إصلاحات هيكلية تحتاجها دولة الكويت الغنية بالنفط، للحفاظ على اقتصاد قوي، يجنّبها هزّات أسعار النفط، التي تجتاح الأسواق من حين إلى آخر. خبراء ومحللون أكدوا صعوبة إقرار إجراءات مالية لتعزيز الإيرادات العامة بالدولة، في ظل رفض مجلس الأمة الكويتي تحميل البلاد أي أعباء جديدة. ويشدد المختصون، في تصريحات إلى "اندبندنت عربية"، على أنه يجب التدرج في إجراءات الإصلاح الاقتصادي، وفرضها على الأجانب، الذين يمثلون ما يقرب من 70% من سكان البلاد، لحين فرضها على المحليين، سواء أكانت رسوم الخدمات أو الضرائب.
ويرون أنه لا مفر أمام الكويت من تنويع مصادر دخلها استعداداً لعصر ما بعد النفط، والعمل على جذب التدفقات الأجنبية عبر تقديم التسهيلات أسوة بالدول المجاورة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتحوَّلت الكويت إلى العجز المالي في عام 2015 - 2016، للمرة الأولى منذ 16 عاماً، إذ قدِّر في وقتها بنحو 6 مليارات دينار (19.7 مليار دولار)، مع هبوط أسعار النفط العالميَّة من مستويات 120 دولاراً إلى مستوى أقل من 30 دولاراً في 2014، وكانت وزارة المالية الكويتية قدَّرت العجز المالي المقدر تحقيقه خلال العام 2018 - 2019 بنحو 6.5 مليار دينار (21.4 مليار دولار)، بعد استقطاع نسبة احتياطي الأجيال القادمة.
وتعتمد الكويت بشكل أساسي على صناعة النفط، الذي يشكّل أكثر من 90% من الإيرادات الحكوميّة، ويبلغ إنتاجها 2.8 مليون برميل يومياً، بإجمالي احتياطات نفطية مؤكدة تبلغ 102 مليار برميل، تمثل 7.4% من إجمالي احتياطات النفط العالميّة، وهي عضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك".
ونهاية مارس (آذار) الماضي، اختتم المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي مشاورات المادة الرابعة لعام 2019 مع الكويت، وقال الصندوق، في بيان عقب انتهاء المشاورات مع المسؤولين الكويتيين، إن الحساب الجاري في البلاد انتعش بفضل ارتفاع أسعار النفط بتحقيق فائض يقدر بنحو 12.7% من الناتج المحلي الإجمالي بالعام 2018، بعد أن سجَّل عجزاً للمرة الأولى منذ أكثر من عقدين في 2016، مرتفعاً من فائض 5.9% كنسبة للناتج المحلي في 2017.
واستفاد ميزان المدفوعات من نمو القطاع النفطي بنسبة 1.2% بالعام الماضي، بعد انكماشه 7.2% بالعام 2017، ودعا الصندوق البلد الغني بالنفط إلى سرعة إجراء إصلاحات ماليّة وهيكليّة لتقليل الاعتماد على النفط، وزيادة الادخار الحكومي، وخلق مزيد من فرص العمل.
وطالب المديرون لدى صندوق النقد، بإصلاحات مالية أعمق لضمان وفورات كافية للأجيال القادمة، مع معالجة قيود الإنفاق وتقليل الاعتماد على النفط لتجنّب تقلبات الأسواق، مع زيادة الإنفاق لتحسين البنية التحتية وزيادة النمو المحتمل، وخلق مزيد من فرص العمل في القطاع الخاص.
وأكدوا الحاجة إلى معالجة فاتورة الأجور الضخمة في القطاع العام، مشيرين إلى أن أجور القطاع العام ينبغي أن تتماشى تدريجياً مع أجور القطاع الخاص لتحفيز المواطنين على البحث عن فرص في القطاع الخاص ودعم القدرة التنافسيّة. كما شجَّع المديرون الحكومة على المضي قدماً في إقرار الرسوم الضريبية، في مقدمتها ضريبة القيمة المضافة، المعمول بها على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي.
وأكد المديرون الحاجة إلى إصلاحات هيكلية لتحسين بيئة الأعمال ودعم ريادة الأعمال، وتعزيز الإنتاجية، مع ضرورة تهيئة بيئة أكثر تمكيناً للشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة، من خلال تعزيز وصولهم إلى التمويل، وتيسير المشاركة في المناقصات العامة.
وتوقَّع صندوق النقد ارتفاع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بالكويت إلى 2.5% في العام الجاري و2.9% في 2020، مقابل 1.7 في 2018، كما تنبأ الصندوق أن يسجل معدل التضخم في الكويت 2.5% في 2019، و2.7% بالعام المقابل، مقارنة بـ0.7% في 2018.
وحول القطاع المصرفي الكويتي قال الصندوق، إنه يتمتع بمؤشرات قوية، إذ تعافى الائتمان بعد تباطؤه في بداية عام 2018. وحققت البنوك معدلات رسملة مرتفعة وصلت إلى نحو 18% في سبتمبر 2018، كما تعتبر معدلات السيولة مناسبة وضمن المتطلبات التنظيمية، إضافة إلى ارتفاع الأرباح وتحسن جودة الأصول مع انخفاض معدل صافي القروض غير المنتظمة إلى أدنى مستوى تاريخي.
مؤشرات ممتازة
وقال فاروق بستكي، العضو المنتدب للهيئة العامة للاستثمار الكويتية، إن مؤشرات الاقتصاد الكویتي منذ بداية العام الحالي ممتازة، مضيفاً: "الأمور تسير في اتجاه التحسّن، ومن المتوقع أن تشهد معدلات النمو الاقتصادي انتعاشاً ملحوظاً بعد ارتفاع أسعار النفط".
