رفعت وزارة الدفاع التونسية درجة التأهب على الحدود مع ليبيا، نظراً لما يشهده الوضع الأمني في ليبيا من توتر، واتخذت الاحتياطات الميدانية كافة لتأمين الحدود الجنوبية الشرقية ومواجهة التداعيات المُحتملة للحرب في طرابلس.
وعلى الرغم من الدلائل الواضحة للجميع بأن الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر يستعد لعملية عسكرية واسعة في مناطق غرب ليبيا، لتطهير العاصمة طرابلس ممن وصفهم حفتر بالمليشيات التي تسيطر عليها، فقد تعاملت الأطراف كلها مع الحدث بشيء من الدهشة، ربما لمحاولة عدم تحمل تبعات هذا العمل العسكري، الذي سبق عقد المؤتمر الوطني الجامع في مدينة غدامس في الـ 15 من أبريل (نيسان) 2019 والذي دعت إليه الأمم المتحدة ليكون بوابة لحل سياسي جديد يُطرح بين الأطراف الليبية.
المخاوف من تصاعد الصراع العسكري في مناطق الغرب الليبي وتأثيرها المباشر في تونس، دفعت بمجلس الأمن القومي إلى إعلان حالة الطوارئ القصوى، على الرغم من أن رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي كان قد أعلن قبل شهر، أنه لن يجدد بقرار منه، إعلان حالة الطوارئ، وأحال مشروع القانون على مجلس النواب لتحديد الحالات التي يمكن فيها إعلان ذلك، وبرر موقفه بالانتقادات الموجهة لرئيس الجمهورية بشأن استمرار حالة الطوارئ في تونس. لكن انعكاس الأوضاع العسكرية في العاصمة الليبية طرابلس، أجبر رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الأمن القومي على اتخاذ هذا الإجراء مرة جديدة.
تعزيزات عسكرية كبيرة على الحدود
منذ سقوط نظام العقيد القذافي شكّلت الحدود بين البلدين نقطة ضعف كبيرة، وكانت طوال سنوات ممراً لتهريب الأسلحة والإرهابيين، كما أسهمت حالة الفوضى التي لا تزال تسيطر على الأوضاع في الجهة الليبية من الحدود، بدفع الجيش التونسي، وخصوصاً بعد العمليات الإرهابية في متحف باردو، ثم العملية الإرهابية في فندق بمدينة سوسه، إلى حفر خندق لمنع التهريب بمختلف أشكاله، ونشر منظومة الكترونية لمراقبة الحدود التي تتجاوز 400 كيلومتر، بدعم من الولايات المتحدة وألمانيا.
وعلى الرغم من كل هذه الإجراءات، وبسبب الخوف من حدوث انهيار في الجماعات المسلحة المسيطرة على الكثير من مناطق غرب ليبيا، دفعت الحكومة التونسية بتعزيزات عسكرية إضافية للمناطق الحدودية خوفاً من محاولات هروب أو خروق أمنية، بحسب ما جاء في بيان صادر عن وزارة الدفاع.
استعدادات أمنية لمواجهة كل طارئ
وزير الداخلية التونسية هشام الفوراتي أوضح أن التنسيق بين القوات العسكرية والأمنية، في اعلى مستوياته في مناطق الجنوب التونسي، وأن مجلس الأمن القومي أقر وضع خطة أمنية استعدادا لكل طارئ. و هذه التجهيزات وصفها الخبير الأمني العميد المتقاعد علي الزرمديني بأنها "تأتي لمواجهة ارتدادات الوضع المتأزم في ليبيا، والذي ينذر بحرب أهلية قريبة جداً من حدودنا، لها انعكاسات كبيرة على أمننا الداخلي، إذ يمكن أن ينتقل الخطر الينا مع احتمال تسلل إرهابيين، عبر موجة نزوح، يُعتقد أنها قد انطلقت بوادرها".
