Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

الخطر الحقيقي والداهم في مقامرة ترمب بالاقتصاد الأميركي

إن التهديدات والإهانات ورمي قبعات تحمل الشعار "اجعل أميركا عظيمة مجدداً" على الجمهور أخفت حقيقة أن الاستراتيجية الاقتصادية تنقلب رأساً على عقب

 ترمب يحمل مخططاً أثناء حديثه خلال حدث إعلان تجاري بعنوان "جعل أميركا ثرية مرة أخرى" في حديقة الورود بالبيت الأبيض، 2 أبريل 2025 (أ ب)

ملخص

يزعم ترمب أن الأميركيين تعرضوا للنهب من "محتالين أجانب" عبر فرض رسوم جمركية، وهو موقف يتعارض مع واقع ازدهار الاقتصاد الأميركي. هذه السياسات الحمائية قد تؤدي إلى زيادة الأسعار وتفاقم الفجوة الاقتصادية، ممهدةً لركود اقتصادي مشابه لما حدث في الثلاثينيات، حيث ساهمت الرسوم الجمركية في تفجر الحرب العالمية الثانية.

يقول دونالد ترمب إن الأميركيين تعرضوا إلى "نهب" و"اغتصاب" و"افتراس" من قِبَل "محتالين أجانب" لعقود من الزمن. إنها لغة غريبة وعنيفة. لغة لا تليق برئيس أبداً. وهي ببساطة غير صحيحة.

قد يتساءل البعض: لو كانت مزاعمه صحيحة، كيف تمكنت الولايات المتحدة من أن تصبح أكبر وأقوى اقتصاد في تاريخ العالم؟ وكيف أصبح مواطنوها أكثر ثراء من أي وقت مضى؟ لكن هذا ربما لن يستمر طويلاً.

يواصل ترمب إقناع الناس بأن الدول الأجنبية هي من ستدفع الرسوم الجمركية التي يفرضها. وهذا غير صحيح. من سيدفعها هم المتسوقون الأميركيون أنفسهم. هل سيشاهد الأميركيون أسعار هواتف "آيفون" المصنعة في فيتنام ترتفع بنسبة 46 في المئة في متاجر "وول مارت"؟ وهل سيدفع سكان المدن المتأزمة في "حزام الصدأ" [منطقة في شمال شرقي الولايات المتحدة ووسطها، كانت مزدهرة صناعياً ثم تدهورت بعد إغلاق المصانع وتراجع الصناعات الثقيلة] مالاً أكثر في مقابل المنازل المبنية بخشب كندي؟

الإجابة هي "نعم".

فالرسوم الجمركية ليست سوى ضريبة مبيعات باسم آخر، وهي من أشد أنواع الضرائب قسوة، لأنها لا تفرق بين غني وفقير ولا تراعي قدرة الناس على الدفع من عدمها. سترتفع الأسعار في أميركا، وستتفاقم الفجوة بين الأغنياء والفقراء، ولن يستعيد أحد "الحلم الأميركي" كما يعدهم الرئيس.

ومع تهاوي أسواق الأسهم عقب إعلان ترمب، تشير استطلاعات الرأي إلى أن الأميركيين يخشون العواقب. وهم محقون في ذلك. فترمب الرجل الذي كان يمتلك كازينوهات ذات يوم، ألقى النرد في أكبر مقامرة اقتصادية منذ الحرب العالمية الثانية.

أما عرضه المسرحي الذي قدمه وكأنه برنامج مسابقات تلفزيوني للمقامرات من نوع "بينغو"، فلم يكن ليخدع أحداً. الحسابات المتعلقة بالرسوم الجمركية، والحواجز غير الجمركية، والتلاعب بالعملات ليست سوى افتراضات هشة إن لم تكن أوهاماً. ترمب كان يعرف تماماً ما يريد فعله، كزعيم عصابة يوزع المكافآت على الموالين له ويقصي أعداءه المفترضين، ثم بدأ يحسب النسب والأرقام انطلاقاً من تلك الرغبة. حتى [نائبه] جي دي فانس حصل على تحية من الرئيس، قال له "أصبحت أكثر ثقة بنفسك!"، في نبرة حملت نوعاً من التهديد. [أسلوب معروف عند زعماء استعراضيين أو سلطويين، يمدحون شخصاً أمام العامة، لكن بعبارة فيها تذكير مبطن بسلطتهم عليه أو تحذير غير مباشر].

لا شيء مما جرى منطقي. لقد فرض رسوماً جمركية بنسبة 41 في المئة حتى على طيور البطريق في جزر فوكلاند!