ولفت بستكي، في اتصال هاتفي مع "اندبندنت عربية"، إلى أن بلاده تواصل حالياً مسيرة الإصلاح الاقتصادية الملحة بهدف تنويع مصادر الدخل، وعدم الاعتماد على النفط مصدراً أساسياً للإيرادات العامة، وتخفيض مساهمة القطاع النفطي في الناتج المحلي الإجمالي.
تقليل الإنفاق الحكومي غير الضروري أبرز التحديات
من جهته ذكر محمد رمضان، الخبير الاقتصادي الكويتي، أن أبرز التحديات التي تواجه الكويت كيفية تقليل الإنفاق الحكومي غير الضروري، واستبداله بفرض الرسوم وأنواع الضرائب المختلفة لزيادة الإيرادات والإصلاح الاقتصادي.
وأشار رمضان، إلى رفض مجلس الأمة الكويتي فرض أي أعباء على المواطنين، متابعاً "المخرج الوحيد أنه يتم فرض الأعباء على الأجانب لحين تقبل فرضها على المواطنين".
وحول تأخر إقرار قانون الدَّين، قال رمضان "إنه غير مقلق، ويمكن الاعتماد على الاحتياطي العام لتمويل التزامات الميزانية العامة"، إلا أنه يجب التنويع بين مصادر التمويل حتى لا يتم استنزاف رصيد الاحتياطي، مطالباً بإقرار قانون الدَّين، والاعتماد على رصيد احتياطي الأجيال القادمة للإنفاق على برامج التنمية بالبلاد من ناحية، واستفادة الصندوق من العوائد الجيدة.
صندوق الأجيال القادمة تأسس في 1976، ويهدف إلى الاستثمار في الأسهم العالمية والعقارات لمصلحة أجيال المستقبل، عبر تحويل 50% من رصيد صندوق الاحتياطي العام، إضافة إلى إيداع ما لا يقل عن 10% من جميع إيرادات الدولة السنوية في الصندوق، لإعادة استثمار العائد من الإيرادات.
الراهن على قطاع النفط لجذب الاستثمارات
وقال علي ناصر الشهري، الخبير الاقتصادي رئيس شركة الأجيال القادمة للاستشارات في الكويت، إن الراهن الرابح في الكويت لجذب التدفقات الأجنبية يتخلص في قطاع واحد هو النفط، الذي يعتبر محرماً حتى الآن على المستثمر الأجنبي.
وأضاف الشهري، أن الكويت تعاني من البيروقراطية، وتدني حجم الاقتصاد، وارتفاع مؤشرات الفساد، وبطء شديد في نظام التقاضي، فضلاً عن عدم وجود فرص ربحية واضحة للمستثمر الأجنبي، في الوقت نفسه تتقدم الدول المجاورة بسرعة كبيرة، وتقدم فرصاً أفضل للمستثمرين.
وحسب بيان الصندوق، هناك أمران ضروريان لتعزيز مصداقية السياسة المالية، الأول: وجود إطار مالي قوي، والثاني: الحوكمة، مما يساعد على تعزيز الشفافية المالية، وتحسين إطار المشتريات العامة. وزيادة كفاءة الإنفاق من شأنها أن تساعد على زيادة مساءلة الحكومة، وخفض الهدر، ومكافحة الفساد.
وجاءت الكويت بالمرتبة 97 من أصل 190 اقتصاداً بترتيب الاقتصادات العالمية، ضمن مؤشر سهولة أنشطة الأعمال الصادر عن البنك الدولي في 2018.
وذكر الشهري، أن التحدي الأكبر لميزانية البلاد هو الالتزام بسقف محدد للرواتب، وتوفير مصادر تمويل لعجز الميزانية، لافتاً إلى أن الهيئة العامة للاستثمار (الصندوق السيادي) يمكن تبيع استثماراتها في الاحتياطي العام، ومنها ملكياتها في البورصة المحلية، التي تتعدى قيمتها 1.5 مليار دينار (4.9 مليار دولار) في شركتي زين وبيت التمويل الكويتي.
واحتلت الكويت المرتبة الـ49 عالمياً، ضمن مؤشر جاذبية الاستثمار لعام 2018، من بين أهم 109 دول في جذب الاستثمار حول العالم، وفق تقديرات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد).
وتستهدف الكويت تحقيق عائدات تصل إلى نحو 135 مليار دولار من وراء تطبيق استراتيجية "كويت جديدة" بحلول 2035، التي تستهدف من خلالها تفعيل مشاركة القطاع الخاص في تنفيذ عدد من المشروعات التنموية في الكويت.
ومطلع 2017، أطلقت الكويت استراتيجية "كويت جديدة" بحلول 2035، التي تستهدف تحقيق عائدات تصل إلى نحو 135 مليار دولار، وتعتمد على 7 ركائز تتحقق من خلال 164 مشروعاً تنموياً، بينها 30 إستراتيجياً.
ووفق لرصد موقع "اندبندنت عربية"، تبلغ الاستثمارات الأجنبية داخل الكويت نحو 25.2 مليار دولار بنهاية 2017، وهو أعلى مستوى في 5 سنوات، شملت نحو 10.2 مليار دولار استثماراً مباشراً، واستحوذ قطاع الاتصالات نسبة 38.4% من تلك الاستثمارات، ثم شركات الاستثمار 27.4%، والصناعة 12.4%.