عكست أسعار النفط اتجاهها نحو الصعود مع تجدّد ضغوط الرئيس الأميركي دونالد ترمب على منظمة "أوبك " بضرورة تخفيف جهودها لتعزيز سوق النفط. وقال ترمب إن "الأسعار ترتفع أكثر مما ينبغي". في هذا الوقت، ارتفع خام برنت إلى 65 دولاراً للبرميل، وسط توقعات بتمسك السعودية وبقية أعضاء "أوبك" بتخفيضاتهم الإنتاج.
وكانت الأسعار قد تراجعت الثلثاء 26 فبراير (شباط) وخسرت 3.5 في المئة، كما تراجع الخام الأميركي غرب تكساس الوسيط سبعة سنتات إلى 55.41 دولار للبرميل. ويُشير خبراء إلى أن كبح موجة الصعود قد توقفها التوقعات بارتفاع مخزونات النفط الخام الأميركية للأسبوع السادس على التوالي، ومن المتوقع أن ترتفع المخزونات بمقدار 3.6 مليون برميل في التقارير الأسبوعية، بما يؤكد كفاية الإمدادات في أكبر مستهلك للنفط في العالم. وتُشير الإحصاءات الأخيرة لعام 2019 إلى أن المخزون الاستراتيجي للولايات المتحدة بلغ 437.1 مليون برميل.
ومن المقرر صدور أول تقرير عن المخزون في وقت لاحق الأربعاء 27 فبراير (شباط) من معهد البترول الأميركي. وتكشف مؤشرات النفط أن الآسعار باتت مرتفعة نحو 20 في المئة منذ بداية العام الحالي، حين بدأت منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" ومنتجون آخرون مثل روسيا خفض الإنتاج في مسعى لتقليص التخمة العالمية.
ونقلت وكالات عن أوليفر جاكوب، وهو محلل النفط لدى "بتروميتريكس"، أنه "من المرجح أن تلتزم السعودية وبقية أعضاء أوبك الحذر في شأن خفض الإمدادات، بعد ارتفاع الإنتاج في النصف الثاني من العام الماضي قبل العقوبات الأميركية على إيران، وهو ما أدى إلى إنخفاض كبير في الأسعار".
وكانت "أوبك" وشركاؤها بما فيهم روسيا، اتفقوا على سقف للإنتاج التزموا به بصرامة وتم تشديده مطلع ديسمبر (كانون الأول). وأدى هذا الإجراء إلى ارتفاع الأسعار مجدداً منذ بداية العام الحالي. وقد وصلت إلى 67.73 دولاراً لبرميل برنت و57.81 دولاراً للنفط الخفيف، وهو أعلى مستوى في ثلاثة أشهر.
تطورات السوق تفرض الأسعار وليست "التغريدات"
واعتبر خبير النفط الكويتي محمد الشطي أن "تطورات السوق النفطية هي التي تؤثّر في مسار الأسعار، أما تأثير رسائل التويتر فهي وقتية، كما أن أساسيات السوق هي التي تُحدد توازن أسواق النفط من عدمه ومن بعدها الأسعار".
وقال: "وهذا ما حدث في 2018 عندما نشر الرئيس الأميركي تغريدات كشف فيها عن حزمة العقوبات على إيران. وجاء الإنطباع بأن السوق ستخسرالحصة الإيرانية، بالإضافة إلى التشكيك في عدم قدرة السوق على تعويض ذلك قريباً، إذ يصل حجم الإنتاج الإيراني إلى نحو 4 ملايين برميل يومياً، وهو ما رفع أسعار نفط خام برنت إلى مستوى 86 دولاراً للبرميل".
