فتح الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما صندوق ذكرياته، ليخرج ما فيه من أسرار إلى العلن، وفتح معه من جديد النقاش حول التداعيات السلبية لتدخل بلاده ضمن حلف دولي واسع في الثورة الليبية، وكيف أسهم في دخول البلاد دوامة فوضى، لم تخرج منها حتى يومنا هذا.
وعبّر أوباما، في الجزء الأول من مذكراته، التي حملت اسم "أرض موعودة"، عن ندمه على قرار التدخل في ليبيا، متهماً الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق ديفيد كاميرون بتوريطه في خوض هذه الحرب، على الرغم من تحذيرات نائبه السابق والرئيس المنتخب جو بايدن، من مغبة التورط في هذه المسألة، معتبراً أنه "من الجنون الدخول في حرب إضافية".
وأثارت كلمات بايدن هذه كثيراً من التساؤلات حول التغيير المحتمل في سياسة واشنطن بشأن الملف الليبي، والتوجه الجديد المحتمل للإدارة الديمقراطية في البيت الأبيض، لإصلاح الخطأ الذي وقع به أوباما، واتخاذ نهج أكثر وضوحاً مما كان عليه في ولاية دونالد ترمب، بخاصة تجاه التدخل التركي في ليبيا الذي أغضب الحلفاء الأوروبيين، بينما تعاملت معه واشنطن بلين وتجاهل مثيرين للشك والاستغراب.
ذكريات سيئة والخطأ الكبير
ويسرد الرئيس الديمقراطي الأسبق في بعض صفحات "الأرض الموعودة"، تفاصيل ما جرى قبل وأثناء اتخاذ مجلس الأمن القرار الدولي الخاص بالتدخل في ليبيا، لحماية المدنيين من بطش نظام معمر القذافي.
وتبين هذه التفاصيل، أن أوباما يحتفظ ببعض من أسوأ ذكرياته حول هذا التدخل العسكري، حيث يعترف أنه اتخذ قراره هذا بتأثير من ساركوزي وكاميرون، بخاصة الأول، الذي يستذكر أنه خلال موجة الربيع العربي والتدخل في ليبيا، "تعرض لانتقادات شديدة في فرنسا، لدعمه نظام (زين العابدين) بن علي في تونس حتى النهاية، وفجأة اعتنق قضية الشعب الليبي".
وحاول أوباما أن يقلل من حجم مسؤوليته الشخصية ومسؤولية بلاده، في قيادة ليبيا إلى حافة الهاوية، وحالة غير مسبوقة من الفوضى في المنطقة المحيطة بها برمتها، متهماً أوروبا بقيادة الحملة التي أدت إلى سقوط نظام القذافي، بعد ستة أشهر من التدخل الدولي، بقوله "التحالف الدولي هاجم ليبيا، واستحوذت الطائرات الأوروبية على المجال الجوي، في حين أكد ساركوزي أن أول طائرة تدخلت كانت فرنسية".
وكان أوباما اعترف في وقت سابق، بأن أسوأ خطأ في فترته الرئاسية كان متعلقاً بليبيا، بقوله "أكبر خطأ ارتكبته في فترتي الرئاسية على الأرجح، كان عدم وضع خطة لمتابعة الوضع في ليبيا، بعد التدخل العسكري فيها، ما أسهم في حالة الفوضى".
تراكم الأخطاء
ليست قضية التدخل العسكري والنتائج التي ترتبت عليها، الخطأ الوحيد في التعامل مع الملف الليبي، حيث واجهت الخارجية الأميركية في عهده، واحدة من أكبر أزماتها، المتمثلة في هجوم بنغازي عام 2012، والذي أدى إلى مقتل السفير الأميركي كريستوفر ستيفينز وثلاثة أميركيين آخرين، حيث اتهمت الإدارة الأميركية في حينها بأنها تدفع ثمن سياستها الخارجية الكارثية، المتمثلة فى دعم المسلحين الإسلاميين فى ليبيا، التي انتهجتها وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، في الفترة بين 2009 وبداية 2013.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكشفت قضية التسريبات الشهيرة، المعروفة باسم وثائق كلينتون، بحسب ما قال مؤسس ويكيليكس جوليان أسانج، الذي نشر هذه الرسائل قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، عن إسهام وزيرة الخارجية السابقة في تسليح الإرهابيين في ليبيا، حيث روجت لإستراتيجية لتسليح المعارضة "الإسلامية"، لكن جماعات راديكالية تحصلت في النهاية على الأسلحة، وكان من بينها الإخوان والقاعدة و"داعش"، وفقاً لتقارير دولية متعددة صدرت بعد ذلك.