عندما لم يكن اللوم يقع على "الأصدقاء والأعداء" الخبثاء، كان سببه ذلك الشرير الأكبر: "جو النعسان" [جو بايدن]. حتى إن ترمب ألقى بقبعة "ماغا" الشهيرة وسط الحشد ليتسابق عمال مصانع السيارات على الظفر بها. كان عرضاً نرجسياً تقليدياً، وأداء مهيناً لكل من كان حاضراً. لكن على الأقل، لم يستخدم كلمته المفضلة: "شرير" (nasty)، رغم أنه كان كذلك بالفعل.

على الأقل، تنفس البريطانيون الصعداء لأنه لم يكن قاسياً معهم بالقدر نفسه. هل أجاد كير ستارمر اللعب؟ الأمر نسبي بطبيعة الحال، لكن حقيقة تعرض المملكة المتحدة لرسوم جمركية أميركية بنسبة "لا تتجاوز" 10 في المئة على صادراتها، بينما سيواجه الاتحاد الأوروبي رسوماً بنسبة 20 في المئة على صادراته، وهي صادرات تفوق صادرات بريطانيا إلى الولايات المتحدة بأضعاف، يُعد في حد ذاته انتصاراً دبلوماسياً، ولو بشكل نسبي. بالنسبة للبعض، قد يُعد هذا مكسباً من مكاسب "بريكست". لكن، وبعبارة أخرى، ما إن يدرك البريطانيون أن الركود الصناعي الذي يهدد أكبر شريك تجاري لهم لا يبشر بخير لاقتصادهم المتعثر، حتى يتبدد ذلك الشعور بالارتياح.

كان يمكن أن يكون الوضع أسوأ. لكن الثاني من أبريل (نيسان) 2025، الذي أطلق عليه ترمب أسماء مثل "يوم التحرير" أو "يوم الاستقلال الاقتصادي"، ليس تاريخاً يستحق الاحتفال به في نظر أي عاقل. ففي عالم مترابط ومتداخل اقتصادياً بهذا الشكل العميق، تبدو هذه السياسة ضرباً من العبث.

وكما هو متوقع من ترمب، تتسم الجداول الجمركية التي كشف عنها كرئيس للولايات المتحدة بنزعة انتقامية واضحة. فالنهج المتدرج الذي اعتمده، والقائم على فرض رسوم "متبادلة"، يهدف إلى تحقيق غايتين. الأولى أنه يعكس سياسة تجارية تقوم على مبدأ الحمائية الصارمة، حيث يتولى سياسي واحد، لأسباب اجتماعية أو سياسية أو حتى نزوات شخصية، تحديد مسار النشاط الاقتصادي داخل بلاده، بدلاً من أن تتركه قوى السوق ورغبات المستهلكين ليأخذ مجراه الطبيعي.

وكما يفعل في كثير من الأمور، قرر ترمب أنه يعرف أكثر من عمالقة صناعة السيارات في العالم كيف وأين ينبغي عليهم تصنيع سياراتهم بأعلى كفاءة.

العولمة، وسلاسل التوريد العابرة للحدود، رغم تعقيدها لكنها أثبتت كفاءة عالية، أصبحت خارج المعادلة. وسيجري تصنيع المنتجات في أميركا أينما أمكن ذلك، حتى لو كان هذا الخيار أكثر كلفة. وإذا أدى ذلك، وهو ما سيحدث فعلاً، إلى زيادة التكاليف، وارتفاع الأسعار، وانخفاض مستوى المنافسة والجودة، فهذا كله يظل أمراً ثانوياً أمام الرؤية الترمبية لأميركا "الصانعة من جديد". أما تجارة الخدمات، التي تبقى حتى الآن خارج نطاق هذه السياسات الاقتصادية المتشددة، فلا تثير اهتمام ترمب الكبير.

الهدف الثاني لترمب هو تصفية الحسابات، القديمة والجديدة. وقد قالها بنفسه، خلال أحدث سردياته الملتوية، متباهياً بـ"ثباته على الموقف". ترمب، المولود عام 1947، رجل شهد بأم عينه ما فعلته شركات "تويوتا" و"هوندا" و"نيسان" بقطاع السيارات الأميركي في ثمانينيات القرن الماضي. وكثيرون في تلك الفترة حمّلوا السياسات الحمائية اليابانية والتلاعب بأسعار العملة مسؤولية المنافسة "غير العادلة" ولهم بعض الحق (هي التهم نفسها الموجهة إلى الصين اليوم).