واعتبر أن "الرسائل السابقة للرئيس الأميركي ترمب، كانت تطالب المنتجين برفع الإنتاج. وقد استجابت أوبك لذلك بهدف استقرار الأسعار. وفي حينها، ارتفع المعروض في الأسواق، وجاءت الانطباعات في أسواق النفط بأن هناك خللاً في ميزان الطلب والعرض بعد استثناء الرئيس الأميركي لثمانية من كبار المستوردين للنفط الإيراني، الأمر الذي ساهم في ضعف الأسعار في الربع الأخير من 2018". أضاف "من هنا نرى أن تأثير التويتات الرئاسية، إن صح التعبير، فهي وقتية، وأن السوق تُراقب وتُتابع وتتفاعل مع مؤشرات المعروض مقابل الطلب وما ينتج عن ذلك من مستويات في المخزون النفطي ويتفاعل معها على أساس واقع السوق".
اتفاق التجارة الأميركي- الصيني يُعزز الطلب على النفط
في الوقت نفسه، اعتبر خبراء في شؤون النفط أن "التطورات المتسارعة في السوق هي التي تفرض نفسها على مسار الأسعار في ظل عدم الاستقرار الواضح في العقوبات على إيران وفنزويلا وليبيا، وأن أي إنتاج جديد في هذه الدول سيؤثّر في مسار السوق. وأكدوا أن تطورات المفاوضات التجارية الصينية- الأميركية ستُعزز الطلب على النفط بعيداً عن الجدل في شأن السياسات الحمائية. وتوقعوا أن تصل الأسعار إلى ما بين 65 و75 دولاراً للبرميل .
قطاع النفط الصخري
من جهة أخرى، وصف بوب دادلي الرئيس التنفيذي لشركة "بي.بي" قطاع النفط الصخري الأميركي بأنه "سريع الخطى وبأنه "سوق بلا عقل" لا هم لها سوى الاستجابة لإشارات سوق النفط".
ويحتاج قطاع النفط الصخري الأميركي، الذي ساعد الولايات المتحدة لتصبح أكبر منتج للنفط في العالم العام الماضي، لبيع الخام بأسعار بين 40 و60 دولاراً للبرميل لكسب المال، ويُسارع لوقف المنصات العاملة عندما تصبح الأسعار غير مربحة".
ونقلت وكالة "رويترز" عن دادلي قوله خلال مؤتمر أسبوع البترول الدولي في لندن أن "الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي تستجيب تماماً لإشارات السوق... إنها تستجيب لإشارات الأسعار فحسب، بخلاف السعودية وروسيا اللتين تضبطان إنتاجهما استجابة لوجود تخمة أو عجز في إمدادات النفط. أما سوق النفط الصخري الأميركي فإنها لا تستجيب سوى لأسعار النفط".
وانضمت روسيا، لأسباب ليس أقلها مواجهة ارتفاع الإنتاج الأميركي، إلى اتفاق عالمي لخفض الإمدادات مع أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول، وذلك لدعم الأسعار.
إلى ذلك، ذكرت إدارة معلومات الطاقة الأميركية في أحدث تقرير لها أن إنتاج الولايات المتحدة من الخام ارتفع إجمالاً إلى رقم قياسي أسبوعي بلغ 12 مليون برميل يومياً. وزادت مخزونات النفط الخام للأسبوع الخامس على التوالي لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2017 فيما لامست الصادرات أعلى مستوياتها على الإطلاق.
من جهة أخرى، نقلت "رويترز" عن مصدر مطلع قوله إنه "من المتوقع أن تزيد صادرات النفط الخام السعودية إلى الصين إلى حوالي 1.5 مليون برميل يومياً في الربع الأول من العام الحالي، مدعومة بنمو الطلب".
وقال المصدر إن "قفزة الصادرات، التي تأتي على الرغم من خفض الإنتاج في إطار اتفاق أوبك وحلفائها على تقليص إمدادات النفط العالمية، تواكب تنامي الطلب من شركات التكرير الصينية الجديدة والمستقلة". وتُشير مصادر مطلعة على تفكير "أرامكو السعودية" إلى أن "الشركة حولت استراتيجيتها في الصين لتستهدف توسعة حصتها السوقية عن طريق توقيع اتفاقات مع شركات التكرير المستقلة بعدما ظلت لسنوات تورد للكيانات الحكومية التقليدية".