مخاوف متصاعدة من انفلات الوضع الأمني
كذلك يسود قلق كبير على مختلف المستويات السياسية والعسكرية والمجتمعية أيضاً، من تصاعد التوتر خصوصاً أن المنفذ الوحيد للمواطنين الليبيين من جحيم المعارك، هو تونس، التي تعُتبر الجار الأقرب جغرافياً للعاصمة طرابلس والمناطق المجاورة. ولم يزل الشارع التونسي يذكر تدفق أكثر من مليون ونصف المليون مواطن ليبي الى تونس، بعد الحرب التي شهدتها ليبيا في العام 2011، وانتهت بسقوط نظام العقيد القذافي.
الرأي العام انقسم بين أغلبية تعتبر أن القضاء على الفوضى والإرهاب في الغرب الليبي سيشكل مكسباً لتونس، ويخفف من أعباء مادية كبيرة تتحملها لمراقبة حدودها خوفاً من تكرار الهجمات الإرهابية، خصوصاً الهجوم على مدينة بن قردان الحدودية من قبل مجموعات ارهابية عبرت الحدود بين البلدين وسعت لإقامة ما أسمته "إمارة داعشية" بالمدينة في مارس (آذار) 2016، وخلال فترة حكم رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج.
وبين من اعتبر أن هجوم قوات الجيش الوطني الليبي على طرابلس اعتداء خطير، يجب وقفه والتصدي له، هذه الفرضية تبناها أيضاً مناصرو حركة النهضة والرئيس الموقّت السابق المنصف المرزوقي، الذي شن هجوماً عنيفاً على المشير خليفة حفتر، وصل حد اتهامه بانه يسعى لإجهاض الثورة التونسية والحراك الشعبي في الجزائر.
إرباك سياسي واضح
بعد أيام قليلة من عقد القمة العربية بحضور الأمين العام للأمم المتحدة، والجهود التي بُذلت خلالها لإنجاح الملتقى الوطني الشامل في غدامس، عبّرت وزارة الخارجية التونسية في بيان عن "انشغالها بالتطورات الخطيرة للأوضاع في ليبيا، معربة عن قلقها العميق لما آلت إليه الأحداث في هذا البلد الشقيق". ودعا البيان كل الأطراف إلى التحلي بأعلى درجات ضبط النفس، وتفادي التصعيد الذي من "شأنه أن يزيد في تعميق معاناة الشعب الليبي الشقيق، ويهدد انسجامه ووحدة أراضيه".
كذلك أكد البيان أهمية الحفاظ على المسار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة، وتوفير ظروف النجاح للمؤتمر الوطني الجامع، والتسريع في إيجاد حل سياسي دائم يعيد الأمن والاستقرار إلى ليبيا.
اصطفاف سياسي
الأحداث الجارية في ليبيا انعكست بشكل مباشر على الأطراف السياسية في تونس، وحركة النهضة القريبة والمؤيدة للأطراف السياسية في الغرب الليبي، وخصوصاً حزب العدالة والتنمية في طرابلس التي أصدرت بياناً استنكرت فيه العملية، واعتبرت أن التصعيد العسكري مدخل لاستباحة دماء الليبيين وتهجيرهم، إلى جانب كونه يمثل خطراً على أمن المنطقة واستقرارها، وشددت على رفض كل الحلول العسكرية، ودعت الى تغليب لغة الحوار، والذهاب في اتجاه المسار السياسي السلمي.
في المقابل عبّر حزب حركة مشروع تونس المشارك في الحكومة، على لسان أمينه العام محسن مرزوق، عن تضامنه مع العملية العسكرية التي يقودها المشير خليفة حفتر، قائلاً "نحن لا نأمل للشعب الليبي الشقيق سوى الخير والوحدة والسلام ولا نريد التدخل في شؤونه". أضاف مرزوق "لكننا نعتقد أن مصلحتنا في تونس وشمال أفريقيا تتقاطع مع جهود الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، في مكافحة الاٍرهاب والتطرف وفوضى السلاح، وهي الآفات التي نحاربها في تونس".
هذا الموقف لقي انعكاساً إيجابياً لدى الرأي العام التونسي، الذي لم يزل يذكر بكل قلق ما تسبب به الإرهاب من خسائر لوطنهم.