أترك الأمر لدونالد ترمب حتى يكشف عن واحدة من أكثر فضائح الفساد في ولايته الرئاسية، وذلك خلال فترة البطة العرجاء. وأنا لا أتحدث عن محاولة الانقلاب الفاشلة، أو أكاذيب الانتخابات التي تقوض الديمقراطية، أو جهوده في اللحظة الأخيرة لتقويض عمل إدارة بايدن المقبلة. أنا أتحدث عن مخطط "الرشوة مقابل العفو" المزعوم الذي يشير إلى سعي أفراد للحصول على العفو من البيت الأبيض مقابل المال.
إذ يروي القصة ملف قضائي جرى تنقيحه بشدة من قبل رئيس قضاة العاصمة واشنطن بيريل أ. هاول. وباختصار، أطلق شخصان بحسب بعض المزاعم، "مخطط ضغط سرياً"، من دون أن يُسجلا نفسيهما كجماعة ضغط، مستهدفين مسؤولي البيت الأبيض بهدف الحصول على عفو أو إلغاء عقوبة لفائدة شخص لم يُذكر اسمه. واستطراداً، تضمنت تلك المؤامرة إشارة إلى أن شخصاً لم يُذكر اسمه يمكن أن يقدم "مساهمة سياسية كبيرة مقابل عفو رئاسي" عن طريق وسيط.
في 28 أغسطس (آب)، طلب المدعون الفيدراليون مراجعة اتصالات البريد الإلكتروني التي ربما كانت محمية بسبب سرية علاقة المحامي بموكله، [مشيرين إلى] أن أحد المتآمرين المزعومين في مخطط الضغط كان محامياً. وجرى الاستيلاء على أكثر من 50 جهاز "آيفون" و"آيباد" وأجهزة كمبيوتر محمولة ومحركات أدوات التخزين الرقمي "يو إس بي" USB وأقراص كمبيوتر صلبة Hard Drives، في سياق تحقيق وزارة العدل. ورد دونالد ترمب هذا الأسبوع عبر "تويتر" زاعماً ببساطة أن "التحقيق بشأن العفو أخبار زائفة"!
وغني عن القول، إن الرئيس ترمب الذي يقول "لم أخسر الانتخابات التي خسرتها تماماً" ليس بالمصدر الأكثر مصداقية. ويمكننا جميعاً الاطلاع على ملف المحكمة بأعيننا الآن، والتقارير واضحة حول تدخل وزارة العدل. لكنني متأكد من أن سيدني باول (محامية ترمب) ستجد تفسيراً عاقلاً تماماً لهذا الأمر، ولا شك في أنه سيكون مُرتبطاً بشبح هوغو تشافيز.
أثارت أنباء مخطط الرشوة المزعوم هذا موجة من التكهنات على وسائل التواصل الاجتماعي. وبالنظر إلى حقيقة أن ترمب لديه كثير من الأصدقاء المقربين الذين اتُهموا أو أدينوا بارتكاب جرائم فيدرالية، بدا الأمر كأننا نلعب لعبة ألغاز سلطوية. ولقد تركت الدعوى القضائية بعض العلامات التي تشير إلى الشخص الذي يطلب العفو بشكل غير قانوني. ويمتلك هذا الشخص اسماً قصيراً وكان رهن الاعتقال أثناء المخطط. وما زلنا لا نعرف من كان متورطاً في البيت الأبيض أو إذا كان الرئيس ترمب على علم بالمخطط، لكن من المهم ملاحظة أن هذا الخبر لم يأتِ من فراغ.
كما توقعتُ في عمودي الأخير في صحيفة "اندبندنت"، بدأ موسم العفو خلال فترة "البطة العرجاء" [إشارة إلى الفترة الانتقالية في الرئاسة]. وبعد عفوه عن مستشاره للأمن القومي السابق مايكل فلين، الأسبوع الماضي، يَرِد أن ترمب يفكر في العفو عن مزيد من الأشخاص. وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، ناقش محامي الرئيس رودي جولياني مع ترمب في الأسبوع الماضي إصدار عفو استباقي لمصلحته [جولياني]. وقد يُفسر قلق جولياني من احتمال تعرضه لمساءلة جنائية دفاعه المضطرب عن أكاذيب ترمب بشأن الانتخابات وعدم وعيه الواضح بشتى السوائل البنية التي سالت على وجهه في ذلك المؤتمر الصحافي الشهير الآن بشأن تزوير الناخبين.
