رأى مستشارو المناخ التابعون للحكومة البريطانية أن "هناك حاجة إلى إجراء إصلاح شامل إلى حد ما، في كل جانب من جوانب الحياة في المملكة المتحدة، بدءاً من السيارات التي نقودها إلى ما نأكله وصولاً إلى المنتجات التي نتسوقها، إذا أردنا تحقيق هدف التخلص النهائي من انبعاثات الكربون بحلول السنة 2050".
أعلنت "اللجنة المعنية بتغير المناخ" في المملكة المتحدة CCC اليوم بالتفصيل عن الخطوات التي تحتاج البلاد اعتمادها في السنوات الثلاثين المقبلة لوضع حد بشكل فاعل للتلوث الذي تحدثه بريطانيا على المناخ.
ودعا تقرير أصدرته اللجنة في هذا الصدد، إلى أن توقف المملكة المتحدة في السنوات الخمس المقبلة اعتمادها على الطاقة التي تعمل بالفحم، وإلى تناول سكانها كميات أقل من اللحوم بنسبة 10 في المئة، وإلى زرع نحو 30 ألف هكتار من الغابات الجديدة كل سنة كي تكون منسجمة مع هدف صفر من الانبعاثات. ويطالب إلى ذلك، بأن تكون جميع المنازل الجديدة التي ستبنى بحلول السنة 2025 "خالية من انبعاثات الكربون"، بمعنى استخدامها تدفئة منخفضة الكربون، كالمضخات العاملة بالحرارة الكهربائية بدلاً من السخانات التي تستعمل النفط والغاز.
يتابع تقرير "اللجنة المعنية بتغير المناخ" أنه بحلول أوائل الثلاثينيات من القرن الحادي والعشرين، يتعين التوقف نهائياً عن بيع المنازل سخانات جديدة تعمل على النفط والغاز، وبيع أي سيارات جديدة تستعمل البنزين. وإلى أن يعتمد في هذه المرحلة بشكل متزايد على الكهرباء المنخفضة الكربون، مصدرَ طاقة للسيارات ووسائل التدفئة.
وأوضح اللورد ديبين رئيس "اللجنة" أن التقرير هو الأول من نوعه في العالم، ويمكن أن يساعد المملكة المتحدة على قيادة الدول الأخرى في هذا المجال، خصوصاً أنها ستستضيف قمة مفصلية عن المناخ تعقدها الأمم المتحدة في مدينة غلاسكو السنة المقبلة.
وأشار اللورد في إفادة صحافية إلى أن "المسألة تتعلق بتمهيد الطريق أمام الحكومة لتحقيق ما يتعين عليها. وفيما يتوجب اعتماد هذا الخيار من أجل حماية الكوكب، إلا أنه علينا أيضاً أن نقوم بذلك من أجل تجديد اقتصادنا".
حزب "العمال" المعارض طالب الحكومة بالمبادرة "بشكل عاجل" إلى دعم خريطة الطريق المتعلقة بإنهاء الانبعاثات الكربونية التي وضعتها "اللجنة المعنية بتغير المناخ". ورأى ماثيو بينيكوك وزير المناخ في حكومة الظل أن "هذا التقرير الشامل يؤكد أهمية التحدي الفريد الذي يشكله هدف صافي الصفر من الانبعاثات، ومستوى الطموح المطلوب في هذا العقد الحاسم من الزمن، إذا أردنا تحقيقه، إضافة إلى مدى الفوائد المتوقعة في حال اغتنام الفرصة بمختلف جوانبها".
تقدر "اللجنة المعنية بتغير المناخ" أنه لبلوغ الهدف هذا المتمثل، سيتعين زيادة الاستثمارات في الوسائل ذات الانبعاثات المنخفضة من الكربون بنحو 50 مليار جنيه استرليني (67 مليار دولار أميركي) كل سنة.
بيد أن الكلفة الإجمالية لتحقيق هدف الصفر، ستكون وفقاً للحسابات التقديرية التي أجرتها اللجنة، أقل من 1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي السنوي، على مدى السنوات الثلاثين المقبلة.
وأوضحت الهيئة الأولى المسؤولة عن مواجهة الإضرار بالمناخ في بريطانيا، أن التحول نحو التقنيات النظيفة والأكثر كفاءة مثل السيارات الكهربائية، يتطلب أن تستخدم البلاد وقوداً أحفورياً ذا كلفة أقل.
البروفيسور مارك ماسلين عالم المناخ في "كلية لندن الجامعية" UCL، لفت إلى أن التقرير "يُظهر للجميع أن إنقاذ الكوكب لن يتسبب بعبء مالي على الموازنة الحكومية".
وأضاف أن هذا المنحى "سيؤمن دفعاً كبيراً للاقتصاد وفرص عمل. لكن الأجندة المثيرة للجدل في ما يتعلق بمواجهة تغير المناخ في المملكة المتحدة، لا يمكن أن تتحقق إلا إذا نفذت الحكومة السياسات، ووضعت قوانين، وقدمت حوافز لضمان القيام بهذه التخفيضات الكبيرة في انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم".
