غير مكترثة بارتفاع الأسوار وخطورتها ونظرة الاستهجان من المتفرجين والمارة، تعتلي الشابة دانيا الصياد (17 سنة) بكل خفة ورشاقة، أسوار البلدة القديمة في مدينة القدس (وسط الضفة الغربية)، وتقفز فوق أسطح منازلها مع حركات الدحرجة والتوازن، ليس لتطبيق حركات خطرة كانت قد تدربت عليها على مدار عام كامل فحسب، بل لتثبت للجميع أن رياضة الباركور التي هيمن عليها الذكور لسنوات، لم تعد كذلك.
كسر القواعد
داخل مركز برج اللقلق المجتمعي، انتظمت الصياد وفتيات أخريات في فريق "باركور القدس" ليصبحن أول فلسطينيات يمارسن تلك الرياضة، على الرغم من كل المعوقات المجتمعية وانعدام الإمكانات الآمنة لممارستها.
تقول الصياد "واجهت في البداية انتقادات عديدة من الأسرة والمجتمع، لأن رياضة الباركور كانت مقتصرة على الرجال، فحركات القفز والتسلق والدحرجة حسب البعض، لا تتناسب مع جسد الفتاة وأنوثتها، لكن الحرية والمتعة والمغامرة التي أشعر بها أثناء ممارستي لتلك الرياضة، كانت الدافع لتمسكي بها وتشجيع فتيات أخريات على الانضمام إليها".
تضيف "تتحمس الفتاة فى مرحلة معينة من عمرها لكسر القواعد وتجربة كل ما هو غير مألوف لإثبات نفسها، ورياضة الباركور على الرغم من خطورة إصاباتها، في تسببها بإعاقة دائمة أو مؤقتة في حال فشل الحركة، أو حدوث تشنج عضلي مفاجئ، إلا أنها ساعدتني على تخطي المخاطر وصقلت شخصيتي بشكل إيجابي. فعندما أقفز عالياً في الهواء أشعر بالحرية المطلقة التي حرمنا منها في مدينة القدس، بسبب الجنود والمستوطنين الذين يحاصروننا عند ممارسة تلك الرياضة"، مشيراً إلى أنها تطمح مستقبلاً إلى أن تكون "لاعبة باركور متمرسة، بل ومدربة لفتيات أخريات بحاجة إلى هذا النوع من الرياضة".
رياضة مختلطة
وعلى الرغم من الطابع المحافظ للمجتمع الفلسطيني عموماً، بدأت رياضة الباركور تنتشر حتى شهدت معظم الفرق والنوادي المختصة بالجمباز والباركور والفنون القتالية المختلفة (كاراتيه وكونغ فو وتكواندو...) نهوضاً لافتاً في مشاركة النساء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لم يختلف الأمر كثيراً بالنسبة إلى الشابة كيت خير (22 سنة)، حين انضمت إلى "مجموعة باركور بيت لحم" وكانت الفتاة الوحيدة بين مجموعة من الأولاد، يمارسون رياضة الباركور في ساحة مهد السيد المسيح، الأمر الذي قالت، إنه كان يثير دهشة كثيرين.
وبين مشجع لهذه الرياضة ومعارض لها، حرصت خير على إقناع من حولها ممن يرون أنها لعبة خشنة لا تصلح للفتيات. وتقول "كنت لاعبة جمباز عادية، إلى أن شاهدت عرضاً للباركور داخل جامعة بيت لحم (جنوب الضفة الغربية)، ومن هناك قررت الانضمام إلى الفريق الذي كان حكراً على الأولاد فحسب. وخلال عامين من التدريب المكثف واللعب في الأماكن المفتوحة كالحدائق والساحات وأزقة الأحياء، تمكنت من تشجيع 15 فتاة على الانضمام إلى الفريق، وهو ما دفعني إلى إحداث تغيير جذري في المجتمع الفلسطيني، وتعزيز فكرة الرياضة المختلطة".
منتخب فلسطين للباركور
عبر متابعة مقاطع فيديو خاصة برياضة الباركور عبر الإنترنت، وتقليد أهم الحركات والمهارات، تمكن الشابان المقدسيان سامي البطش، وقتيبة أبو سنينة عام 2012 من تأسيس أول نواة لهذه الرياضة في الضفة الغربية، واستطاعا مع المعيقات الإسرائيلية العديدة التي تواجههم، واعتقال اللاعبين وملاحقتهم، من ضم أكثر من 100 عضو تتراوح أعمارهم بين 9 و24 سنة. وعلى الرغم من ارتفاع أعداد المنتسبين لتلك الرياضة بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، لا تزال فرق الباركور في فلسطين تعاني من تهميش كبير على المستوى الرسمي، الذي يرفض الاعتراف بها كرياضة عالمية.
يقول البطش إن "فلسطين من أوائل الدول في الوطن العربي التي انتشرت فيها رياضة الباركور، وبات ضرورياً احتواؤها واحتضانها، بخاصة مع كثرة فرقها في الضفة والقدس وقطاع غزة"، مشيراً إلى أنها "تحتاج إلى دعم حقيقي من وزارة الشباب والرياضة، من حيث المعدات وأماكن التدريب والتأمين الصحي للاعبين، فالباركور من الرياضات الخطرة التي تحتاج إلى وسائل أمان وسلامة عالية. نحن كفريق نسعى إلى إيجاد آليات دعم رياضة الباركور بشكل جدي، وإمكانية تشكيل اتحاد يختص باللعبة وتطويرها، ونحلم منذ سنوات بإدراجها تحت إطار رسمي والعمل على نشرها بشكل منظم من أجل تأسيس منتخب باركور، يمثل فلسطين في الاستحقاقات والعروض الخارجية، وأن نقف بجوار لاعبي الباركور العالميين".
ويضيف، "البلدات القديمة كما في القدس ونابلس والخليل وبيت لحم، تنسجم كثيراً مع رياضة الباركور، فالمنازل والأسطح متقاربة من بعضها بعضاً، ما يساعد على انتشار هذه الرياضة في فلسطين أكثر من غيرها. ومع استمرار جائحة كوفيد-19، زاد الاهتمام برياضة الباركور، فالشوارع والساحات والأزقة الضيقة خالية من المارة، ومناسبة للتدريب على ما شاهده الشباب عبر الإنترنت، من دون إحداث أضرار أو إزعاج".
وكان الفرنسي ديفيد بيل، ابتكر رياضة الباركور أثناء تدريباته العسكرية في الجيش، حيث دمجها مع بعض الفنون القتالية ونشاطات بدنية كالجمباز.