أحدث قرار رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، بتشكيل مجلس جديد باسم "شركاء الفترة الانتقالية" يضم 29 عضواً من العسكريين والمدنيين، وممثلي الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية السلام في جوبا أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، انقساماً واعتراضاً من غالبية القوى السياسية بمختلف مكوناتها، فضلاً عن أعلى سلطة تنفيذية في البلاد ممثلة في مجلس الوزراء، باعتبار أن المجلس الجديد مؤشر لجسم غريب يسعى للهيمنة والتغول على أجهزة الحكم المختلفة، مما يتعارض مع الاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية. وفيما يلي كيف تنظر القوى السياسية إلى ذلك المجلس؟
تغول سياسي
في هذا السياق اعتبر عضو اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي السوداني كمال كرار، المجلس الجديد، "انقلاباً على الثورة الشعبية"، لأنه نصب نفسه حاضنة سياسية جديدة بديلة لقوى الحرية والتغيير، بل إنه سلطة تتحكم في الجهاز التنفيذي، وتلغي دور الوثيقة الدستورية، إذ أصبح هناك هيكل جديد للحكم يعيد سيطرة وهيمنة المكون العسكري على شؤون البلاد في مختلف مستوياتها، بالتالي اكتملت خطوات وحلقات مشروع الهبوط الناعم الذي تقوده القوى المناصرة للنظام السابق، وهي التي تسيّر الآن المشهد السياسي.
وقال كرار "المطلوب الآن اصطفاف سياسي جديد يتكون من القوى التي صنعت الثورة، وأسهمت في إحداث التغيير بإزالة النظام السابق، وذلك من أجل الوقوف ضد محاولات إجهاض الثورة وإرساء دعائم الحكم المدني". لافتاً إلى أنهم سيتبعون كل آليات العمل السلمي والضغط الجماهيري من خلال المواكب الاحتجاجية، لمناهضة مشروع التغول السياسي الجديد الذي يهدف لإجهاض الدولة المدنية.
وأشار عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي إلى أن الشعب الذي صنع الثورة العريضة في أنحاء البلاد هو الضامن الوحيد لحراسة الديمقراطية من العسكريين، مؤكداً أنه لن تتكرر تجربة الانقلابات العسكرية للمرة الرابعة كما حدث في السابق، ولن يعود الإسلاميون إلى الحكم مرة ثانية، فثورة ديسمبر (كانون الأول) التي أطاحت نظام البشير ما زالت مستمرة، وهي تختلف عن ثورتي أكتوبر 1964، وأبريل (نيسان) 1985 في الأهداف والمضمون.
فشل "الحرية والتغيير"
في حين أكد مساعد رئيس حزب الأمة القومي السوداني للشؤون القانونية وعضو المكتب السياسي إسماعيل كتر، أن مجلس الشركاء الجديد "لا يعد تحالفاً سياسياً جديداً"، موضحاً أنه "مجلس استشاري" تنسيقي بين القيادتين العسكرية والمدنية، لتوجيه بوصلة العمل نحو إنجاح الفترة الانتقالية، بشرط ألا تتعارض سلطاته وصلاحياته مع الوثيقة الدستورية، لكننا نرى أن مخرجات المجلس الجديد بشكله الحالي غير موفقة، لأنه لم يراع الأوزان الحقيقية للقوى السياسية كحزب الأمة، الذي يعد أكبرها في البلاد، لذلك تحفظنا عليه، وطرحنا بديلاً لمكوناته ووظيفته المناط بها".
وبيّن كتر أن "مجلس الشركاء الجديد فرضه واقع ماثل، هو أن قوى الحرية والتغيير كحاضنة سياسية للحكومة الحالية تكونت في فترة ثورية، لكنها فشلت في مرحلة الاختبار، ولم تستطع مواصلة العمل بالهمة المطلوبة، لأنها ضمت أجساماً غير منضبطة ومتشاكسة باستمرار، مما اضطر بعض مكوناتها إلى الانسحاب، مثل الجبهة الثورية التي تضم الحركات المسلحة، ولحق بها، أخيراً، الحزب الشيوعي، وكذلك البعث، بينما جمد الأمة نشاطه وطرح مشروع العقد الاجتماعي كوسيلة لتعافي هذا الجسم". وقال إن حزبه "يجري حالياً مشاورات" مع مجلس السيادة والجبهة الثورية وبعض المكونات السياسية، للوصول إلى صيغة تمكننا جميعاً من بناء "جسم استشاري" له قيمة حقيقية وفعلية.