تربط "اللجنة المعنية بتغير المناخ" في بريطانيا أيضاً الكلفة المنخفضة لتحقيق هدف القضاء نهائياً على الانبعاثات الكربونية، بالخفض الحاد لأسعار مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح البحرية والطاقة الشمسية، وابتكار حلول منخفضة الكربون في قطاعات أخرى غير الطاقة.
وأكد اللورد ديبين أن زيادة الاستثمار في الحلول المنخفضة الكربون في السنوات المقبلة، يمنح الاقتصاد البريطاني أيضاً دفعاً يحتاجه بشدة في الوقت الذي يخرج من وباء "كوفيد". وإن "هذه الاستثمارات التي سنقدم عليها هي نفسها التي نحتاج إلى وضعها من أجل تجديد اقتصادنا. إنه تداخل مثير جداً بين الهدفين".
ورجحت "اللجنة المعنية بتغير المناخ" أن فرص العمل التي ستُطرح في المسار نحو القضاء نهائياً على الانبعاثات الكربونية، بما في ذلك إعادة هيكلة هندسة المساكن في بريطانيا وتركيب مزيد من نقاط الشحن الكهربائي للسيارات، قد تصل إلى 200 ألف وظيفة جديدة في أنحاء المملكة المتحدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونصحت لجنة المناخ بأن نقطة الانطلاق الرئيسية للحكومة نحو تحقيق هدف صافي الصفر، هي بخفض انبعاثات المملكة المتحدة بنسبة 78 في المئة بحلول السنة 2035، مقارنة بمستويات العام 1990. ما يشكل انخفاضاً بنسبة 63 في المئة عن العام 2019.
يذكر كريس ستارك الرئيس التنفيذي للجنة بأنه "حتى العام الماضي كان ذلك هدفنا الفعلي للسنة 2050. من هنا فالمغزى الضمني أننا قدمنا هدف القضاء نهائياً على الانبعاثات الحرارية، نحو 15 سنة إلى الأمام. ما يُعد إشارة إلى مدى طموح المملكة في المجال البيئي".
الهدف الموصى به هو السادس من نوعه الذي يصدر عن لجنة المناخ. ويتعين عليها بموجب "قانون تغير المناخ" أن تقدم النصح للحكومة البريطانية في تحديد أهداف موقتة للتخفيف من الانبعاثات الحرارية على مدى خمس سنوات، تُعرف باسم "موازنات الكربون"، في سعيها إلى تحقيق أهدافها طويلة الأجل في الحفاظ على المناخ.
يأتي تقرير اللجنة إذر إعلان رئيس الوزراء البريطاني الأسبوع الماضي، أنه يسعى إلى خفض انبعاثات البلاد من غاز الكربون بنسبة 68 في المئة بحلول السنة 2030، مقارنة بمستويات العام 1990.
التعهد للسنة 2030 الصادر عن بوريس جونسون، يأتي في سياق التزام المملكة المتحدة باتفاقية باريس، وبناءً على نصيحة "اللجنة المعنية بتغير المناخ"، عبر الاستناد إلى الحسابات نفسها التأشار إليها التقرير الجديد.
أما الحكومة فلديها الآن حتى نهاية يونيو (حزيران) لتدرج موازنتها السادسة للحد من انبعاثات الكربون في إطار قانون. على أن تُتبع بسلسلة أخرى من السياسات لضمان تحقيق الهدف المرجوّ.
تعليقاً على تقرير لجنة المناخ، رأت البروفيسورة دانييلا شميدت مديرة الأبحاث في كلية العلوم التابعة لـ "جامعة بريستول" أن "اللجنة المعنية بتغير المناخ"، قدمت الآن التفاصيل اللازمة للانتقال من مجرد طموح حكومي إلى خطة للتطبيق من الناحية الاقتصادية".
واعتبرت أن "مثل هذا التحول يجعل المملكة المتحدة مكاناً أفضل للعيش، مع أجواء أكثر نظافة، وأساليب حياة صحية، ومدن أكثر حفاظاً على البيئة، ومناظر طبيعية أكثر تنوعاً".
أما راين نيوتن سميث، رئيسة الاقتصاديين في "اتحاد الصناعة البريطانية" CBI، فعولت على الخطة قائلة إن "التحليل المفصل المقدم اليوم من "اللجنة المعنية بتغير المناخ" يوضح مدى أهمية السنوات المقبلة في تحقيق تقدم نحو هذا الهدف المهم".
ختمت بالقول إن "المسارات نحو هدف صافي الصفر من الانبعاثات، أصبحت أكثر وضوحاً مع تواصل الانخفاض في تكاليف التكنولوجيا. وحان الوقت لتعمل الشركات التجارية والحكومة معاً لانتقال يضمن تعافياً اقتصادياً ونمواً مستداماً في المستقبل للبلاد".
© The Independent