لكن، لا ينتهي الأمر عند هذا الحد. إذ تشير التقارير إلى أن ترمب تحدث أيضاً إلى مستشاريه حول منح عفو استباقي إلى أطفاله الثلاثة الكبار، "إيفانكا وإريك ودون جونيور، وصهره جاريد كوشنر". نعم، هذا ليس مزاحاً. إن الرئيس الذي قضى الأيام الأخيرة من حملته الانتخابية يتهم زوراً نجل بايدن بالفساد ويصرخ "أين هنتر؟"، يُروى الآن وهو يسأل عن قلمه حتى يتمكن من توقيع العفو عن أطفاله على جرائم مجهولة.
وبحسب تقارير، بينما يُحقق مع جولياني بشأن تعاملاته مع أوكرانيا، يحكى أن كوشنر قدم معلومات خطأ عن اتصالاته (بالأجانب) بهدف الحصول على تصريح أمني، ومن المحتمل أن يتورط أطفال ترمب في تحقيقات الاحتيال التي تجري في نيويورك، على الرغم من أنه لم يُتهم أحد حتى الآن بارتكاب جريمة. وفي ذلك الصدد، يفيد خبراء قانونيون أنه من المُريب العفو عن أشخاص على جرائم لم تُرتكب بعد. هل يتعين على ترمب توضيح ما ارتُكِب من جرائم في الماضي حتى يكون العفو قانونياً، هل ستُلغى أوامر العفو هذه، أو عفوه المحتمل عن نفسه، من قِبَلْ المحكمة العليا؟ هناك أسئلة كثيرة لا تزال عالقة.
لقد أصدر الرئيس ترمب 29 عفواً وخفف 16 حكماً. وفي بعض الأحيان أساء استخدام هذه السلطة، إذ أصدر عفواً وخفف أحكاماً صادرة من أصدقاء وحلفاء لهم علاقات مهمة ومقربين كذبوا من أجل حمايته، بمن فيهم مايكل فلين ومستشاره منذ فترة طويلة روجر ستون. ويزعم أندرو وايزمان، المدعي العام في فريق المستشار الخاص روبرت مولر، أن ترمب عرض العفو بهدف عرقلة تحقيقهم.
في المقابل، لا يُمكن للعفو أن يشمل الجرائم المرتكبة على مستوى الولايات، وإنما الجرائم الفيدرالية حصراً. ويُعد قبول العفو إقراراً بالذنب، ويرى خبراء قانونيون أن ذلك يعني التنازل عن الحق الدستوري في التزام الصمت عند استدعائك للإدلاء بالشهادة إذا كنت قد اعترفت بالفعل بالذنب فيما يتعلق بذلك السلوك. لكن، سنرى كيف ستتكشف هذه الديناميكية.
وعموماً، تنتهي رئاسة ترمب بمثل ما بدأت به، أي موجة من الانتهاكات غير القانونية للسلطة الرئاسية التي تقوض الأعراف الديمقراطية. ومع العد التنازلي للأيام حتى 20 يناير (كانون ثاني)، عندما تنتهي رئاسة ترمب، من الواضح أنه سيواصل السعي إلى إحداث أكبر قدر ممكن من الضرر في طريقه للخروج.
لقد أكد جون آدامز أن أميركا يجب أن يكون لها "حكومة قوانين، وليس حكومة رجال". ومن الواضح أن دونالد ترمب يعتقد أن أميركا يجب أن تكون حكومة رجال يفسدون القوانين. ومن بين أمور أخرى، سيكون هذا إرث ترمب.
© The Independent