وأضاف مساعد رئيس حزب الأمة للشؤون القانونية، "المخرج الحقيقي لإعادة تماسك السلطة، يتمثل في ضرورة إعادة النظر في مجلس الشركاء الجديد بأخذ الملاحظات التي أبدتها القوى الحقيقية، نحن نريد جسماً معافى يتسم بالديناميكية والمصداقية بعيداً عن التشاكسات، وألا يتناقض مع الجهات الدستورية الأخرى، فما جرى إعلانه كمجلس شركاء غير مرضٍ لنا، وسيؤدي إلى مزيد من الخلافات والترهلات، وكأنه لم يحدث تغيير عما هو سابق، لكن ما أحب تأكيده أن أي قرار نتخذه نضع في بالنا وأولوياتنا استقرار الوطن، والحالة المعيشية، والأمنية".
مخاوف الوصاية
في سياق متصل رفض مجلس الوزراء السوداني، الجمعة الثالث من نوفمبر، تكوين مجلس شركاء الفترة الانتقالية، وأكد على جميع الأطراف المعنية مراجعة قرار التشكيل والاختصاصات في ضوء الوثيقة الدستورية الحاكمة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال وزير الإعلام والثقافة السوداني الناطق الرسمي باسم مجلس الوزراء فيصل محمد صالح "ما جرى نقاشه في الاجتماع المشترك بين مجلسي السيادة والوزراء وتمت الموافقة عليه من جانبنا حول دور مجلس الشركاء، كان مقصوراً فقط على أنه جسم تنسيقي لحل النزاعات والخلافات بين أطراف الفترة الانتقالية، ولا ينطبق هذا الوصف على الاختصاصات المنصوص عليها في قرار رئيس المجلس السيادي، القاضي بتشكيل مجلس شركاء الفترة الانتقالية". موضحاً أن القرار لم يأخذ في الاعتبار ملاحظات رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، التي أبداها في الاجتماع مع ممثلي الحرية والتغيير في وقت سابق.
وزاد، "كذلك الاختصاصات الواردة في قرار التشكيل، خصوصاً الفقرة التي تنص على منح المجلس أي سلطات أخرى لازمة لتنفيذ اختصاصاته وممارسة سلطاته، تعطي الانطباع بأن المجلس سيكون وصياً على الأجهزة المختلفة. كما لم يضع تشكيل المجلس أي اعتبار لمكوني المرأة والشباب، وهو ما يتعارض مع الوثيقة الدستورية وأولويات الفترة الانتقالية". مؤكداً أن سلطة الرقابة والمتابعة والمحاسبة وتوجيه الفترة الانتقالية حصرية للمجلس التشريعي، بما يقتضي الإسراع في تشكيله بصورة موسعة وممثلة لكل قوى الثورة ولجان المقاومة والمجتمع المدني.
ودعا صالح جميع الأطراف لمراجعة قرار التشكيل، والاختصاصات على ضوء الوثيقة الدستورية الحاكمة الفترة الانتقالية، التي تحدد مهام كل مستويات الحكم وتضمن عبور البلاد لبر الأمان.
التفاف جديد
في المقابل رفض تجمع المهنيين السودانيين تشكيل مجلس الشركاء الانتقالي شكلاً ومضموناً، باعتباره التفافاً جديداً على آليات مراقبة وتوجيه الفترة الانتقالية التي يمثلها المجلس التشريعي بالبلاد، الذي يجب أن يجري تكوينه بمعايير تعكس وزن وتنوع القوى الثورية.
وأشار بيان صادر عن التجمع، الذي قاد الحراك الشعبي في ثورة ديسمبر، إلى أن هذه الخطوة تأتي في مواصلة لمنهج فرض ترتیبات منافیة لروح الثورة وأهداف الفترة الانتقالية، مؤكداً عدم اعترافه بالھیاكل الحالیة لقوى الحریة والتغییر، وعدم أهلیتھا لتمثیل قوى الثورة أو تكملة أي من هیاكل الحكم، ناهیك عن مثل هذا المجلس المنبت الذي جرى الزج به في تعدیل الوثیقة الدستوریة بغیر مرجعیة، إذ لم ینص علیھا في أي اتفاق بما في ذلك سلام جوبا.
وتابع البيان "الصلاحیات المبھمة الموكلة إلى مجلس الشركاء الجديد وهلامیتھا، وعلى رأسھا توجیه الفترة الانتقالیة، هو تحویر واضح، ما یفتح الباب لتداخل صلاحیات هذا المجلس ومؤسسات السلطة الانتقالية الأخرى وتضارب الاختصاصات"، مشدداً على أن هذا المجلس لا یعدو أن یكون "تكریساً للواقع الذي تفرضه قلة هیمنت على تحالف الحریة والتغییر" وتلاعبت بأهداف الثورة، وجرتها لخدمة مصالحھا الشخصیة والحزبیة الضیقة بالتماهي مع العسكر، مما أضر أشد الضرر بالتحالف السیاسي، كما أضر بالحكومة الانتقالیة نفسھا.
وأكد تجمع المھنیین السودانیین استعداده للتعاون مع جمیع قوى الثورة الحیة، رفضاً لمثل هذه المحاولات التي سماها بـ"المكشوفة" لإجھاض الثورة.