يبعث نائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني برسائل نصية تتضمن رمز الوجة المبتسم إلى مارين لو بان زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا وينشر صوراً ذاتية (سيلفي) مع هاينتس-كريستيان شتراخه السياسي النمساوي المنتمي لليمين المتطرف.
ويطل وجه سالفيني زعيم حزب الرابطة اليميني المتطرف في إيطاليا مبتسما من شاشات عملاقة في اللقاءات الشعبية التي يعقدها اليمين في عواصم من براغ إلى صوفيا.
وبدعم من نجاحه الشخصي والملل الذي أصاب الناخبين من أحزاب التيارات الرئيسية يحاول سالفيني بناء جسور قبل انتخابات البرلمان الأوروبي التي تجري في 26 مايو (أيار) المقبل.
وفي ضوء التوقعات التي تشير إلى أن أكبر كتلتين سياسيتين ستخسران أغلبيتهما المشتركة يأمل سالفيني وغيره من قيادات اليمين المتطرف تشكيل تحالف من المعارضين والمشككين في الوحدة الأوروبية للفوز بما يكفي من المقاعد في المجلس لتعطيل التشريعات أو تأييدها.
وقال ماركو تساني مستشار سالفيني للشؤون الخارجية "فكرتنا هي التلاحم ... لتكوين تكتل جديد يعكس بصورة أفضل الآراء المشككة في الوحدة الأوروبية التي تجمعنا.
والوقت الحالي هو فرصتنا لتوحيد صفوفنا دفعة واحدة".
إلا أنه عندما يبدأ سالفيني حملته الانتخابية يوم الاثنين في ميلانو لن يكون بين الحاضرين سوى ممثلي ثلاثة أحزاب أوروبية صغيرة نسبيا من اليمين المتطرف.
ولن تحضر لو بان. ولن يشارك ممثلون عن حزب القانون والعدالة الذي يحكم بولندا ويتزعمه ياروسلاف كاتشينكسي.
ويعد سالفيني بتنظيم لقاء أكبر كثيرا الشهر المقبل. غير أن غياب لوبان وغيرها من القيادات القومية الرئيسية في اليمين المتطرف يبرهن على خلافات السياسة والمنافسات التي وقفت لفترة طويلة حائلا أمام وحدة مثل هذه الجماعات.
وتربط بين قيادات اليمين المتطرف أهداف عقائدية عامة تتمثل في الحد من المسار الليبرالي الواضح الذي يسير فيه الاتحاد الأوروبي وإعادة زمام السلطة إلى عواصم الدول الأعضاء.
لكن هذه القيادات تختلف في مجالات أخرى، وأخفقت محاولة بذلها ستيف بانون مستشار الاستراتيجية السابقة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في التوسط بين الجماعات الشعبوية في أوروبا.
هل الطيور على أشكالها تقع؟
يتوقع المستثمرون اشتداد الغموض السياسي بعد انتخابات 26 مايو (أيار) التي سيتم فيها اختيار أعضاء البرلمان الأوروبي البالغ عددهم 705 أعضاء أو 751 عضوا إذا ما فشلت بريطانيا في الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وفي كثير من الدول الأعضاء ازداد التأييد للقوميين المشككين في الوحدة الأوروبية بسبب الاستياء العام من بطء النمو الاقتصادي والتهديدات الأمنية التي يمثلها متشددون إسلاميون ورد الفعل المعارض للهجرة عبر حدود مفتوحة في أوروبا.
وقال سوسي دينيسون الباحث الزميل بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية "ثمة ثقة متنامية تدفع الناخبين للخروج على المألوف. والقوى المناهضة تمتلك دوافع أكبر الآن من المؤيدين لأوروبا".
وستؤدي مكاسب هذا التيار وخروج بريطانيا المزمع من الاتحاد الأوروبي إلى تغييرات في الجماعات المؤيدة للعمل الأوروبي المشترك التي كونتها الأحزاب في البرلمان الأوروبي الذي يتمثل دوره الرئيس في مراجعة القوانين الأوروبية التي تصوغها المفوضية التنفيذية الأوروبية وتعديلها.
ومن المتوقع أن يرفع حزب الرابطة الذي يتزعمه سالفيني ويناهض الهجرة عدد مقاعده في البرلمان الأوروبي لأربعة أمثاله ليصل إلى 27 مقعدا.
وتشير التوقعات إلى ارتفاع عدد مقاعد كتلة أوروبا الشعوب والحرية التي تنتمي إليها الأحزاب اليمينية المتطرفة من 37 إلى 61 مقعدا مع الصعود المنتظر لحزب التجمع الوطني بزعامة لو بان وحزب الحرية النمساوي بزعامة شتراخه المشارك في حكومة ائتلافية يتولى فيها شتراخه منصب نائب المستشار.
