واجه الرئيس السوداني عمر البشير، السبت، أكبر تظاهرة منذ تسلمه السلطة قبل حوالي 30 عاماً، تطالبه بالتنحي، واحتج آلاف السودانيين أمام مقر القيادة العامة للجيش، مستلهمين التجربة الجزائرية للضغط على نظام الحكم.
بين ثورتين
استخدمت القوات الأمنية السودانية الغاز المسيّل للدموع والهراوات لتفريق آلاف المحتجين، الذين استطاعوا الوصول الى مقر القيادة العامة للجيش في شرق الخرطوم، على الرغم من انتشار عسكري كثيف. وبعد تراجع كثافة التظاهرات خلال الأسابيع الأخيرة، دعا تجمع المهنيين وتحالفات معارضة إلى المشاركة في تظاهرة "مليونية"، لإحياء ذكرى انتفاضة 6 أبريل (نيسان) من العام 1985 التي أطاحت نظام الرئيس آنذاك جعفر النميري.
واختار تجمع المهنيين والقوى المتحالفة معه، مقر القيادة العامة للجيش نقطة تجمع، واختيار مركز المؤسسة العسكرية هو بمثابة دعوة للاقتداء بالجيش الجزائري والانحياز لمطالب المحتجين الرافضين استمرار حكم البشير القابض على مفاصل السلطة منذ 30 سنة. كما أن اختيار "6 أبريل" يحمل دلالة سياسية من حيث أنه في مثل هذا التوقيت من العام 1985 نجح حراك شعبي مماثل في إسقاط نظام جعفر النميري، الذي حكم البلاد بقبضة من حديد 16 عاماً، وعاش السودان على أيامه الأخيرة ظروفاً مشابهة لتلك التي تعيشها البلاد الآن.
الجيش يتعامل برفق
وشهدت الخرطوم انتشاراً أمنياً كثيفاً، خصوصاً حول بعض المواقع الاستراتيجية، منها المناطق التي دعا تجمع المهنيين للاحتشاد فيها مثل ميدان "جاكسون" أحد أبرز أماكن تجمع المتظاهرين، كما انتشر الأمن في مناطق أخرى وفي الطرق المؤدية الى مقر قيادة الجيش، وجابت الآليات العسكرية شوارع العاصمة. وحاصرت القوات الأمنية مئات المحتجين في شارع النيل بالخرطوم، كانوا في طريقهم الى مقر قيادة الجيش، واعتقلت العشرات منهم ولجأ عدد كبير الى طرق جانبية خوفاً من الاعتقال وهرباً من قنابل الغاز المسيل للدموع.
وتحوّل وسط الخرطوم الى ثُكنة عسكرية وخفّت حركة السير في طرق العاصمة وأُغلقت المحال التجارية ومنعت السلطات الحافلات المتوجهة الى الخرطوم، عبر جسور النيل الأزرق والمك نمر وكوبر من العبور، في حين سمحت للسيارات الخاصة بالعبور. وكان المتظاهرون، وغالبيتهم من الشباب، يرددون هتافات منها "حرية سلام وعدالة والثورة خيار الشعب"، و"ثورة ثورة حتى النصر"، و"نحن جند الله جند الوطن...السودان لنا لا للظلمة".
واستطاع آلاف المتظاهرين الوصول الى أمام مقر قيادة الجيش في شارع القيادة العامة للجيش وهم يهتفون "الجيش معانا ما همانا" و"تسقط بس" و"الشعب يريد اسقاط النظام". وكان المتظاهرون يرفعون أعلام السودان على وقع زغاريد النساء وهتافات "سقطت سقطت يا بشير" و"الشعب يريد رحيل النظام"، قبل أن يغلق الجيش الطرق المؤدية الى مقر قيادته، ويطلب من مئات المحتجين المغادرة بعدما أصدر تجمع المهنيين بياناً يطلب من المتظاهرين الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مطالب قوى التغيير
وقالت "قوى الحرية والتغيير" في مذكرة الى قيادة الجيش إنها تراقب بقلق محاولات البشير للزج بالقوات المسلحة في أتون الصراع السياسي، واستخدامها درعاً واقياً ضد المطالب المشروعة للحركة الجماهيرية المتمثلة في الديمقراطية والسلام العادل والعدالة الاجتماعية، وإزالة نظام الحزب الواحد والمحاسبة على ما ارتكب من جرائم. واعتبرت التظاهرات أن القائد الحالي للقوات المسلحة (البشير) عبء على المؤسسة العسكرية، ويعمل على استغلالها لحماية نفسه ونظامه، ومن مصلحة القوات المسلحة القبول بنظام ديمقراطي جديد ينهي الحروب ويوجه الموارد لمصلحة الشعب وتأهيل مؤسسات الدولة التي شملها الخراب ومن ضمنها القوات المسلحة.
وطالبت قوى التغيير الجيش بالانحياز للشعب السوداني أسوة بالفترة السابقة، أي خلال ثورتي أكتوبر ١٩٦٤ التي أطاحت حكم الرئيس السابق ابراهيم عبود، وأبريل ١٩٨٥ حين سقط حكم النميري، وتابعت "نحن ندعوكم للانحياز لمطالب الجماهير والاضطلاع بأقدس واجباتكم الدستورية في حماية الوطن والحفاظ عليه. وفي خطوة لافتة أعلنت قوى الحرية والتغيير استعدادها للمشاركة في ترتيبات انتقالية تنهي الحرب وتحقق السلام العادل وتنهي عقوداً من الزج بالقوات المسلحة في الحروب الداخلية.
المهدي والبشير
وجه رئيس حزب الأمة المعارض الصادق المهدي رسالة قبيل ساعات من تجدد التظاهرات، الى الرئيس عمر البشير، ناشده فيها الاستقالة من منصبه، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ورفع حالة الطوارئ المفروضة في البلاد. كما طالب المهدي بـ "حل المؤسسات الدستورية المتهالكة، وتشكيل جمعية تأسيسية من 25 شخصاً لإقامة النظام الجديد المنشود".
أما الرئيس البشير فقال "الحوار هو الوسيلة الوحيدة للوصول إلى خيارات يرضى عنها أهل السودان". ودعا الشعبَ السوداني لاختيار قادته عبر الانتخابات، لأنها الوسيلة المثلى لبلوغ السلطة، وأشار خلال كلمة ألقاها أمام اللجنة التنسيقية للحوار الوطني مساء الجمعة 5 أبريل (نيسان) 2019، إلى أن البداية ستكون بقانون للانتخابات يعبر عن إجماع أهل السودان، مؤكداً استعدادهم إلى فتح باب الحوار بشأن أي قضايا موضوعية يُتفق عليها.
ويشهد السودان تظاهرات شبه يومية على خلفية أزمة اقتصادية خانقة، وبدأت الاحتجاجات في 19 ديسمبر (كانون الأول) 2018، ويقول المسؤولون إنّ "31 شخصاً قتلوا منذ بدئها في أعمال عنف رافقت التظاهرات"، في حين تقول منظّمة العفو الدولية إنّ "عدد القتلى بلغ 51 في الأقل". وأعلن البشير في 22 فبراير (شباط) فرض حالة الطوارئ مدة سنة، وقلّصها البرلمان الى 6 أشهر عقب حملة أمنية واسعة لم تنجح في وقف التظاهرات ضد حكمه المستمر منذ ثلاثة عقود.