ألقت تداعيات فيروس كورونا بظلالها الوخيمة على أداء البورصة المصرية المُنهكة بالفعل قبل الجائحة، ومع أنها أظهرت بعض القوة باستعادتها جزءاً من عافيتها مع إعادة فتح الاقتصاد في البلاد خلال يوليو (تموز) 2020، بعد إغلاق دام 3 أشهر من أبريل (نيسان) إلى يونيو (حزيران) الماضي، فإنها لا تزال في مرمى الخسائر بأي وقت، نتيجة توقعات لتفشي موجة ثانية من الجائحة.
وإجمالاً، فقد المؤشر الرئيسي نحو 22 في المئة من قيمته على مدار عام كامل من نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 إلى الشهر الحالي، وتقلص رأس المال السوقي للبورصة نحو 80 مليار جنيه (5 مليارات دولار أميركي) خلال الفترة نفسها.
اللون الأحمر يهيمن على 15 جلسة
لم تكن البورصة المصرية في أفضل حالتها عندما هاجمتها الجائحة، إذ عانت سلبيات محلية، أبرزها تأجيل برنامج طرح الشركات الحكومية فيها أكثر من مرة بعد طرح وحيد لجزء من أسهم شركة الشرقية للدخان (إيسترن كومباني) المملوكة للدولة، وإعادة فتح قضية التلاعب فيها خلال فبراير (شباط) الماضي.
كذلك أثر طرح شركة أرامكو السعودية، الذي وُصف بأكبر اكتتاب بالعالم، في أداء البورصة، علاوة على تجدد الجدل حول فرض ضريبة الدخل على أرباح البنوك العاملة في السوق نهاية فبراير الماضي. ولم يتوقف النزيف، حتى أعلن اتحاد البنوك المصرية توصله إلى اتفاق مع وزارة المالية والبنك المركزي بشأن هذه الضريبة، فضلاً عن ظهور أزمة البنك التجاري الدولي في القاهرة أكبر ذراع استثمارية انتهت باستقالة هشام عز العرب وتعيين شريف سامي مديراً غير تنفيذي له لإنهاء الأزمة.
وأنهكت العوامل السابقة البورصة المصرية، فمُنيت بخسائر فادحة، إذ ظلت المؤشرات في المنطقة الحمراء على مدار 15 جلسة متتالية، حتى أغلق مؤشرها الرئيس عند 13850 نقطة تقريباً فاقداً نحو 700 خلال نوفمبر 2019، مقارنة بأكتوبر (تشرين الأول) 2019.
ومع نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2019، استعادت جزءاً من خسائرها بشكل طفيف، مدعومة بمشتريات المستثمرين الأجانب، وسجّل رأس المال السوقي نحو 708.3 مليار جنيه (45 مليار دولار أميركي)، رابحاً نحو 3.2 مليار جنيه (204 ملايين دولار أميركي) نهاية الشهر، في حين حقق المؤشر الرئيسي (إيجي أكس 30) نحو 13961 نقطة.
خسائر كثيرة وأرباح قليلة
استقبلت البورصة عام 2020 بأداء ضعيف مع نهاية الربع الأول من العام، تزامناً مع اكتشاف أولى الحالات الإيجاببة لفيروس كورونا في القاهرة، إذ هبط المؤشر الرئيس بأكثر من 4400 نقطة كاملة بنسبة 32 في المئة، في حين خسر رأس المال السوقي نحو 25 في المئة، عندما سجل نحو 533 مليار جنيه (34 مليار دولار أميركي)، مفرطاً بـ 17 مليار جنيه (11 مليار دولار أميركي) مع نهاية مارس (آذار)، مقارنة بـ 708 مليارات جنيه (45 مليار دولار أميركي) في نهاية 2019.
وبعد خسائر مارس الكارثية، تمكّنت البورصة من استعادة جزء خلال الربع الثاني من العام الحالي، حينما أغلق مؤشر "إيجي إكس 30" الرئيس عند 10764 نقطة، مرتفعاً نحو 12 في المئة من 9593 نهاية مارس 2020، في حين حصد رأس المال السوقي مع نهاية الربع الثاني نحو 56 مليار جنيه (3.5 مليار دولار أميركي)، عندما ارتفع من 533 مليار جنيه (34 مليار دولار أميركي) في نهاية الشهر ذاته عام 2020 إلى 590 مليار جنيه (37.5 مليار دولار أميركي) مع نهاية الربع الثاني في 30 يونيو 2020.
واستردت البورصة جزءاً لا بأس به من خسائرها مع نهاية الربع الثالث في سبتمبر (أيلول) الماضي، حينما ربح رأس المال السوقي نحو 29 مليار جنيه (1.8 مليار دولار أميركي)، عندما أغلق عند 618.7 مليار جنيه (39.4 مليار دولار أميركي) مقابل 590 مليار جنيه (37.5 مليار دولار أميركي) بنهاية يونيو الماضي. في حين أغلق مؤشر (إيجي أكس 30) عند 10989 نقطة، مسجلاً ارتفاعاً بنحو 2.09 في المئة.
مع نهاية أكتوبر الماضي، تجددت الخسائر مرة أخرى للبورصة المصرية، عندما هبط مؤشرها الرئيسي 4.3 في المئة، حين أغلق عند 10515 نقطة، ليخسر رأس المال السوقي 2.1 في المئة من قيمته، عندما سجل 605.4 مليار جنيه (38.5 مليار دولار أميركي) هابطاً من نحو 618.7 مليار جنيه (39.4 مليار دولار أميركي)، مفرّطاً بنحو 13.5 مليار جنيه (860 مليون دولار أميركي).
