ملخص
شدد رئيس الجمهورية قيس سعيد، بمناسبة حلول الذكرى الـ14 للثورة، على "ضرورة تواصل المسار الثوري لتحقيق تطهير الإدارة، وحتى يكون البناء صلباً ولا يؤول بعد ذلك إلى السقوط".
يعد ملف إصلاح الإدارة في تونس وتطهيرها من الفساد التحدي الأصعب للحكومات المتعاقبة، لكن منذ تولي قيس سعيد زمام الحكم في البلاد جعله التحدي الأهم والأكبر في كل خطاباته الموجهة إلى الشعب باعتبار أن هذا الملف إرث ثقيل تركه أسلافه.
في هذا السياق شدد رئيس الجمهورية قيس سعيد، بمناسبة حلول الذكرى الـ14 للثورة، على "ضرورة تواصل المسار الثوري لتحقيق تطهير الإدارة، وحتى يكون البناء صلباً ولا يؤول بعد ذلك إلى السقوط".
وأكد رئيس الدولة أن "التحديات التي تواجه تونس كبيرة نتيجة عقود من التخريب والفساد الذي استشرى في كل مكان، ومن حق التونسيين المطالبة بالمحاسبة وتطهير الإدارة"، لافتاً إلى "وجود تحديات كبيرة، لكن الإرادة والعزيمة والثبات أكبر، والإيمان بضرورة الانتصار أعمق وأرسخ".
وأضاف، سعيد "نحن في سباق ضد الساعة، ونريد أن نختصر التاريخ، لا نريد أن يظلم أحد، ولا نريد أن يفلت أحد من المحاسبة، وعلى كل مسؤول أن يستحضر في كل لحظة آلام البؤساء والفقراء، ويعمل على تذليل كل الصعوبات".
ثورة تشريعية
عد الناشط السياسي المساند لمسار "25 يوليو" أحمد شفتر، أن "الإدارة في تونس تركة ثقيلة تركتها الحكومات السابقة، وبالأحرى المنظومة السابقة". مضيفاً "هذه الأنظمة السابقة لها أذرعها في كل الإدارات وهو ما أخر عملية الإصلاح وجعلها صعبة".
لكن شفتر يرى أن "الحديث عن الإصلاح يحتاج إلى ثورة حقيقة، وخصوصاً ثورة تشريعية، أي تغيير كل القوانين التي استغلت الإدارة التونسية منذ عقود لمصلحة اللوبيات والعصابات إلى قوانين أخرى لمصلحة عموم الشعب، وأيضاً ثورة داخل البرلمان من خلال المبادرات التي تقدمها الكتل النيابية أو الاقتراحات التشريعية من رأسي السلطة التنفيذية". معتقداً أن "جوهر القصة هو تشريعي في الأساس، لأن كل الحكومات السابقة هي مجرد أدوات لفائدة العصابات التي كانت تهيمن على البرلمانات السابقة"، بحسب تعبيره.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جانبه، عد رئيس حزب التحالف من أجل تونس سرحان ناصري، أن ما حدث عام 2012 من خلال انتداب المتمتعين بالعفو التشريعي العام هو عملية إرهابية أضرت بالإدارة التونسية وأغرقتها بعناصر أثقلت كاهل الدولة مادياً، وأسهمت في مزيد من انتشار الفساد داخل الإدارات".
وأضاف الناصري، أن هذه العملية استهدفت المنظومة الصحية والتربوية من خلال انتدابات في قطاع الصحة من ممرضين بشهادات مزورة، والشيء نفسه بانتداب معلمين وأساتذة مزيفين، وهذا "إرهاب لضرب الدولة، وإرهاب لمنظومة التربية، وإرهاب لمنظومة الصحة".
وشدد على ضرورة "تطهير الإدارة التونسية من هذا الإرث الثقيل الذي تركته أحزاب ما بعد 2011 في جل الإدارات والوزارات التونسية، فاليوم نشاهد هذا الخراب من خلال محاولة تعطيل هؤلاء لعملية الإصلاح".