وقال أسانج في ذلك الوقت، إن الحرب في ليبيا كانت حرب كلينتون، وأن أوباما منذ البداية كان يعارض التدخل العسكري، وهو ما لم يذكره الرئيس الأسبق في مذكراته.
وادعى أسانج أن كلينتون كانت تنظر إلى الإطاحة بالقذافي، كورقة يمكن استخدامها في سباق الانتخابات الرئاسية، مشيراً إلى أن الوثيقة الداخلية التي أُعدت لها في أواخر عام 2011 وتسمى بـ"ليبيا: تسلسل الأحداث"، تمثل توصيفاً زمنياً لعملية تدمير ليبيا، التي كانت وزيرة الخارجية عنصراً أساسياً فيها، بحسب قوله.
ليبيا في زمن ترمب
لم تكن الدبلوماسية الأميركية تجاه الملف الليبي في بداية ولاية ترمب، مرضيةً للرأي العام المحلي، ولا لحلفاء واشنطن في أوروبا، الذين تضرروا من تداعيات الأزمة الليبية على أكثر من صعيد.
لكن التحرك الأميركي، منذ منتصف العام الحالي، للضغط على الأطراف المحلية وحلفائها الداعمين لها من الخارج، لقي ترحيباً داخل ليبيا وخارجها، لإسهامه في دفع المسار التفاوضي في البلاد، الذي حقق تقدمات كبيرة في الآونة الأخيرة.
في انتظار بايدن
أبرز الانتقادات التي وجهت لإدارة الرئيس ترمب، حيال سياسات حكومته في الملف الليبي، كانت متعلقة بالتهاون المريب تجاه التدخل التركي.
هذا الوضع يبدو أنه سيتغير مع تولي بايدن الحكم، خصوصاً أنه صرح في أكثر من مناسبة أثناء حملته الانتخابية أنه إذا تولى الرئاسة سيتخذ إجراءات أكثر حدة تجاه الرئيس التركي، ليس في ليبيا فحسب، بل في البحر الأبيض المتوسط بالكامل، أبرز مراكز الصراع الدولي على الطاقة في العالم حالياً، وفق أستاذ العلوم السياسية الليبي جمال الشطشاط.
وكانت أشهر تصريحات بايدن بخصوص سياسة بلاده ونهج تعاملها مع تركيا، عندما وصف أردوغان بأنه "مستبد"، وندد بسياسته تجاه الأكراد ودعا إلى دعم المعارضة.
وقال بايدن وقتها "يجب أن يكون لدينا نهج مختلف تماماً معه (أردوغان)، وأن نوضح أننا ندعم قادة المعارضة"، مشدداً على "ضرورة تشجيع خصوم الرئيس التركي حتى يتمكنوا من مواجهته وهزيمته، ليس عبر انقلاب، بل بالعملية الانتخابية".
ويرى الشطشاط، أن الملف الليبي سيكون أبرز الملفات، التي يتوقع أن يبدأ منها بايدن المواجهة مع أردوغان، إذا نفذ تهديداته له ولحكومته، لعدة أسباب تتعلق بحجم التدخل التركي في ليبيا، والتوجه الدولي المتزايد لإنهاء هذا التدخل كواحدة من أهم الخطوات لحل الأزمة الليبية.
ويتساءل "كيف سيتمكن بايدن من التعامل مع معضلة التدخل الروسي في ليبيا، الداعم لمعسكر الشرق المعارض لتركيا؟"، مشيراً إلى أنه "لطالما قيل إن هذا التدخل سبب تغافل الإدارة السابقة عن تحركات أردوغان فيها. كما تشير مصادر داخل ليبيا وخارجها إلى أن التدخل العسكري التركي جاء بناءً على ضوء أخضر من واشنطن، لمواجهة أطماع موسكو في البلد الشمال أفريقي، صاحب الأهمية الجيوستراتيجية الكبيرة والخطيرة".