وفي نهاية الأسبوع الأول من الشهر الحالي، ارتفع المؤشر الرئيسي للبورصة المصرية من 10515 نقطة أواخر أكتوبر الماضي إلى 10629 نقطة، بنسبة تتخطى الواحد في المئة بقليل، في حين ربح رأس المال السوقي نحو 4 مليارات جنيه (255 مليون دولار أميركي)، عندما ارتفع من 605.4 مليار جنيه (38.5 مليار دولار أميركي) نهاية الشهر السابق إلى 609.6 مليار جنيه (38.7 مليار دولار أميركي).
على مدار العام ومنذ بدايته، استحوذت تعاملات المصريين نحو 75.3 في المئة من قيم التداول للأسهم المقيدة بعد استبعاد الصفقات، بينما اقتنص الأجانب 18.1 في المئة، وأخيراً سجل العرب 6.6 في المئة.
أسباب الخسائر
شخّص عدد من المتخصصين في شؤون أسواق المال المصرية أداء البورصة على مدار عام كامل، معتبرين أن عوامل داخلية محلية وأخرى خارجية عالمية كان لها تأثير في مجمل أداء المؤشرات منذ نوفمبر 2019.
يقول وائل النحاس، المتخصص في شؤون الأسواق المالية المصرية، إن تعثراتها تمتد إلى الفترة التي سبقت تفشي كورونا في العالم ومصر، مع ضغوط محلية هوت بجميع المؤشرات بنسب حادة وعنيفة منذ بداية العام الماضي وليس خلال نوفمبر 2019 فحسب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح، أن تأجيل برنامج طرح الشركات الحكومية في البورصة أكثر من مرة عام 2019 أبرز الأسباب التي أثرت سلباً في الأداء. وتابع، عدا عن تلويح الحكومة بفرض ضريبة الدخل على الأرباح وانعكاسه على أداء البنوك العاملة في السوق، من بينها البنوك المدرجة في البورصة، التي قادت سوق الأسهم إلى مزيد من الخسائر، حتى أعلن اتحاد البنوك توصله إلى اتفاق مع وزارة المالية والبنك المركزي بشأن الضريبة، ووقف تنفيذها.
وحول تقييم أداء البورصة في ظل تفشي الجائحة، قال النحاس، إنها تأثرت مثل نظيراتها العالمية بالتداعيات السلبية، مع فرض الحكومة إغلاقاً تاماً لـ 3 أشهر بسبب الفيروس، ما كبّد الشركات المقيدة خسائر متتالية.
آمال الانتعاش
وقالت حنان رمسيس، المتخصصة في شؤون البورصة المصرية، إن أداء المؤشر الرئيسي في نوفمبر 2019 كان سيئاً، ورغم توقع حدوث انتعاش وتعاف جزئي في ديسمبر الماضي مع إغلاق طرح أرامكو السعودية، فإن أنباء كورونا تسببت في عدم استرجاع البورصة خسائرها ولو بشكل محدود.
وأضافت، الأرباح التي حققتها البورصة بعد فتح الاقتصاد المصري في يونيو ويوليو (تموز) الماضيين لم تكن من جراء تحسن نتائج أعمال الشركات المقيدة بالبورصة، بل من المضاربات على الأسهم المقيدة، ما حصل في أغلب العالم، حيث حققت أرباحاً خيالية، ولا يمكن الاستناد إليها في تقييم أداء البورصة، لأنها ليست عن نتيجة أعمال حقيقية للشركات.
أكد شريف سامي، العضو غير التنفيذي للبنك التجاري الدولي، أن استقرار أسعار النفط عند مستوياتها الحالية من العوامل الرئيسة التي تدفع بورصات المنطقة في الفترة المقبلة حتى نهاية العام إلى جذب مزيد من المتداولين الذين فضلوا الابتعاد عن الاستثمار في البورصة خلال الفترة الماضية. متوقعاً انتعاش الأسواق العالمية مع تنافس شركات أدوية كبرى لإنتاج لقاح لكورونا.
أضاف إن التوقعات الجيدة تستمد قوتها أيضاً من الإعلان عن خطة التحفيز الأميركية المرتقبة للرئيس المنتخب جو بايدن، المقدرة بـ 2.4 تريليون دولار، وهي من الدوافع التي أعادت المستثمر إلى المخاطرة بالأسهم بعد انتهاء الانتخابات. مشيراً إلى أن الحكومة المصرية تدخلت في الوقت المناسب لرفع مناعة بورصتها ضد التداعيات السلبية لجائحة كورونا، إذ اتخذت إجراءات احترازية بحزمة اقتربت من الـ 20 مليار جنيه (1.2 مليار دولار أميركي).
سيناريوهات المستقبل
تابع، إن قطاعات الرعاية الصحية والتعليم والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والمدفوعات الإلكترونية هي الرابح الأكبر مالياً من تداعيات الجائحة، وقد انعكس ذلك على أسهم بعض الشركات العاملة في هذه المجالات خلال النصف الأول من العام.
وعن المتوقع خلال الفترة المقبلة، قالت رضوى السويفي، المتخصصة في شؤون الأسواق المالية، يوجد سيناريوهان، الأول، حالة من الهدوء التدريجي في الأوضاع الصحية عالمياً ومحلياً مع بداية يناير (كانون الثاني)2021 تنعكس إيجاباً على الحركة الاقتصادية العالمية والمحلية. والثاني، وهو الأكثر تشاؤماً يرتكز على بدء التحسن في ديسمبر (كانون الأول) 2021، على أن يجني العالم ثماره في 2022.