وعد الناصري أن "التعيينات في حكم الترويكا بزعامة حركة النهضة كانت تقوم على النهم والجشع والنقمة، جاءوا لخلخلة البلاد فقاموا بزرع موظفي العفو التشريعي، ليس من أجل تعويضهم عن سنوات الجحيم كما يقولون، بل من أجل وضع مخطط لضرب مدنية الدولة ومؤسساتها وهو ما نعيشه اليوم".
نسيج الذكريات
يشار إلى أنه غداة الثورة عام 2011، أي بعد رجوع قيادات النهضة الإسلامية إلى تونس، صدر مرسوم ينص على عفو تشريعي عام من دون استثناء من حمل السلاح في وجه الدولة. وعن ذلك يقول العميد الأزهر القروي الشابي في مذكراته التي نشرها، أخيراً، تحت عنوان "نسيج الذكريات"، وكان آنذاك وزير العدل، إن "مجلس الوزراء اجتمع برئاسة رئيس الجمهورية الموقت للنظر في الموضوع تلبية لرغبة الجماهير والأحزاب السياسية والمجتمع المدني، وقرر الموافقة على إعداد مشروع مرسوم، وكلفه الوزير الأول بصياغته باعتباره وزيراً للعدل".
وأضاف، أنه كون لجنة تحت رئاسته بالوزارة تضم كبار القضاة، ونص المشروع على تمتيع كل المتهمين والمحكومين في جرائم الرأي والجرائم ذات الصبغة السياسية بالعفو العام، إلا أنه استثنى من الانتفاع به من رفع السلاح في وجه الدولة التونسية، وتولى إرساله إلى الوزير الأول.
وتابع الشابي، أن الوزير الأول اتصل به بعد يوم أو يومين ليعلمه أن الأحزاب والمجتمع المدني لم يوافقوا على استثناء من رفع السلاح في وجه الدولة التونسية من نطاق العفو، وطلب منه إعادة صياغة مشروع جديد لا استثناء فيه.
عودة إلى الوراء
من جانب آخر يرى وزير التشغيل الأسبق فوزي عبدالرحمان، أن "الإدارة كانت جزءاً من منظومة الحكم منذ الاستقلال"، موضحاً "كانت منظومة مندمجة في الأحزاب السياسية، وبقيت الإدارة حتى الثورة جزءاً في التنفيذي، وجزءاً في التشريعي، والأخير في القضائي". مواصلاً "بعد الثورة لم تكن الأحزاب السياسية جاهزة، ولم يكن لديها مشروع أو كفاءات عالية، لذلك اعتمدت على جزء من الإدارة، مما جعل الأخيرة جزءاً من الصراع الحزبي، وأصبحت الولاءات هي المحددة للتعيينات، بل أصبحت التعيينات العليا في الدولة مسألة خلافية ومحورية في الصراع السياسي".
ويضيف عبدالرحمان، "واصلت الأحزاب الحاكمة في تلك الفترة، أي بعد الثورة، استغلال الإدارة نفسها، ولم يقع تطويرها، وأصبح العقل الإداري والقانوني هو الطاغي، وغاب الإصلاح لانعدام مشروع فعلي لدى غالب الفاعلين السياسيين، إذ اكتفى السياسيون بالصراع على السلطة وتركوا الحكم للإدارة في الغالب".
ويرى الوزير الأسبق أنه "مع الرئيس الحالي قيس سعيد عادت الأمور إلى ما كانت عليه، فسعيد يعتمد على الإدارة كجزء من منظومة حكمه، لذلك لم نرَ في أية فترة سابقة أو حالية مشروعاً ولو بسيطاً لإصلاح الإدارة، الذي كان ينبغي أن يكون مسبوقاً بفكر يحدد مفهوم الإدارة في إطار مرجعية ديمقراطية. هذا التساؤل لم يأخذ حظه من النقاش، بل لم يناقش بتاتاً، وبقيت المنظومة الإدارية تحن إلى نفوذها ومرجعيتها الاستبدادية إلى اليوم".