ويريد سالفيني الذي يشارك حزبه في حكم إيطاليا احتضان قيادات أخرى تشارك أحزابها في تكتلات منافسة مثل كاتشينسكي.
وقد عقد الاثنان اجتماعا في وارسو في يناير (كانون الثاني) وأشاد رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان باحتمال تشكيلهما تحالفا وصفه بأنه سيمثل واحدا من أعظم التطورات هذا العام.
كما أن تكوين تكتل سياسي واحد كبير سيسهم في توفير الأموال وفرص الدعم.
غير أن خلافات تتعلق بالسياسات ترجح أن تظل الأحزاب المنتقدة للاتحاد الأوروبي منقسمة إلى تجمعين على الأقل أحدهما يتمحور حول سالفيني والآخر حول كاتشينسكي.
ويبدي سالفيني إعجابه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين أما كاتشينسكي فيطعن فيه. والاثنان من المعارضين للهجرة لكنهما يختلفان في كيفية التعامل مع هذه القضية. وإيطاليا تسهم في ميزانية الاتحاد الأوروبي بأكثر مما تتلقى منها بينما بولندا تأخذ أكثر مما تعطي. كما أن آراءهما في الاقتصاد لا تتلاقى.
وبالنسبة لأحزاب اليمين في الدنمرك وفنلندا والسويد التي ترى في روسيا مصدر تهديد فإن تعاطف سالفيني ولوبان تجاه الكرملين يمثل أيضا خطا أحمر.
كما أن أحزابا عديدة تتنافس على مستوى الدول ستجد صعوبة أيضا في التلاقي.
وقد اختار أوربان البقاء في أكبر التكتلات السياسية في البرلمان رغم تعليق عضويته فيه الشهر الماضي. ورغم كل ما يردده من إشادات بإقامة ائتلاف يضم المشككين في الوحدة الأوروبية، فإن وجوده في تكتل مع أصحاب السلطة الحقيقيين في أوروبا يضفي عليه مهابة الانتماء للتيار الرئيسي وهو ما يفتقر إليه غيره من الشعبويين.
ويأمل البعض أن يتغير هذا الوضع بعد الانتخابات.
وقال ريشارد ليجوتكو النائب من حزب القانون والعدالة والرئيس المشارك لتكتل المحافظين والإصلاحيين الأوروبي إن "ترك تكتل قوي للانضمام لتكتل ضعيف قرار سياسي صعب. لكن تركه للانضمام لتكتل قوي جدا أيضا ومتنام أقل صعوبة".
وأضاف "هذه هي المرة الأولى التي تظهر فيها فرصة حقيقية لاحتمال تغير الأمور وإمكان تقويض هذا الاحتكار السياسي بل والعقائدي".
الاستدفاء بالآخرين
لا تزال الصلات بين اليمين المتطرف تقتصر إلى حد بعيد على العلاقات الشخصية.
وعندما يشارك زعماء معزولون في الداخل ويفتقرون للنفوذ في الخارج في اجتماعات بعضهم البعض فالأمر يتعلق بإظهار أنهم ليسوا مهمشين.
وقال دنكان مكدونيل أستاذ السياسة بكلية الحكم والعلاقات الدولية في جامعة جريفيث "الأمر يتعلق بمصادقة كل على الآخر". لكنه أضاف أن اليمين المتطرف يرى نفسه على نحو متزايد "جزءا من موجة جديدة".
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن حزب البديل لألمانيا قد يفوز بمقاعد أكثر كثيرا في البرلمان الأوروبي المقبل، وربما يضع يده في يد تكتل سالفيني. وتبين الاستطلاعات أن منتدى الديمقراطية في هولندا، بقيادة تيري بوديت قد يفوز بأربعة مقاعد جديدة في البرلمان الأوروبي. وقد قال إنه سينضم لحزب القانون والعدالة البولندي في تكتله.
وقد أصبح حزب فوكس الإسباني هو الأثير بين الجماعات المشككة في الوحدة الأوروبية في أعقاب نجاحه في انتخابات إقليمية في إسبانيا في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وحتى ذلك الحين كانت إسبانيا تقاوم التيارات الشعبوية التي اجتاحت أوروبا.
والآن يتودد لحزب فوكس حزب القانون والعدالة البولندي وحزب الرابطة الإيطالي.
وتشير الاستطلاعات إلى أن فوكس الذي لا يملك أي مقعد الآن في البرلمان الأوروبي سيفوز بنحو خمسة مقاعد. غير أن سانتياجو أباسكال زعيم الحزب قال لرويترز "من المحتمل أن نمضي بمفردنا".
وقد استفاد حزب فوكس من التوترات الداخلية بسبب النزعة الانفصالية في إقليم قطالونيا التي يعتبرها جزءا لا يتجزا من إسبانيا لكن أحزابا أخرى من اليمين المتطرف لا تشاركه رأيه.