تقف الأزمة الليبية من جديد في مفترق طرق، وتترقب أياماً حاسمة، ستحدد بشكل كبير مصير البلاد، الذي لا يزال يتأرجح بين الخيارين السياسي والعسكري، على الرغم من التقدم المحرز في مسارات التفاوض، خلال الأشهر الماضية.
ويتابع الشارع الليبي بعين جلسة النواب المفصلية لمحاولة توحيد برلمانهم، المشتت منذ سنوات، في مدينة غدامس، جنوب غربي ليبيا، ويراقب بأخرى التوتر الذي تشهده الجبهات العسكرية، والحشد المستمر من طرفيها المتنازعين، والحرب الكلامية التي عادت لتشتعل مجدداً، بعد فترة من التهدئة.
تأجيل جلسة النواب في غدامس
قرر أعضاء مجلس النواب الليبي، تأجيل جلستهم المرتقبة، في مدينة غدامس، التي كان مقرراً أن تعقد اليوم، الاثنين 7 ديسمبر (كانون الأول)، لتوحيد البرلمان، وسط أنباء متضاربة حول سبب التأجيل، مال أغلبها إلى أنه جاء بسبب خلافات على عدد من الملفات، التي نوقشت في الجلسة التشاورية التمهيدية، الأحد، على رأسها تعديل اللائحة الداخلية، وإعادة هيكلة اللجان النيابية وانتخاب رئيس جديد للمجلس.
وتضاربت الأنباء أيضاً حول الموعد الجديد للجلسة، فبعد أن حددت مصادر في المجلس موعدها الجديد غداً الثلاثاء، عاد عضو البرلمان إسماعيل الشريف، ليصرح من مدينة غدامس، بأنه "لم يحدد موعد رسمي للجلسة، حتى الآن، وتم تشكيل لجنة مصغرة، لتحديد موعد الجلسة الجديد".
وتحولت الجلسة، التي تستضيفها مدينة غدامس، إلى محور خلاف يهدد بأزمة تشريعية عميقة، بعد أن اعتبرت وقت الإعلان عنها دفعة جديدة للمسار السياسي، قبل إعلان رئاسة مجلس النواب في بنغازي، عن جلسة بالموعد نفسه المحدد لجلسة غدامس، لتبدأ خلافات النواب وانقسامهم تتكشف للرأي العام الليبي، بسبب رغبة نواب في طرابلس تغيير رئاسة البرلمان، بعد توحيده، ورفض تيار كبير من نواب إقليم برقة لهذا التوجه.
نصاب مكتمل
في السياق ذاته، قالت أسمهان بالعون عضو مجلس النواب "إن عدد الأعضاء الذين تجمعوا بمدينة غدامس يفوق المئة نائب، وهو ما يسمح بعقد جلسة للمجلس، بعد فشل رئاسته طيلة أربع سنوات، في عقد جلسة مكتملة النصاب"، مؤكدة ضرورة عودة مجلس النواب إلى "ممارسة مهامه، والإيفاء بالاستحقاقات الموكلة إليه، والخروج بالبلاد من المرحلة الانتقالية".
وأوضحت أن "النواب المجتمعين في غدامس، ماضون في تعديل اللائحة الداخلية للمجلس، وانتخاب رئاسة جديدة له، تقود ما تبقى من المرحلة الانتقالية، التي ستفضي إلى انتخابات رئاسية وتشريعية".
جلسة نواب بنغازي
في بنغازي، أكدت رئاسة مجلس النواب، أن الجلسة التي دعت إليها بشكل مفاجئ، قبل يومين، ستعقد في موعدها، اليوم الاثنين، وقال المتحدث باسم المجلس عبد الله بليحق "المجلس سيناقش تطورات الأوضاع في ليبيا، ومسألة توجه عدد من النواب إلى مدينة غدامس، لحضور الجلسة التي تم الاتفاق عليها، خلال اجتماعات نواب مجلسي طبرق وطرابلس، في المغرب".
وأضاف "وفقاً للقانون رقم 4 لسنة 2014م، وهو اللائحة التنظيمية لعمل مجلس النواب، فإن شرعية الجلسة، تكون من خلال دعوة من هيئة رئاسة مجلس النواب، ودون ذلك، لن تكون هناك شرعية لأي جلسة، وبالتالي تمت دعوة أعضاء مجلس النواب لجلسة الغد في مقر مجلس النواب الدستوري، وستتم خلالها مناقشة تطورات الأوضاع في البلاد، وجدول أعمال المجلس".
وحول توفر النصاب القانوني لعقد الجلسة، قال "غداً سيتضح الأمر، وفيما يخص قانونية عقد الجلسة، فهي معلقة من الجلسة السابقة، وبالتالي لا يحتاج المجلس لنصاب قانوني لعقدها".
