في السودان، ملايين الفتيات يومياً في مختلف الولايات، يتعرّضن لجريمة الختان على مرأى ومسمع المجتمع والسلطات، ولم يطلق النظام السابق أي مواد جادة لتجريمه، ويتم دائماً في العلن لدرجة إقامة احتفال بمناسبة ختان إحداهن.
وعندما يتعلق الأمر بالعادات والتقاليد، تصبح مناهضتها من الأمور الصعبة، لذلك لم ترغب الحكومات السابقة بالتدخل فيها لعدم فقدان شعبيتها، ومعلوم أن المنظمات الحقوقية أجرت إحصائيات أثبتت أن 87 في المئة من الفتيات والسيدات السودانيات عانين من الختان.
انتصرت لهن الثورة
وخلافاً لرغبتهن في حياة كريمة واقتصاد معافى، كانت القضايا النسوية أكبر دافع للسودانيات للمشاركة في الثورة، وطالبن منذ بدايتها بحل القضايا الخاصة بدءاً بالمطالبة بمنع زواج القاصرات، وتمثيل النساء في الحكم وتعديل قانون الأحوال الشخصية، مروراً بوقف العنف ضد المرأة، وآخر الانتصارات تجريم ختان الإناث.
وأعلنت وزارة العدل السودانية مصادقة مجلس السيادة الانتقالي في البلاد على قانون يُجرّم ختان الإناث، هذا القانون جاء بعد مصادمات ونضالات الناشطين الحقوقيين الطويلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
العقوبة ثلاث سنوات
وعقوبة ختان الإناث تصل للسجن ثلاث سنوات مع الغرامة، وتسقط على مجري العملية حتى لو كان طبيباً، والمادة المعدلة تنص على أنه "يعد مرتكباً للجريمة كل من يقوم بإزالة أو تشويه العضو التناسلي للأنثى، ما يؤدي إلى ذهاب وظيفته كلياً أو جزئياً سواء كان داخل أي مستشفى أو مركز صحي أو مستوصف أو عيادة أو غيرها من الأماكن، ويعاقب من يرتكب الجريمة بالسجن مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات وبالغرامة".
وقالت إحسان فقيري الناشطة في حقوق المرأة ورئيسة مبادرة "لا لقهر النساء"، "تم إدخال المادة 141 بتجريم الختان، ولكن للأسف لم تحدد أي عقوبة على الفاعل إذا كان كادراً صحياً أم غيره. لذا فإن هذا القانون لا يحفظ حقوق الطفل، هذا نوع من الاستهبال السياسي القانوني"، وأضافت، "لا بد من تفعيل آليات لحماية الأسرة والطفل وسرعة التحرك لمنع وقوع الجريمة، وأن يكون الخط الساخن ساخناً فعلاً، وأن تتم مراقبة الأحياء عن طريق متطوعين لإرسال رسائل".
وعن دور المبادرة، تابعت أن "لا لقهر النساء"، أسهمت من خلال المنتديات الشهرية والحملات التوعوية للنساء في الأحياء، ورفع المذكرات والاحتجاج السلمي لتفعيل قوانين تُجرّم الختان".
قوانين أخرى
وتجريم الختان، تم ضمن تعديلات أخرى تمت أخيراً، أبرزها حق المرأة في اصطحاب أطفالها في حال السفر خارج البلاد.
وهذه التعديلات لقيت إشادة من رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك الذي قال في تغريدة له على "تويتر"، "المراجعات والتعديلات القانونية ستستمر حتى نكمل معالجة التشوهات كافة في النظم القانونية في السودان".
ولفت الصحافي والمدافع عن حقوق الإنسان مناف محمد أحمد إلى أن قانون تجريم الختان سيسهم في ردع المجتمع، ولكن في رأيي العقوبة المتمثلة في ثلاث سنوات غير كافية، عندما يتم سجن المجرم حتماً سيخرج من السجن ويعاود نشاطه".
ورأى مناف ضرورة "إلزام مرتكب الجريمة بتقديم خدمة متمثلة في مناهضة الختان، حتى يخلق وعي لديه. أيضاً إضافة الجريمة في السجل الإجرامي لمرتكبها".
رأي المجتمع
جميلة الهادي المختصة الاجتماعية ترى أن "السودان متعدد الثقافات، ومن الصعب جداً إنهاء ظاهرة ختان الإناث بسرعة. الأمر يحتاج إلى عمل مكثف لإقناع الأسر بخطورة الموضوع على بناتهن مستقبلاً. وذلك بإقامة ورش مستمرة، لأن القانون وحده لن يكون رادعاً ولن يسهم من دون عمل مكثف في تغيير العادات والتقاليد الضارة".
أضافت الهادي، "الصدمة التي تتعرض لها الفتاة جراء الختان كبيرة وتؤثر في سلوك الفتاة وتخلق فيها الرهبة والخوف من المجتمع. وبحسب الإحصائيات، فإن الختان تناقص أخيراً في المدن، ولكن ما زال يُمارس بصورة كبيرة في القرى والمناطق الطرفية".
ويرى المحامي عبد الوهاب محمد أن "السجن ثلاثة أعوام والغرامة عقوبة رادعة قد يراها البعض غير مناسبة مع فداحة الجريمة، إلا أنه حتى مع حكم الإعدام، هناك من يقتل. الفيصل هنا التوعية والعمل مع الدولة والقانون، حتى نتخلص من الظاهرة كلياً".
وفي استطلاع رأي، ترى الغالبية أن ختان الإناث ليس مجرد عادات وتقاليد، بل سنة نبوية يجب اتباعها، و50 في المئة كانت مع ختان الإناث، 30 في المئة قالت إنها ضده، بينما 20 في المئة ختنت بناتها بسبب الضغوطات من قِبل أسرها.
تأخر الإنجاب والعقم
وقالت إحدى السيدات اللواتي تم استطلاع رأيها أن "من يقوم بمناهضة ختان الإناث متمرد على العادات والتقاليد والدين، ومهما كانت العقوبات سأقوم بختان حفيداتي"، بينما قالت سيدة أخرى، "لن أختن بناتي حتى لو تعرضت لضغوطات خارجية، لأنني بسبب الختان، كدت أن أموت في ولادة ابني الأكبر، ولن أجعل بناتي يواجهن التجربة ذاتها".
وتقول الطبيبة سماح هاشم، "تواجه النساء مشكلات كبيرة جداً ومتكررة في السودان بسبب الختان، مثل التهابات البول والرحم، ما يؤدي إلى تأخر الإنجاب والعقم".