمة فنية مختلفة بالتعامل مع طبيعة النساء ورغبتهن في الظهور بأناقة حتى في أدق التفاصيل، مثل الكمامة الطبية بألوان مختلفة. لذا سارعت نساء البدو بوضع بصمتهن التي لطالما جذبت الأنظار، وأسهمت في رواج المشغولات اليدوية في الأسواق المصرية المعروفة خاصة لتميز الشق التراثي التقليدي بها.
الأقنعة بدلاً من الزيتون
وتقول الجدة الستينية أم صالح من محافظة شمال سيناء، إن عائلتها منذ بدء انتشار فيروس كورونا وزيادة معدلات الإصابة ومتابعتها خلال النشرات الإخبارية وإجراءات الحظر، تضررت تجارتها من مزارع الزيتون والنخيل التي يعمل بها الرجال وكذلك الصيد والماشية، "فلم يكن أمامنا سوى التفكير في طريقة لاستغلال ما نجيده لتوفير نفقات الحياة وقوت يومنا، فبعد أن كنا نستخدم التطريز لمستلزماتنا الشخصية، حولناه إلى إنتاج نبيعه لجلب قوتنا في مرحلة كساد التجارة التي طالت الجميع".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضحت أن تطريز الثياب البدوية من أهم مفردات تراث سيناء التي يشتهرون بها، "وكان في الماضي لكل قبيلة سيناوية ثوب محدد يتميز عن الآخر من حيث ألوان خيوطه، لكن الجائحة فرضت علينا الآن أن نقوم بإنتاج الكمامات بديلاً عن الثياب".
وتشير أم صالح إلى أن هدفها استغلال موهبتها في جذب الفئة الأكبر من السوق وهم النساء والأطفال، كفئة مستهدفة لاستخدام الكمامات الطبية المشغولة بأيدي نساء البدو.
ألوان لجذب النساء
وكان لإحدى الجمعيات الأهلية دور في ترويج منتجات النساء من الكمامات الطبية المشغولة يدوياً، إذ يقوم النشطاء من خلال فريق بحثي يجوب محافظات مصر كلها، بالبحث عن أصحاب الحرف اليدوية ومساعدتهم في نشرها وتسويقها إلكترونياً وتعريف المجتمع بهم.
ويقول سعد الغزالي أحد المؤسسين لهذه الجمعية، إنها "مؤسسة ليست هادفة للربح، بل دورها مساعدة أصحاب الحرف اليدوية على ترويج منتجاتهم، في مختلف أنحاء مصر، في مدن مثل سيناء والواحات البحرية وصعيد مصر وغيرها"، مضيفاً أنهم يدعمونهم لتطوير ما يجيدونه من حرف لتصبح مصدر رزق لهم. وكانت أكثر القبائل السيناوية التي تعاونوا معها من مدينة بئر العبد شمال سيناء.
ويضيف الغزالي "المشغولات اليدوية التي نستقبلها من نساء البدو تطابق المواصفات القياسية التي أقرتها منظمة الصحة العالمية، كما أنها على الرغم من براعة إتقانها وتمتعها ببصمة جمالية مميزة، أسعارها أيضاً في متناول الجميع، حيث تتراوح ما بين خمسة إلى 30 جنيهاً مصرياً، أي ما يعادل متوسط دولار ونصف تقريباً"، مشيراً إلى أن نطاق توزيعها في القاهرة الكبرى وعدة محافظات أخرى أهمها المنصورة وطنطا والشرقية، حيث تتبنى المؤسسة الترويج والتوزيع للمنتجات من خلال التسويق الشبكي للوصول لأوسع نطاق ممكن.
كمامة "بدوية" بمواصفات طبية
المستوى التعليمي البسيط لنساء البدو لم يؤثر في جودة الكمامات ومطابقتها للمواصفات القياسية التي أقرتها منظمة الصحة العالمية، فبحسب "فايزة" الفتاة البدوية العشرينية التي تقطن في مدينة بئر العبد بشمال سيناء، فإن دورهن كفتيات متعلمات كان تزويد أمهاتهن بالمعلومات اللازمة لإخراج المنتجات في المرحلة النهائية "مطابقة للمواصفات المطلوبة في السوق، بحسب ما هو مقرر من جهة المنظمات الدولية".
وذكرت أنهن "يصنعن الكمامات القماشية ذات التصميم البدوي من ثلاث طبقات، مصنوعة بشكل يسمح بتغطية الأنف والفم والذقن، مع إمكانية تعديل مقاس الكمامة عند ارتدائها".
واعتبرت أن تصنيع الكمامات أسهم بشكل كبير في إيجاد حل جزئي للأزمة الاقتصادية التي يعيشها العديد من العائلات جراء الجائحة والعثور على مصدر جديد للرزق، بعيداً من الأعمال التقليدية التي تأثرت بسبب كورونا، كما أن المجلس القومي للمرأة أعلن أخيراً عن خطوات جادة في تنفيذ برامج التمكين الاقتصادي للمرأة والتدريب على إقامة مشروعات صغيرة للنساء المعيلات لأسرهن، ومساندتهن اقتصادياً من خلال الشراكة مع منظمات المجتمع المدني في شمال سيناء.