مناوشات عسكرية وتوتر
في الشأن العسكري، تحولت المخاوف التي تزايدت أخيراً، من عودة المواجهات العسكرية في جبهات القتال المختلفة في ليبيا، إلى حقيقة وواقع ملموس، بعدما أعلنت مصادر عسكرية في الجيش، الأحد الماضي، سيطرة قوات تابعة له على معسكر "المغاوير"، التابع لقوات مُوالية لحكومة الوفاق، في منطقة أوباري جنوب غربي ليبيا.
وأوضحت المصادر، أن "الجيش أعطى القوات الموجودة داخل المعسكر مهلة لتسليم أنفسهم، بعد وقوع اشتباكات بين الطرفين".
من جهتها، قالت مصادر إعلامية مقربة من حكومة الوفاق، إن "قوات الجيش التي دخلت المعسكر، خرجت منه بعد مفاوضات مع أعيان مدينة أوباري، وعودة القوة التي كانت موجودة فيه، حتى نهاية مفاوضات اللجان العسكرية، المتواصلة منذ عدة أشهر".
وانتقد رئيس مجلس الدولة خالد المشري، في بيان له، هذا الهجوم، مطالباً حكومة الوفاق بتقديم دعم أكبر للمجموعات المسلحة بالجنوب، لـ"القيام بواجبها المطلوب"، معتبراً الهجوم خرقاً لاتفاق وقف إطلاق النار، متهماً حفتر بعدم الجدية، في الالتزام بأي اتفاق يتم توقيعه.
اعتراض سفينة تركية
من جانبه، قال الجيش الوطني الليبي، الاثنين، إن عناصره اعترضت سفينة تركية ترفع علم جامايكا، كانت متجهة صوب ميناء مصراتة في غرب البلاد.
وقال المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي أحمد المسماري إن سفينة الشحن التجارية "مبروكة" كان على متنها طاقم مؤلف من 17 فرداً بينهم تسعة مواطنين أتراك وحاويات لم يجر تفتيشها بعد.
وأضاف أن القوات البحرية التابعة للجيش الوطني الليبي استوقفت السفينة قرب ميناء درنة بشرق البلاد.
وأعلن الجيش الوطني كذلك، رصد هبوط طائرة شحن عسكري تركية، من طراز C 130، في قاعدة الوطية، قادمة من قاعدة قيصري في تركيا، هي السابعة من نوعها، خلال فترة لا تتجاوز أسبوعين.
ورداً على هذه التحركات العسكرية التركية، أصدر المسماري بياناً للقيادة العامة، بخصوص تطور الوضع الميداني، في مناطق التماس مع قوات الوفاق.
وقال المسماري "القيادة العامة، تؤكد التزامها وتمسكها التام بوقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه في مفاواضات لجنة (5+5) في جنيف، تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا".
وأضاف "في الوقت ذاته، تعرب القيادة العامة للقوات المسلحة عن قلقها إزاء الحشود المتزايدة للميليشيات التابعة لما يعرف بحكومة (الوفاق)، في طرابلس ومصراتة، وكذلك عمليات نقل ميليشيات وأسلحة ومعدات عسكرية، باتجاه خطوط التماس، غرب سرت والجفرة".
وشدد على أنه تبعاً لذلك أصدرت القيادة العامة للجيش "تعليمات وأوامر إلى جميع وحدات القوات المسلحة، لتكون على درجة عالية من الحيطة والحذر، وألا تنجر وراء الاستفزازات، التي يمكن أن تؤدي إلى تصعيد الموقف العسكري".
وكان الجيش الوطني الليبي، وجه تعليمات السبت، إلى غرفة العمليات الرئيسة في سرت والجفرة، لرفع درجة التأهب إلى الدرجة القصوى، بعد رصد تحركات لخمس فرقاطات عسكرية تركية قبالة شواطئ سرت، وسط ليبيا.
في المقابل، واصل وزير الدفاع بحكومة الوفاق صلاح الدين النمروش، تصريحات وصفت بالاستفزازية، قائلاً في كلمة له بمناسبة الذكرى الرابعة لتحرير مدينة سرت من قبضة تنظيم "داعش" الإرهابي "ما يحدث اليوم يذكر بما حدث منذ أربع سنوات، العدو واحد وإن اختلفت التسميات. القتلة من مختلف الجنسيات، يتخذون من بلادنا وكراً لتنفيذ هجماتهم، وسيلاقون المصير نفسه حتماً، ولم نطهر سرت من الدواعش، لنسلمها للمرتزقة وشذاذ الآفاق!".