اقرأ المزيد

حتى عندما كان ترمب شخصية تلفزيونية مشهورة، لم يتوقف عن الشكوى مما كان يحدث. ففي عام 1989، صرح قائلاً "أميركا تتعرض للنهب. نحن أمة مدينة، وعلينا أن نفرض الضرائب، وأن نفرض الرسوم الجمركية، وأن نحمي هذا البلد". وكان يدعو إلى فرض رسوم جمركية تتراوح بين 15 و20 في المئة على اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا، وعلى السعودية أيضاً، بشكل بدا غريباً إلى حد ما. واليوم، بعدما أصبح رئيساً، بات بمقدوره أن يتخذ إجراءات ضد ما يراه حتى الآن "غشاً" من جانب هذه الدول. (لذلك لم يكن مفاجئاً أن "تويوتا" ذُكِرت بالاسم في حديث أدلى به في حديقة الورود بالبيت الأبيض بطريقة غير ودية).

ليس من المبالغة رؤية السياسة التجارية الجديدة كأنها كارما ترمبية [الكارما مفهوم روحي يعني أن أفعال الإنسان، جيدة كانت أم سيئة، تعود إليه لاحقاً كنتائج أو مصير]، تُطبق اليوم على خصوم جدد مفترضين مثل المكسيك، وكندا، والصين، والاتحاد الأوروبي. بالنسبة إلى ترمب، يمثل ذلك تحقيقاً لحلم حياته.

لكن من يدري إلى أين يمكن أن يقود هذا المسار؟ فآخر مرة حاولت فيها الولايات المتحدة تطبيق هذه السياسة، أسهمت في تفاقم الكساد العظيم، وكانت بذلك عاملاً أساسياً في اندلاع الحرب العالمية الثانية. إذ إن قانون التعريفة الجمركية الأميركي لعام 1930، المعروف باسم "سموت-هولي" نسبة إلى السيناتورَين اللذين قدما مشروع القانون، فرض ضرائب كبيرة على الواردات القادمة من مختلف أنحاء العالم. وردت الدول الأخرى بإجراءات انتقامية مضادة، وترافق ذلك مع سلسلة من التخفيضات التنافسية في قيمة العملات، وكانت النتيجة انهيار التجارة العالمية خلال بضعة أعوام، مما أدى إلى إفقار الدول الصناعية الكبرى، وسرعان ما تحولت الحروب التجارية إلى حروب حقيقية.

من نواحٍ عدة، يبدو العالم اليوم في وضع أسوأ مما كان عليه في ثلاثينيات القرن الماضي، أسوأ من أن يتحمل صدمة جديدة. لا تنسَوا أن الركود التجاري المرتقب سيأتي بعد أزمة الطاقة الأخيرة، والديون الضخمة التي راكمتها الخزائن الوطنية خلال جائحة كورونا، والأزمة المالية العالمية التي بدأت عام 2008، حين اضطر الغرب إلى إنقاذ المصارف بتكلفة هائلة تحملها دافع الضرائب. الشعور بالخطر في هذا الوقت ينبغي أن يكون قوياً.

ومن غير المرجح هذه المرة أن يكون بالإمكان مواجهة الركود المقبل عبر الاقتراض والإنفاق كما حدث سابقاً، لأن معظم اقتصادات الدول المتقدمة استنفدت بالفعل ما يُعرف اليوم بـ"الهامش المالي" المتاح لها.

وكما في ثلاثينيات القرن الماضي، تضطر الدول الآن إلى تحويل مواردها الاقتصادية الثمينة إلى تصنيع الأسلحة لردع الحروب أو خوضها، البنادق قبل الزبدة [شعار أطلقه القائد النازي هيرمان غورينغ قبل اندلاع الحرب]. تجدر الإشارة إلى أن ما يقرب من 5 تريليونات دولار (3.8 تريليون جنيه إسترليني) قد تلاشت من قيمة الأسهم الأميركية منذ فبراير (شباط).

ينبغي لنا أن نشعر بالخوف. وربما هذا بالضبط ما يريده ترمب، أن يرانا جميعاً، العالم بأسره، نتابعه على شاشات التلفزيون وهو يوقع الأوامر التنفيذية، في نسخة قاتلة اقتصادياً من برنامجه التلفزيوني الشهير "المتدرب" The Apprentice [الذي أنتجه ترمب وقدم موسمه الأول]. هو يحب الأداء بطريقة مسرحية، لكن هذه اللعبة خطرة، والتاريخ لا يخفف من وقع هذه المخاوف.

في غضون أقل من عقد من الزمن من صدور قانون سموت-هاولي، دخل العالم في حرب. وبعد قرن من الزمن، من يجرؤ على القول إن التاريخ لن يعيد نفسه بطريقة مأساوية؟

© The Independent

المزيد من آراء