في سرت التي تقع على خط الجبهة في ليبيا، والتي لا تزال أجزاء منها مدمرة، وضعت اللجنة التي تشكلت للإشراف على وقف إطلاق النار بين الخصمين المتحاربين، اسمها على مركز مؤتمرات كبير في وسط المدينة، في علامة ظاهرية على التزامها بالسلام.
ووقف إطلاق النار متماسك حتى الآن، وتم تنفيذ بعض عناصر الهدنة، حيث استؤنفت الرحلات الجوية بين مدينتي طرابلس وبنغازي المتنافستين، وغادر المسلحون الأجانب منشآت النفط التي تمثل مفاتيح الاقتصاد الليبي.
لكن اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة في شمال ليبيا، التي يشارك فيها خمسة ضباط من كل جانب، لم تحرز تقدماً بعد في شأن مطالب رئيسة أخرى لاتفاق توسطت فيه الأمم المتحدة، مما يسلط الضوء على هشاشته.
ولم يسحب طرفا الحرب الأهلية، التي خلفت آلاف القتلى وأشاعت الفوضى، قواتهما بعد من جبهات القتال، كما لم يفتحا طريقاً ساحلياً رئيساً يربط سرت بمصراتة، ولم يطهرا صفوفهما من المرتزقة الأجانب.
وقال محمد مفتاح (33 عاماً)، وهو رئيس جمعية خيرية في سرت، "الخطر لن ينتهي ما لم تكتمل عملية المصالحة الوطنية"، ملخصاً شكوك الرأي العام حول السلام الدائم.
تحدي الحكومة الانتقالية
منذ أن صدت حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، هجوم قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، وأبعدتها من العاصمة طرابلس في يونيو (حزيران)، أفسح القتال المجال للصراع السياسي.
ووضعت الجهود الدبلوماسية التي تقودها الأمم المتحدة خريطة طريق لانتخابات نهاية العام المقبل، ونفذت عملية تدقيق في البنك المركزي المنقسم بين الجانبين.
وأمام المشاركين الـ 75 في الحوار السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة، والمنفصل عن عمل اللجنة العسكرية، موعد الانتخابات المقررة في 24 ديسمبر (كانون الأول) 2021، ولم يتفقوا حتى الآن على حكومة انتقالية موحدة للإشراف على التصويت.
وقال عضو البرلمان في شرق البلاد، حمد البنداق، إن التقدم في المحادثات السياسية تباطأ عندما بدأ الأعضاء يبحثون مسألة من سيكون في المجلس الرئاسي الجديد ومن سيكون في الحكومة، مضيفاً أن الطرفين وصلا إلى "نقطة انسداد".
خطوط الجبهة
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
موقع سرت قرب مرافئ تصدير النفط الرئيسة واعتبارها بوابة "الهلال النفطي" في البلد العضو ضمن منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، جعلها جائزة كبرى في الحرب الأهلية، وهي حالياً تخضع لسيطرة الجيش الوطني الليبي.
ومركز "واغادوغو" للمؤتمرات المميز بقبته في المدينة، والذي بات الجزء السليم منه الآن مقرّ اللجنة العسكرية المشتركة، يعد تذكيراً بالمخاطر.
والمبنى هو الأكبر الذي أنشأه الزعيم الليبي السابق معمر القذافي في مسقط رأسه، واستضاف فيه عام 2009 قمة الاتحاد الأفريقي، لكنه الآن يحمل ندوب رصاص وشظايا معركة دارت أثناء انتفاضة عام 2011، التي أطاحت الزعيم الراحل. وبعد أن سيطر تنظيم "داعش" على سرت عام 2015، جرى طلاء المركز بألوان رايته السوداء.
أما اليوم، فقد علقت اللجنة لافتة جديدة في المقر، حيث يحاول مفاوضون من حكومة الوفاق الوطني والجيش الوطني الليبي الاتفاق على تفاصيل اتفاق وقف إطلاق النار الذي جرى التوصل إليه الشهر الماضي.
التزام لم يكتمل
وتعهد الطرفان بإخراج المرتزقة الأجانب من البلاد بحلول أواخر يناير (كانون الثاني)، وسحب القوات من الخطوط الأمامية، وفتح الطرق عبر خطوط المواجهة.
لكن مبعوثة الأمم المتحدة إلى ليبيا بالإنابة، ستيفاني وليامز، قالت الأسبوع الماضي لمجلس الأمن الدولي، إن حكومة "الوفاق" ما زالت تنفذ دوريات، ولا يزال الجيش الوطني يقيم تحصينات جديدة، بينما استقبل الطرفان طائرات شحن في قواعد يستخدمانها لجلب الإمدادات.
وقال دبلوماسي غربي متخصص في الشأن الليبي، إن الجانبين طلبا رقابة خارجية محدودة لوقف إطلاق النار، مما يعد مؤشراً إلى أنهما لا يعتزمان تنفيذ عمليات انسحاب جديدة لحين اتضاح الرؤية أكثر في ما يتعلق بالموقف السياسي.
ضغط المعيشة
وفي سرت، تشير صفوف تصل إلى 50 سيارة عند محطات الوقود إلى صعوبات الحياة اليومية قرب الخطوط الأمامية. وتسبب تردي أحوال المعيشة في طرابلس غرباً وفي بنغازي شرقاً هذا الصيف في احتجاجات على نطاق واسع.
وقالت وليامز إن هذا الاستياء العام سيساعد في جهود التوصل إلى اتفاق. وساعدت العملية التي تقودها الأمم المتحدة في إنهاء حصار استمر نحو ثمانية أشهر من جانب الجيش الوطني الليبي لمنشآت نفطية، والذي فاقم المشكلات الاقتصادية شرق وغرب البلاد.
أما المسار الثالث للمحادثات، بخلاف اللجنة العسكرية والعملية السياسية، فهو المفاوضات الاقتصادية. وفي هذا الملف أيضاً تستمر الخلافات، خصوصاً في ما يتعلق بالمؤسسة الوطنية للنفط والبنك المركزي.